الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في تفسير الميسر عن نعمتك: قوله تعالى " قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ" ﴿الأحقاف 15﴾ نِعْمَتَكَ: نِعْمَتَ اسم، كَ ضمير. ووصينا الإنسان أن يحسن في صحبته لوالديه بِرًّا بهما في حياتهما وبعد مماتهما، فقد حملته أمه جنينًا في بطنها على مشقة وتعب، وولدته على مشقة وتعب أيضًا، ومدة حمله وفطامه ثلاثون شهرًا. وفي ذكر هذه المشاق التي تتحملها الأم دون الأب، دليل على أن حقها على ولدها أعظم من حق الأب. حتى إذا بلغ هذا الإنسان نهاية قوته البدنية والعقلية، وبلغ أربعين سنة دعا ربه قائلا: ربي ألهمني أن أشكر نعمتك التي أنعمتها عليَّ وعلى والديَّ، واجعلني أعمل صالحًا ترضاه، وأصلح لي في ذريتي، إني تبت إليك من ذنوبي، وإني من الخاضعين لك بالطاعة والمستسلمين لأمرك ونهيك، المنقادين لحكمك. قوله جل اسمه "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿النمل 19﴾ نِعْمَتَكَ: نِعْمَتَ اسم، كَ ضمير. حتى إذا بلغوا وادي النمل قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يهلكنَّكم سليمان وجنوده، وهم لا يعلمون بذلك. فتبسم ضاحكًا من قول هذه النملة لفهمها واهتدائها إلى تحذير النمل، واستشعر نعمة الله عليه، فتوجَّه إليه داعيًا: ربِّ ألْهِمْني، ووفقني، أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ، وأن أعمل عملا صالحًا ترضاه مني، وأدخلني برحمتك في نعيم جنتك مع عبادك الصالحين الذين ارتضيت أعمالهم.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: عن نعمتك: قوله جل اسمه "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿النمل 19﴾ أي ألهمني "أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي" بأن علمتني منطق النمل وأسمعتني قولها من بعيد حتى أمكنني الكف وأكرمتني بالنبوة والملك "وعلى والدي" أي أنعمت على والدي بأن أكرمته بالنبوة وفصل الخطاب وألنت له الحديد وعلى والدتي بأن زوجتها نبيك وجعل النعمة عليها نعمة لله سبحانه عليه يلزمه شكرها.
جاء في موقع أجوري الفرق بين النِعْمَةُ (بكسر النون) والنَعْمَةُ بالفتح: مفاتيح الغيب للرازي: قال أهل اللغة: النِّعمة بكسر النون هي المنة، واليد الصالحة، والنُّعمة بالضم هي الميسرة، وبالنصب هي السعة في العيش. ثم قال: "كذلك" يعني: هكذا أخرجناهم من السعة والنعمة. بحر العلوم للسمرقندي ج4 ص143 قال ابن منظور في لسان العرب: والنَّعْمةُ بالفتح التَّنْعِيمُ يقال نَعَّمَه الله وناعَمه فتَنَعَّم وفي الحديث كيف أَنْعَمُ وصاحبُ القَرْنِ قد الْتَقَمه ؟ أي كيف أَتَنَعَّم من النَّعْمة بالفتح وهي المسرّة والفرح والترفُّه. والنُّعْم بالضم خلافُ البُؤْس يقال يومٌ نُعْمٌ ويومٌ بؤُْْسٌ والجمع أَنْعُمٌ وأَبْؤُسٌ.
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: عن نعمتك: قوله تعالى "قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ" ﴿الأحقاف 15﴾ قال الإمام ابن كثير: لما ذكر تعالى في الآية الأولى التوحيد له، وإخلاص العبادة والاستقامة إليه، عطف بالوصية بالوالدين، كما هو مقرون في غير ما آية من القرآن، كقوله: "وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً" (الاسراء 23) وقال: "أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" (لقمان 14) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. وقوله سبحانه: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً" (الأحقاف 15) من الإيصاء بالشيء بمعنى الأمر به. قال تعالى: "وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا" أى: أمرنى بالمحافظة على أدائهما. وقوله: "أَوْزِعْنِي" أى: رغبني ووفقني، من قولك: أوزعت فلانا بكذا، إذا أغريته وحببته في فعله. أى: أن هذا الإنسان بعد أن بقي في بطن أمه ما بقي، وبعد أن وضعته وأرضعته وفطمته وتولته برعايتها، واستمرت حياته (حتى إذا بلغ أشده) أى: حتى إذا بلغ زمن استكمال قوته، وبلغ أربعين سنة وهي تمام اكتمال العقل والقوة والفتوة. قالَ على سبيل الشكر لخالقه "رَبِّ أَوْزِعْنِي" أى: يا رب وفقني وألهمنى "أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ" (الأحقاف 15) بأن وفقتني ووفقتهما إلى صراطك المستقيم، وبأن رزقتهما العطف عليّ، ورزقتني الشكر لهما، ووفقني أيضا أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ منى، وتقبله عندك "وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي" أى: واجعل يا إلهى الصلاح راسخا في ذريتي، وساريا فيها، لأن صلاح الذرية فيه السعادة الغامرة للآباء. "إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ" توبة صادقة نصوحا وإنى من المسلمين الذين أخلصوا نفوسهم لطاعتك، وقلوبهم لمرضاتك. فأنت ترى أن الآية الكريمة قد اشتملت على أسمى ألوان الدعوات، التي عن طريق إجابتها تتحقق السعادة الدنيوية والأخروية. قوله جل اسمه "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" ﴿النمل 19﴾ وقال سليمان: يا رب ألهمنى المداومة على شكرك والامتناع عن جحود نعمك، والكف عن كل ما يؤدى إلى كفران مننك التي أفضتها على وعلى والدي. ووفقني كذلك لأن أَعْمَلَ عملا صالِحاً تَرْضاهُ عنى وتقبله منى وَأَدْخِلْنِي يا إلهى بِرَحْمَتِكَ وإحسانك فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ الذين رضيت عنهم ورضوا عنك. وهكذا جمع سليمان عليه السلام في هذا الدعاء البليغ المؤثر، أسمى ألوان الخشية من الله تعالى والشكر له سبحانه على نعمه، والرجاء في رضاه وعطائه الجزيل.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: عن نعمتك: قوله تعالى " قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ" ﴿الأحقاف 15﴾ لإيزاع الإلهام، وهذا الإلهام ليس بإلهام علم يعلم به الإنسان ما جهلته نفسه بحسب الطبع كما في قوله: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا" (الشمس 7-8)، بل هو إلهام عملي بمعنى البعث والدعوة الباطنية إلى فعل الخير وشكر النعمة وبالجملة العمل الصالح. وقد أطلق النعمة التي سأل إلهام الشكر عليها فتعم النعم الظاهرية كالحياة والرزق والشعور والإرادة، والباطنية كالإيمان بالله والإسلام والخشوع له والتوكل عليه والتفويض إليه ففي قوله: "رب أوزعني أن أشكر نعمتك" إلخ، سؤال أن يلهمه الثناء عليه بإظهار نعمته قولا وفعلا: أما قولا فظاهر، وأما فعلا فباستعمال هذه النعم استعمالا يظهر به أنها لله سبحانه أنعم بها عليه وليست له من قبل نفسه ولازمه ظهور العبودية والمملوكية من هذا الإنسان في قوله وفعله جميعا. وتفسير النعمة بقوله: "التي أنعمت علي وعلى والدي" يفيد شكره من قبل نفسه على ما اختص به من النعمة ومن قبل والديه فيما أنعم به عليهما فهو لسان ذاكر لهما بعدهما. وقوله: "وأن أعمل صالحا ترضاه" عطف على قوله: "أن أشكر" إلخ، سؤال متمم لسؤال الشكر على النعم فإن الشكر يحلي ظاهر الأعمال، والصلاحية التي يرتضيها الله تعالى تحلي باطنها وتخلصها له تعالى. قوله جل اسمه "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿النمل 19﴾ تبسم عليه السلام مبتهجا مسرورا بما أنعم الله عليه حتى أوقفه هذا الموقف وهي النبوة والعلم بمنطق الحيوان والملك والجنود من الجن والإنس والطير فسأل الله أن يلهمه شكر نعمته وأن يعمل بما فيه رضاه سبحانه. وقد جعل الشكر للنعمة التي أنعم الله تعالى بها على نفسه مختصة به، وللنعمة التي أنعم بها على والديه فإن الإنعام على والديه إنعام عليه بوجه لكونه منهما وقد أنعم الله تعالى على أبيه داود بالنبوة والملك والحكمة وفصل الخطاب وغيرها وأنعم على أمه حيث زوجها من داود النبي ورزقها سليمان النبي وجعلها من أهل بيت النبوة. وفي كلامه هذا دليل على أن والدته من أهل الصراط المستقيم الذين أنعم الله عليهم وهم إحدى الطوائف الأربع المذكورين في قوله تعالى: "الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ" (النساء 69). وقوله: "وأن أعمل صالحا ترضاه" عطف على قوله: "أن أشكر نعمتك" ومسألته هذه: "أوزعني أن أعمل" إلخ، أمر أرفع قدرا وأعلى منزلة من سؤال التوفيق للعمل الصالح فإن التوفيق يعمل في الأسباب الخارجية بترتيبها بحيث توافق سعادة الإنسان والإيزاع الذي سأله دعوة باطنية في الإنسان إلى السعادة، وعلى هذا فليس من البعيد أن يكون المراد به الوحي الذي أكرم الله به إبراهيم وآله فيما يخبر عنه بقوله: "وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ" (الأنبياء 73)، وهو التأييد بروح القدس على ما مر في تفسير الآية.
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: عن نعمتك: قوله تعالى " قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ" ﴿الأحقاف 15﴾ العاقل يطلب من اللَّه سبحانه التوفيق والعون على تأدية الشكر له تعالى بالطاعة والانقياد، وأعظم النعم كلها الهداية إلى الحق والعمل بموجبه، أما وجود الإنسان من حيث هو فما هو بنعمة عليه ولا على غيره إذا لم يكن وسيلة للعمل الصالح. وجاءت هذه الآية بالحرف في سورة النمل الآية 19 ج 6 ص 13. قوله جل اسمه "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿النمل 19﴾ ان اللَّه سبحانه إذا أنعم على عبد من عباده بنعمة كالعلم أو السلطان وغيره فعليه أن يشكر اللَّه ويتواضع له وللناس، ولا يأخذه الخيلاء والعجب، ويتطاول بنعمة اللَّه على الآخرين، وأن يكون على يقين بأن هذه النعمة قد أنعم اللَّه بمثلها وبخير منها على أضعف الكائنات، وان الإنسان ليس هو الكائن المدلل الذي خصه اللَّه بفضله ورحمته دون الخلق أجمعين.. وقد أثبتت الكشوف العلمية ان هناك أكوانا أعظم من هذا الكون الذي نراه، وانه لا أحد يستطيع معرفة حقيقتها إلا خالق الكائنات، وان الإنسان بالنسبة إليها ليس شيئا مذكورا.
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: عن نعمتك: قوله تعالى " قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ" ﴿الأحقاف 15﴾ إنّ هذا التعبير يوحي بأنّ الإنسان يدرك في هذه السن عمق نعم الله سبحانه وسعتها، وكذلك يدرك ما تحمله أبواه من الجهود المضنية حتى بلغ هذا المقدار من العمر، وذلك لأنّه غالباً ما يصبح في هذا العمر أباً إن كان ذكراً، وأمّاً إن كانت أنثى، ويرى بأُم عينه كلّ تلك الجهود التي بذلت من أجله، ومدى الإيثار الذي آثره أبواه في سبيله، وشكراً لسعيهما يتوجّه لا إرادياً لشكر الله سبحانه. قوله جل اسمه "فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ﴿النمل 19﴾ "وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ" فأي نعمة أعظم من أن ينال الإنسان في ظل الإسلام كل الهبات الإلهية والمفاخر والإمكانيات الدنيوية، بعد أن كان الناس يعانون في الجاهلية من التشتت والجهل والضلال ويسود بينهم قانون الغاب، وكان الفساد والظلم يعم مجتمعهم آنذاك، وقد تحولوا بفضل الإسلام إلى مجتمع يسوده الاتحاد والتماسك والعلم، ويرفل بالنعم والإمكانيات المادية والمعنوية الزّاخرة.
https://telegram.me/buratha