الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب بصر الهدى للسيد مصطفى الخميني قدس سره: كلمتي الأخيرة معك: فعليك يا شقيقي وأخي في الله وفي ديني، النّظرة العميقة في كيفية طينتك الطّيّبة المعجونة بأسماء الله، والمركّبة من صفاته، وكيفيّة المحافظة على تلك الطّينة والفطرة الإلهيّة، وهي فطرة الله التي فطر النّاس عليها، وكيفيّة التّجنّب عن ظلماتٍ بعضها فوق بعضٍ، والموجبة لصيرورة تلك الطّينة المخمورة طينةً وفطرةً محجوبةً بحجبٍ روحانيّةٍ وظلمانيّةٍ، وما ذلك إلا بالتدبّر والتفكّر في المعاشرين وفي حضور المجالس الباطلة والمحافل العاطلة معهم، والتفكّر والتأمّل في مخالفة النّفس، فإنّ في مخالفة النّفس معرفة الرب، كما ورد عن الرّسول الأعظم الإسلاميّ صلى الله عليه وآله وسلم. ويا روحي وقلبي ويا صديقي وحبيبي: إنّ من اتّبع هدى الله وكرامته وتوجيهاته وإرشاداته القرآنيّة والإلهاميّة، لا خوفٌ عليهم على الإطلاق، لا خوفٌ بالنّسبة إلى المسائل الدّنيويّة، ولا يحزن على الأمور الرّاجعة إلى معيشته وحياته الفرديّة والاجتماعيّة، ولا بالنّسبة إلى البرزخيّة والأخرويّة، فهل ترى في نفسك ذلك إذا خلوت مع الله، وعشت في الانزواء، أم تجد الخوف والحزن، فيعلم منه أنّك لم تتّبع هدى الله، ونعوذ بالله أن تنسلك في قوله: "وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 39) فنرجو الله تعالى لك ولراقم هذه السّطور عافيةً طيّبةً وحسن الختام.
عن كتاب الخلل لصلاة للسيد مصطفى الخميني: ما تقتضيه القواعد قضية القواعد ربما تختلف، لأجل أن الصلاة قبل الوقت وبا لنسبة إليه تحتمل أن تكون واجبا مشروطا به، واخرى تكون واجبا معلقا، وثالثة يكون الوقت قيدا لها، والهيئة مطلقة، إلا أنه وإن كان عاجزا قبل الوقت من القيد، بحسب افقه إلا اقتداره على إتيانها في الافق الاخر، يكفي للايجاب المذكور. ونتيجة ذلك وجوب سيره بعد انقضاء الوقت إلى أن يدرك الوقت بتمامه، ولا سيما إذا أخر صلاته متعمدا، أو جواز ترك صلاته، حسب افقه في مجموع الوقت، لتمكنه من دركه في الأفق الاخر، وتفصيله يطلب من المسائل المستحدثة، هذا بحسب التصور. الادلة ظاهرة في الوجوب المعلق وأما الادلة فلا يبعد ظهورها وانصرافها إلى الوجوب المعلق، فإن الله فرض في كل اسبوع، خمس وثلاثين صلاة، كما في أخبار صلاة الجمعة، فبحسب كل اسبوع يكون الوجوب فعليا، والواجب استقباليا. ويؤيد ذلك كلمة إذا الواردة في الاخبار، حيث إنها تدخل على الفعل المفروض مجيئه، فقوله عليه السلام: إذا دخل الوقت فقد وجب الظهران، أو الطهور والصلاة فهو لأجل العلم بمجيئه حسب العادة. فإن الخطاب المشتمل على التكليف فعلي، والمكلف به استقبالي، وقد حررنا في الأصول: أن جميع التكا ليف لا يعقل إلا وأن يكون معلقا أو منجزا، بحسب الثبوت وإن كان يمكن التعبد بالمشروط، نظرا إلى آثاره، فكلمة اللام سواء كانت بمعنى عند، أو بمعنى بعد، أو العلة، أو بمعنى من، نحو قوله تعالى: "إنا لله وإنا إليه راجعون" (البقرة 156) هكذا قيل، لا تفيد أكثر من أن الواجب متأخر، ويترتب عليه الآثار الكثيرة. فما استبعده بعض الاعلام، من كونه من قبيل القسم الثالث، أو استظهره الوالد المحقق مد ظله أنه من القسم الاول، كي تكون الهيئة مشروطا، غير جائز، بل الأشبه هو الفرض الثاني. وأما توهم امتناع القسم الثالث، فهو كتوهم امتناع القسم الاول، كما عن الشيخ رحمه الله أو كتوهم امتناع الوجوب المعلق، كما عن بعض الاعلام رحمهم الله، غافلا عن أن الحوادث المتعاقبة كل حسب الواجبات المعلقة، كما حررناه في قواعدنا الحكمية، في مسألة ربط الحادث بالقديم. فعلى هذا، لو قدم صلاته على الوقت، الذي هو من قبيل القضايا الحينية اعتبارا، اللازم تقيد المكلف به، به رعاية لذلك الحين، وهو مثلا: من الدلوك إلى غروب الشمس، تكون الصلاة باطلة، إما لعدم الامر بها، أو لخلوها عن القيد، وهذا هو كذلك حتى على مسلكنا، فإنها وإن تكن مورد الأمر إلا أن الواجب استقبالي، فلم يمتثل ذلك الأمر لما يلزم أن يأتي بها في ذلك الحين. هذا مقتضى القواعد الاولية.
وعن کتاب ثلاث رسائل العوائد والفوائد للسيد مصطفى الخميني: في السؤال عن الدعاء سألته عن الدعاء؟ قال: هو العبادة، لا الاستعجال والاعداد. قلت: زدني بيانا لكيفية استجابتها. قال: هو تعالى قريب يسمع، وسميع يقدر، فيستجيب. قلت: ليس الامر كذلك، قال: كيف، وإذا دعاه أهلها يجيبهم؟ قلت: إن كان فيه الصلاح فيعطيه، وإلا فلا حاجة إليها. قال: هو يريد التماسه وخضوعه وخشوعه. قلت: هو غني عن ذلك. قال: فيه خير لنفسه كسائر عباداته. قلت: فكيف يجيب دعوة الداع إذا دعاه؟ قال: قدر دعاءه وقدر مدعوه حسب الصلاح. قلت: زدني بيانا. قال: لا تستجاب الدعوة بمعنى الجهل ثم التنبيه، وبمعنى الغفلة ثم التذكر، فإنه استجابة الموالي للعبيد. قال: فإذا يخلق يقدر أسبابه، ومنها دعاؤه. قلت: فهي الاعداد، قال: إعداد لكل متأخر. قلت: إني أجد من الناس من تستجاب دعوته إذا دعاه. قال: هو يعلم تقديره، فيدعوه فيجاب. قلت: قد لا يكون الأمر كذلك. قال: قدر استجابة دعوة الداع من عباده: "وإذا سألك عبادي عني" (البقرة 186) دون عبدة الأوهام والأصنام. قلت: الدعوة إلى الدعاء عامة، والاستجابة قليلة. قال: هي كثيرة. قلت: كيف؟ قال: ما من عبد يدعوه إلى أمر من الأمور الدنيوية، إلا ويدعوه الآخر إلى نقيضه، فهو أو أخوه مستجاب الدعوة، والله المجيب دعوة الداع.
جاء في کتاب واجبات الصلاة للسيد مصطفى الخميني: أن الرياء قد يكون من الراجحات، لما فيه من إحياء الشريعة، وهداية الناس، وتقوية الاعتقادات، فهو مع كونه رياء، يكون فيه وجه الله وشؤونه تعالى. فالضمائم إن لم تضر بالوضوء من جهة القربة والارادة الجدية إليها، فهي لا تورث الفساد وإن كانت من المحرمات. وإن كانت تضر، بأن لا يكون قاصدا جدا إلى الوضوء والطهارة، وغيرها مما يعتبر فيه قصد القربة، فهي توجب البطلان وإن كانت من الواجبات. وأما المحرمات المتحدة كونا ووجودا مع القربيات، ففي سراية المبغوضية منها إليها، بحث تقرر تفصيله في اجتماع الأمر والنهي، فلاحظ وتدبر. منع دلالة بعض الآيات على مبطلية الرياء ثم اعلم: أنه من الآيات الدالة على مبغوضية الرياء، وموجبيته البطلان، قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس" (البقرة 264) فإنها بظاهرها تدل على بطلان العمل الريائي. وفيه: أنها تدل على بطلان الصدقة بالمن والاذى، والمقصود من بطلانها سقوط أجرها، دون فسادها حتى تلزم إعادة الصدقة الواجبة، فإن المن بعد العمل لا يورث البطلان، مع أن الاية ناظرة إلى إبطال الصدقة بهما، فيكون المفروض فيها أنه قد أتى بها، ثم يريد المنة والاذى، فنهي الناس عنه. وتوهم: أنها في مقام بيان اشتراط الصدقة بعدم المنة حين الاعطاء، فاسد جدا، لظهور قوله: (لا تبطلوا) في أن الصدقة المفروضة الوجود صحيحة جامعة للشرائط، تكون منهيا إبطالها كما لا يخفى. وعلى هذا، لا دلالة لها على فساد العمل المأتي به لله تعالى رياء، بل تدل على هبوط العمل الريائي، الذي لا يريد جدا فيه شؤونه تعالى، بل المقصود إراءة الناس لا الغير. وأما لو أراده تعالى، ويرى الناس عمله المأتي به لله تعالى، وترشح الارادة الجدية للتقرب به منه تعالى، فهو صحيح، وربما كان الرياء في هذه المواقف لمصالح مترتبة عليه حسنا. إلا أن مقتضى مطلقات المسألة، حرمته في هذه الفروض أيضا. ومما يشهد على ذلك الاية السابقة عليها، وهي قوله تعالى: "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" (البقرة 262). وذيل تلك الاية: "ولا يؤمن بالله واليوم الاخر فمثله كمثل صفوان" (البقرة 264) إلى آخرها. فإن الايات في المقام، لا نظارة لها إلى المسألة الفرعية، بل هي ناظرة إلى هبوط الاعمال المتعقبة بالمن والاذى، وأن الإنفاق الريائي لا الانفاق في سبيل الله رياء يكون مثاله (كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين" (البقرة 264). بل ربما يمكن دعوى: أن المقصود إنفاق الكفار، لا المؤمن المرائي كما لا يخفى. اللهم إلا أن يقال: إن الرياء متقوم بأن يكون صورة العمل أوجدها لله تعالى، بمعنى أنه لا يكون العمل المحرم المعلوم عند الكل حرمته قابلا للرياء فيه، فهو يتقوم بالعمل الذي يمكن أن يؤتى به لله تعالى، وذلك بلا فرق بين حصول الارادة الجدية المستلزمة لصحة العمل الريائي، وبين ما لا يقصد به إلا رئاء الناس، فافهم وتأمل جيدا. خاتمة: في كفاية النية الارتكازية المشهور أن الاخطار بالبال تفصيلا لازم، والمعروف بين المتأخرين كفاية وجودها في خزانة الخيال. ومنشأ الاختلاف ليس مسألة كبروية، بل هم كانوا لا يرون اتصاف الطبيعة النوعية إلا به، بخلافهم، فإنهم يقولون باتصافها به.
https://telegram.me/buratha