الدكتور فاضل حسن شريف
وردت كلمة (نعمت) في عدد من الآيات القرآنية "اذكروا نعمت الله عليكم" (البقرة 231) (آل عمران 103) (المائدة 11) (فاطر 3)، و " ألم تر الى الذين بدلوا نعمت الله كفرا" (ابراهيم 28)، و "وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها" (ابراهيم 34)، و "يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها" (النحل 83)، و "واشكروا نعمت الله" (النحل 114). لم يأتي بعد كلمة "نعمت" الا لفظ الجلالة "الله". حلقات هذه السلسلة تبين تفاسير الآيات التي وردت فيها كلمة (نعيم) لمجموعة من المفسرين منهم الطبرسي والميسر والطباطبائي وطنطاوي ومغنية ومكارم الشيرازي.
جاء في موقع المجيب ما الفرق بين (نعمة و نعمت) في القرآن الكريم؟ ذكرت لفظة (نعمة) في القرءان الكريم في أربعة وثلاثين موضعا (44)، رسمت على القياس المعتاد في الكتابة العربية، وأبدلت التاء المربوطة تاءً مفتوحة في أحد عشر موضعا في الآيات المقدسات. وليس هناك تفسير واضح لذلك ولكن قيل إن تاء التأنيث في الأسماء أصلها تاء كما هو مذهب أكثر النحاة ومنهم: سيبويه والفراء وابن كيسان وابن جني. ولكنها تقلب في الوقف هاء في الأغلب للتفريق بين التاءين الاسمية والفعلية، أو بين التاء التي هي للتأنيث كالغاشية والقارعة والتي هي من أصل الكلمة، كما في كلمة القت وعفريت وعنكبوت. ومن العرب من يقف عليها بالتاء كما نقله أبو الخطاب وهي لغة حمير وطيء، وقد كتبت بعض التاءات في القرآن مبسوطة مراعاة لهذه اللغة، ومن شواهد هذه اللغة قول الراجز: الله نجاك بكفي مسلمت * من بعد ما وبعدما وبعدمت * صارت نفوس القوم عند الغلصمت * وكادت الحرة أن تدعى أمت. كذا في شافية ابن الحاجب، وفي شرح الأشموني للألفية. وقد ذكر الأشموني من أمثلته ما سمع من قول بعضهم: يا أهل سورة البقرت. فقال مجيب: ما أحفظ منها ولا آيت. وذكر أن هذه اللغة كتب بها في المصحف إن شجرت الزقوم، وامرأت نوح، وأشباه ذلك، وأنها وقف عليها بالتاء كل من: نافع وعاصم وأبي عامر وحمزة. وذكر بعض الباحثين نلاحظ حين تدبرنا للآيات الكريمة التي وردت فيها “نعمة” بالتاء المربوطة أنها تتحدث إما عن نعم الله الظاهرة للعيان وهي النعم العامة للبشر جميعًا أو تتحدث عن أقل شيء يطلق عليه “نعمة” مثل: "وما بكم من نعمة فمن الله" (النحل 53)، أي أن ما بكم من أقل شيء يطلق عليه “نعمة” فهو من الله وليس أي مخلوق بقادر على أن ينعم عليكم بأقل نعمة... وطبيعي أن تأتي كلمة “نعمة” في هذا المجال بالتاء المربوطة، لأنها محدودة ومربوطة. أما حينما تأتي “نعمت” بالتاء المفتوحة فإنها تدل على النعمة الخاصة التي وهبها الله للمؤمنين من عباده. كما أنها تدل على النعم المفتوحة التي لا يمكن إحصاء عددها.
عن تفسير الميسر عن كلمة نعمت: قوله سبحانه "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" ﴿المائدة 11﴾ يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه اذكروا ما أنعم الله به عليكم من نعمة الأمنِ، وإلقاءِ الرعب في قلوب أعدائكم الذين أرادوا أن يبطشوا بكم، فصرفهم الله عنكم، وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم، واتقوا الله واحذروه، وتوكلوا على الله وحده في أموركم الدينية والدنيوية، وثِقوا بعونه ونصره.
وعن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: عن كلمة نعمت: قوله عز شأنه "يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ" ﴿النحل 83﴾ المراد بمعرفتهم إياها انهم يتنعمون بها، وبإنكارهم انهم يسندونها إلى غير اللَّه، أي انهم يأكلون رزق اللَّه، ويعبدون سواه "وأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ" يجوز استعمال كلمة الأكثر في معناها الظاهر، ويجوز أيضا استعمالها بالجميع. والمراد بها هنا كل من بلغه رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وأنكرها عنادا للحق وتمردا عليه. المعرفة والإنكار متقابلان كالعلم والجهل وهذا هوالدليل على أن المراد بالإنكار وهوعدم المعرفة لازم معناه وهوالإنكار في مقام العمل وهو عدم الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر أوالجحود لسانا مع معرفتها قلبا، لكن قوله: "وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ" يخص الجحود بأكثرهم كما سيجيء فيبقى للإنكار المعنى الأول. وقوله: "وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ" دخول اللام على "الكافرون" يدل على الكمال أي إنهم كافرون بالنعم الإلهية أوبما تدل عليه من التوحيد وغيره جميعا لكن أكثرهم كاملون في كفرهم وذلك بالجحود عنادا والإصرار عليه والصد عن سبيل الله. والمعنى: يعرفون نعمة الله بعنوان أنها نعمة منه ومقتضاه أن يؤمنوا به وبرسوله واليوم الآخر ويسلموا في العمل ثم إذا وردوا مورد العمل عملوا بما هو من آثار الإنكار دون المعرفة، وأكثرهم لا يكتفون بمجرد الإنكار العملي بل يزيدون عليه بكمال الكفر والعناد مع الحق والجحود والإصرار عليه. وفيما قدمناه كفاية لك عما أطال فيه المفسرون في معنى قوله: "وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ" مع أنهم جميعا كافرون بإنكارهم من قول بعضهم، إنما قال:"أكثرهم" لأن منهم من لم تقم عليه الحجة كمن لم يبلغ حد التكليف أوكان مئوفا في عقله أولم تصل إليه الدعوة فلا يقع عليه اسم الكفر. وفيه أن هؤلاء خارجون عن إطلاق الآية رأسا فإنها تذكر توبيخا وإيعادا أنهم ينكرون نعمة الله بعد ما عرفوها، وهؤلاء إن كانوا ينكرونها كانوا بذلك كافرين وإن لم ينكروها لم يدخلوا في إطلاق الآية قطعا، وكيف يصح أن يقال: إنهم لم تقم عليهم الحجة وليست الحجة إلا النعمة التي يعدها الله سبحانه وهم يعرفونها؟. قيل: وفي الآية دليل على فساد قول المجبرة إنه ليس لله على الكافر نعمة وإن جميع ما فعله بهم إنما هو خذلان ونقمة لأنه سبحانه نص في هذه الآية على خلاف قولهم، انتهى. والحق أن للنعمة اعتبارين: أحدهما كونها نعمة أي ناعمة ملائمة لحال المنعم عليه من حيث كونه في صراط التكوين أي من حيث سعادته الجسمية، والآخر من حيث وقوع المنعم عليه في صراط التشريع أي من حيث سعادته الروحية الإنسانية بأن تكون النعمة بحيث توجب معرفتها إيمانه بالله ورسوله واليوم الآخر واستعمالها في طريق مرضاة الله، والمؤمن منعم بالنعمتين كلتيهما والكافر منعم في الدنيا بالطائفة الأولى محروم من الثانية، وفي كلامه سبحانه شواهد كثيرة تشهد على ذلك.
جاء في التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: عن كلمة نعمت: قوله تعالى " وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" ﴿ابراهيم 34﴾ والمراد بالنعمة هنا جنسها، الذي يشمل كل نعمه، لأن لفظ العدد والإحصاء قرينة على ذلك، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع اعتمادا على القرينة من أبلغ الأساليب الكلامية. أى: وإن تعدوا نعمة الله تعالى التي أنعمها عليكم، في أنفسكم، وفيما سخره لكم لا تستطيعون حصر هذه النعم لكثرتها ولتنوعها. وما دام الأمر كذلك فاشكروه عليها ما استطعتم، وأخلصوا له العبادة والطاعة. إن الله تعالى لغفور لعباده على ما فرط منهم متى تابوا إليه توبة نصوحا، رحيم بهم، حيث لم يؤاخذهم بذنوبهم. بل منحهم نعمه مع تقصيرهم في شكره تعالى. قال ابن كثير رحمه الله قوله: إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ أى يتجاوز عنكم، ولو طالبكم بشكر جميع نعمه لعجزتم عن القيام بذلك، ولو أمركم به لضعفتم وتركتم، ولو عذبكم لعذبكم وهو غير ظالم لكم، ولكنه غفور رحيم، يغفر الكثير، ويجازى على اليسير).
وعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: عن كلمة نعمت: قوله جل جلاله "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ" ﴿ابراهيم 28﴾ هؤلاء هم جذور الشّجرة الخبيثة وقادة الكفر والإنحراف، لديهم أفضل نعمة وهو رسول الله، وبإستطاعتهم أن يستفيدوا منه في الطريق إلى السعادة، إلاّ أنّ تعصّبهم الأعمى وعنادهم وحقدهم صارت سبباً في تركهم هذه النعمة الكبيرة، ولم يقتصروا على تركها فحسب. بل أضلّوا قومهم أيضاً ممّا جعلهم يسلكون هذا السلوك. مع أنّ بعض المفسّرين الكبار عند متابعتهم للروايات الإسلامية فسّروا ـ أحياناً ـ هذه النعمة بوجود النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم، وأحياناً أُخرى بالأئمّة عليهم السلام، وفسّروا الكافرين بهذه النعمة (بني اُميّة) و (بني المغيرة) مرّةً، ومرّةً أُخرى جميع الكفّار الذين عاصروا عهد النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم، ولكن من المسلّم به أنّ للآية مفهوماً أوسع من هذا، وليس مختّصاً بمجموعة معيّنة، بل تشمل جميع الأفراد الذين يكفرون بالنعم الإلهيّة. وتثبّت الآية ضمناً هذه الحقيقة، وهي أنّ الإستفادة من وجود القادة العظام تعود لنفس الإنسان، كما أنّ الكفر بهذه النعمة العظيمة يؤدّي إلى الهلاك والبوار. ثمّ يشير في الآية الأُخرى إلى واحدة من أسوأ أنواع كفران النعم " وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ" لكي يستفيدوا عدّة أيّام من حياتهم الماديّة ومن رئاستهم وحكومتهم في ظلّ الشرك والكفر لإضلال الناس عن طريق الحقّ.
https://telegram.me/buratha