الصفحة الإسلامية

آيات قرآنية من كتاب دعاء الأسحار للامام السجاد برواية الثمالي للشيخ الآصفي (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في کتاب دعاء الأسحار للإمام علي بن الحسين السجاد برواية أبي حمزة الثمالي للشيخ محمد مهدي الآصفي: عن مقدمة الكتاب: دعاء الاسحار لامام على بن الحسن السجاد عليه السلام: بسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌ "وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ‌" (غافر 60) إنّ مدرسة أهل البيت عليهم السلام التي تجسّد الإسلام المحمّدي الأصيل، وتستند إلى مصدر الوحي، ذات معارف كبرى تتصف بأعلى درجات الإتقان، والإستدلال، والمنطق الجزل، وتتطابق مع الفطرة الإنسانية السليمة. (فإنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا). إنّ هذه المدرسة الثرّة والوضّاءة، قد اعتنت وتسامت وانتشرت بفضل الرعاية الربّانية وبإرشادات الأئمة الأطهار عليهم السلام، وبجهاد وجهود الآلاف من العلماء والفقهاء.

 

يقول الشيخ الآصفي رحمه الله في كتابه: في المصباح عن ابي حمزة الثمالي (رحمه الله) قال: كان زين العابدين عليه السلام يصلي عامة الليل في شهر رمضان، فإذا كان في السحر دعا بهذا الدعاء: (إلهي لا تُؤدِّبني بِعقُوبتكْ‌، ولا تمَكُرْ بي في حِيلَتكْ مِنْ أَينَ ليَ الخيرُ يا رَبِّ وَلَا يُوجَدُ إلّا مِنْ عِنْدِكَ). من تأديب الله تعالى لعباده الذين يعصون أمره أن يعاقبهم عَلى شقاقهم وتمردهم في الدنيا، أو يؤخر عقوبتهم إلى الآخرة. يقول تعالى: "وَ مَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ" (الأنفال 8)، ويقول تعالى: "وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ" (البقرة 211). والمعنى أن لا يؤاخذنا الله بذنوبنا فيؤدبنا بعقوبته. المكر من الناس الخدعة، ومن الله تعالى الرد على مكر الناس وذنوبهم وسوء أعمالهم باستدراجهم إلى العقوبة، من حيث لا يعلمون، قال تعالى: "وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ" (الأنفال 30). وكذلك الحيلة من الله تعالى استدراج الناس من حيث لا يعلمون إلى ما يكرهون من العذاب والبلاء عقاباً لهم على سيئات أعمالهم، يقول تعالى: "سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ" (الأعراف 182). فالمعنى: لا تؤاخذني اللّهم بما عصيت فتستدرجني إلى ما اكرهه من العذاب والبلاء والهوان. توضيح وتفصيل حول العقوبات: العقوبات من ضرورات الإسلام والذي ينكرها ينكر بعض ضروريات الدين. وبالعقوبات نستدل على عدالة الله وبالعدالة نستدل على ضرورة وجود العقوبات في الدين. تماماً مثل الأنظمة الاجتماعية والحقوقية العادلة فأنها لابد ان تتضمن نظاماً خاصاً للعقوبات ومن دون ذلك لا تستطيع ان تحقق العدالة في العلاقات الاجتماعية. فلا يمكن في النظام الكوني القائم على العدالة والحكمة ان لا تتضمن نظاماً للعقوبات في الدين، كما لا يمكن أن لا يكون لخالق هذا النظام ومدبره نظام للعقوبات. عن أبي رفعه، قال: أن أمير المؤمنين عليه السلام صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس الذنوب ثلاثة، ثم أمسك. فقال له حبة العرني: يا أمير المؤمنين فسّرها لي. فقال: ما ذكرتها إلّا وأنا أريد ان أفسرها، ولكنه عرض لي بُهْر (انقطاع النفس بسبب الاعياء) حال بيني وبين الكلام. نعم، الذنوب ثلاثة: فذنب مغفور، وذنب غير مغفور، وذنب نرجو لصاحبه ونخاف عليه. قيل يا أمير المؤمنين فبينها لنا. قال: نعم، أما الذنب المغفور فعبد عاقبه الله على ذنبه في الدنيا فالله أحكم وأكرم ان يعاقب عبده مرتين. وأما الذنب الذي لا يغفر فمظالم العباد بعضهم لبعض إن الله تبارك وتعالى إذا برز لخلقه أقسم قسماً على نفسه، فقال وعزتي وجلالي، لا يجوزني ظلم ظالم ولو كف بكف فيقتص للعباد بعضهم من بعض، حتى لا يبقى لأحد على احد مظلمة.(الكافي: 8/ 106، والمحاسن للبرقي، ص 7، وبحار الانوار 6/ 29- 30). وأما الذنب الثالث فذنب ستره الله على عبده، ورزقه التوبة، فأصبح خاشعاً من ذنبه راجياً لربه، فنحن له كما هو لنفسه، نرجو له الرحمة، ونخاف عليه العقاب. عن سفيان بن سمط قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا أراد الله بعبد خيراً، فأذنب ذنباً، اتبعه بنقمة، ويذكّره الاستغفار. وإذا أراد بعبد شراً، فأذنب ذنباً أتبعه بنعمة لينسيه الاستغفار، ويتمادى بها، وهو قول الله عز وجل: "سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ‌" (الأعراف 182) (بحار الأنوار: 5/ 217، ح 9). وعن الراوندي، قال الصادق عليه السلام: (اتقوا الذنوب، وحذّروها إخوانكم، فوالله ما العقوبة إلى أحد أسرع منها إليكم، لأنكم لا تؤاخذون بها يوم القيامة) ( بحار الأنوار: 6/ 57، ح 8).

 

ويستطرد الشيخ محمد مهدي الآصفي رحمه الله عن الاستدراج قائلا: ومعنى الاستدراج أن يفسح الله لهم الطريق إلى المعاصي والذنوب، فيتدرجوا من عصيان إلى عصيان ومن إجرام إلى إجرام، دون ان يعيقهم إليه عائق من ابتلاء، أو مصيبة، كما يصيب المؤمنين المذنبين وكأنما الله تعالييستدرجهم إلى ما يطلبونه من المعاصي والجرائم استدارجاً. يقول تعالى: "وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَ أُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ"‌ (الأعراف 182-183): توضيح للاستدراج: يستخدم البوليس طريقة (استدراج المجرمين) لإثبات الجريمة بالجرم المشهود، فيراقبون المجرم عن كثب، في جميع مراحل ارتكاب الجريمة، دون أن ينتبه إلى هذه المراقبة ليلقوا عليه القبض، وهو متلبس بالجريمة وذلك لغرض إثبات الجريمة بالجرم المشهود المحسوس. ويجري نفس العمل في سنن الله تعالى، ولكن لغاية أخرى، وليس لإثبات الجريمة فإن جوارحهم تشهد عليهم بما أجرموا يوم القيامة، ولا حاجة إلى استدراجهم لإثبات الجريمة عليهم بالحسّ والشهود يوم القيامة. وإنما يجري استدراج المجرمين في سنن الله تعالى لغرض تفعيل ما في نفوسهم ونيّاتهم من شرّ أو خبث، ونقصد بالتفعيل المعنى الفلسفي لهذه الكلمة، وهو الخروج من القوة إلى الفعلية. فإن المجرمين يحملون في أنفسهم ونيّاتهم شراً وخبثاً كثيراً، كما يحمل الصالحون في نفوسهم خيراً كثيراً وكما يتمنّى الصالحون ان يوفقهم الله لتفعيل هذا الخير وإبرازه وتحقيقه، كذلك يتمنى المجرمون ان يحقّقوا ما في نفوسهم ونيّاتهم من شرّ وخبث ودناءة. فيفعّل الله لكل منهما ما يحبون ويتمنون. والتفعيل الأول هو الاستدراج. والتفعيل الثاني هو التوفيق. والتوفيق في مقابل الاستدراج ومعنى الاستدراج بناءً على ذلك هو تفعيل ما يريده ويطلبه المجرمون من إجرام وإفساد. كما أن التوفيق هو تفعيل ما يطلبه الصالحون من صلاح وخير وإصلاح. ويتم هذا وذاك ضمن سنن الله تعالى فإن نواة التفاحة ونواة الشوكة تحملان بالقوة كل ما في التفاحة من نفع وفائدة، وكلما في الشوكة من أذى وضرر والله تعالى يفعل هذه وتلك في نظام الخلقة العام. ولابد في نظام الخلقة العام من التفاحة والشوكة والصحة والمرض والخير والشرّ معاً.

 

وعن عقوبة التنكيل يقول الشيخ الآصفي رحمه الله في كتابه: إلّا أن الاستدراج يختص بالدنيا، وعذاب التنكيل يعمّ الدنيا والآخرة، وهذا هو الفرق الأول بين العقوبتين. والفرق الآخر أن عقوبة الاستدراج ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، وعقوبة التنكيل ظاهرها العذاب وباطنها العذاب. وهذا هو الفرق الثاني بين عقوبة الاستدراج وعقوبة التنكيل. يقول تعالى في تعميم عقوبة التنكيل للدنيا والآخرة: "فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى‌ وَ هُمْ لا يُنْصَرُونَ‌" ( فصلت 15-16). ويقول تعالى فيما أنزل على قوم لوط من العقوبة والعذاب في الدنيا: "فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ" (هود 82-83). ويقول تعالى عن العقوبة التي انزلها بإبرهة وجيشه من أصحاب الفيل: "أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ * أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ" (الفيل 1-5). ويقول تعالى عن العذاب الذي أنزل على ثمود: "فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ‌" (الذاريات 44). والفرق بين عقوبة التنكيل والعقوبات التأديبية التي تنزل على المذنبين من المؤمنين في الدنيا، أن الأولى عذاب الاستئصال كما نزل بقوم لوط، وثمود، وأصحاب الفيل، والسبت، وقوم صالح، والثاني عذاب تنبيه وتذكير. وإذا نزل عذاب التنكيل والاستئصال بقوم، فلا ينفعهم إيمانهم ودعاؤهم لرد العذاب إلّا ما كان من قوم يونس فقد نزل بهم العذاب، ولكنهم لما لجأوا إلى الله بالدعاء والتضرّع والتوبة، دفع الله عنهم العذاب "فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى‌ حِينٍ‌" (يونس 98) وهذه العقوبة كالعقوبة السابقة لا تنزل بقوم إلّا عندما يعرضون عن رحمة الله إعراضاً كاملًا، وعندئذٍ يخرجون عن دائرة رحمة الله. وحسبك في هذه العقوبة أنها تنزل بالإنسان عن غضب الله وسخطه الذي لا تطيقه الجبال الرواسي ولا تقوم له السماوات والأرض، نعوذ بالله من غضبه وسخطه. وعن هذه العقوبة ومقارنتها بما يبتلي الله تعالى عباده في الدنيا من أنواع الابتلاء يقول أمير المؤمنين عليه السلام كما في رواية كميل بن زياد رحمه الله في دعاء كميل: (وأنت تعلم ضعفي عن قليل من بلاء الدنيا وعقوباتها، وما يجري فيها من المكاره على أهلها على أن ذلك بلاء ومكروه قليل مكثه، يسير بقاؤه، فكيف احتمالي لبلاء الآخرة، وجليل وقوع المكاره فيها، وهو بلاء تطول مدته، ولا يخفف عن أهله، لأنه لا يكون إلّا عن غضبك وانتقامك وسخطك، وهذا ما لا تقوم له السماوات والأرض، يا سيدي، فكيف بي، وأنا عبدك الضعيف الذليل الحقير المسكين المستكين).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك