الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: حياة نوح: يبدو أن حياة نوح عليه السلام من خلال ما عرضه القرآن الكريم في قصته تنقسم إلى ثلاث مراحل، وتبدو هذه المراحل الثلاث واضحة من المقطع الذي ذكر فيه قصته من سورة هود. الرسالة والدعوة: كان نوح عليه السلام يدعو قومه إلى توحيد الله سبحانه وعبادته ورفض عبادة غير الله تعالى من الشركاء، كما كان يدعوهم إلى تقوى الله تعالى وطاعته وإلى التوبة والإنابة إلى الله تعالى ليغفر لهم ذنوبهم. كما أنّه كان يبلغ رسالات الله وينصح لهم وينذرهم عذاب الله وعقابه، ويبشرهم بالخير العميم في الدنيا، حيث يرسل الله السماء عليهم مدراراً ويمددهم بأموال وبنين ويجعل لهم جناتٍ لهم أنهاراً. ويظهر من القرآن الكريم كما يفهم من المقارنة بين شريعته وشرائع سائر أنبياء أولي العزم أو من سياق الوصايا العامة التي ذكرها القرآن الكريم للشرائع السابقة أن نوحاً عليه السلام كان يأمرهم بالمعروف، كالعدل والمساواة وصدق الحديث والوفاء بالعهد، وينهاهم عن المنكر وعن ممارسة الفواحش واقترابها. وقد توسل نوح عليه السلام في دعوته هذه بوسائل الخطاب بالحكمة والموعظة الحسنة والانذار من عذاب الله تعالى والاحتجاج الذي يعتمد على المنطق والأخلاق والتأكيد على التجرد من الهوى أو المصالح الدنيوية، فهو إنسان أرسله الله لإبلاغ رسالاته وليس ملكاً، كما أنّه لا يبتغي من وراء هذا العمل أجراً أو فائدة خاصة أو مقاماً دنيوياً، وإنما يريد بذلك خيرهم وصلاحهم. وكان عليه السلام يتصف بالصبر وسعة الصدر والاستقامة في الدعوة ومواصلة إبلاغ الرسالة واستخدام الأساليب المختلفة العلنية والسرية: "قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا" (نوح 5). "ثم إني دعوتهم جهاراً ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً" (نوح 89). وقد واجهه قومه بتكذيبه في دعوته واستخدموا في هذا التكذيب عدة وسائل تعبر عن مراحل من المواجهة بينه وبين قومه. فأولاً: كانوا يثيرون في وجهه الشبهات والشكوك من خلال المجادلة بالباطل، فتارة يتهمونه بالكذب والافتراء لأن الرسول من الله لابد أن يكون ملكاً ويستغربون أن يكون رسول الله رجلاً مثلهم، وأخرى يتهمونه بالضلال والخروج على الجماعة ووحدتها، وثالثة بأنه يسعى وراء الجاه والمقام والحصول على الامتيازات، مع أنّه لا فضل له عليهم في الجاه والمال والولد. وثانياً: المحاصرة الاجتماعية من خلال الاتهام بالتسافل الاجتماعي والعيش مع الأراذل والضعفاء والأوباش من الناس. ولا يمكنهم أن يؤمنوا برسالته لأن ذلك يؤدي بهم إلى أن ينزلوا إلى هذا المستوى الاجتماعي الداني. وكان نوح عليه السلام يرد عليهم هذا الاتهام بأن هؤلاء مؤمنين ولا يمكن له أن يطردهم ويبتعد عنهم، والله أعلم بما في نفوسهم وهو يثيبهم على أعمالهم ونياتهم. وثالثاً: التهديد بالعدوان واستخدام القوة ضده إذا لم يترك رسالته.
جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم (2) للسيد محمد باقر الحكيم: الاختلاف بسبب العقائد: لما برز الاختلاف بسبب الهوى واقترن ذلك بتطور الحياة الإنسانية ووجود التعقيد والتركيب فيها واصبح الإنسان عاجزاً عن أن يقوم بمفرده ـ ومن خلال عقله وفطرته ـ عن حل المشكلات الصعبة والعميقة في حياته عندئذٍ حصل تطور جديد في الحياة الإنسانية، حيث تفضل الله سبحانه على عباده بإنزال الكتب والرسالات السماوية وإرسال الأنبياء، ليرشدوا هؤلاء الناس إلى طريق الهدى والصلاح، وليحكموا في الخلافات والنزاعات لهؤلاء الناس بالحق والعدل، كما تؤكد على ذلك الآية السابقة وغيرها من الآيات "كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلاّ الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم". وقد كان لهذا التطور الجديد أن يرتقي بالحياة الإنسانية في فهمها للحياة وللكون، وفي تشخيص معالم الفطرة في النفس الإنسانية وتوضيحها ضمن صيغ وقوانين محددة، كما تم تشخيص مواضع القسط والعدل، والظلم والجور، ومعالم الصلاح والفساد، والخير والشر، والحسنة والسيئة، والمعروف والمنكر، والأخلاق بجانبيها: المحمود والمذموم. وكما توضحت سبل وأساليب الارتباط بالله تعالى وعبادته وحمده وشكره وتسبيحه وتقديسه، كل ذلك من خلال الرسالات السماوية. وفي مقابل هذا التطور الجديد والضروري الذي يمثل الرحمة الإلهية تطور الامتحان والاختبار لهذا الإنسان، متناسقاً مع درجة التكامل الجديدة التي أخذ يواجهها هذا الإنسان. فحدث نوع جديد من الاختلاف، وهو: الاختلاف في العقائد الإلهية من خلال تأثير الهوى في الإنسان، حيث سيطر على سلوك بعض الناس، وتحول إلى إله يعبد من دون الله، فانحرف هذا الإنسان عن فطرته التي اختفت تحت ركام السيئات والذنوب والانحرافات والآثام والشهوات، الأمر الذي أدى إلى التمرد على الله تعالى، ورفض الإنسان الاستماع إلى نداءات الرسل والأنبياء في التوحيد الإلهي، أو في الإيمان بالوحي والرسالة، أو الإيمان بالمعاد والنشور، وحتى النداءات الأخلاقية والإصلاحية للمجتمع وللإنسان، في تحقيق العدل والقسط، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا التحول في الأوضاع الإنسانية والبشرية، وهذا النوع من التمرد في مثل قوله تعالى: "قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً * فلم يزدهم دعائي إلاّ فراراً * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً * ثم إني دعوتهم جهاراً * ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً * يرسل السماء عليكم مدراراً" (نوح 5-11).
عن رسالة التقريب للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: حياة نوح: ويبدو من القرآن الكريم أن من نتائج قصة نوح عليه السلام كانت: أولاً: الإيمان بالرسالة من قبل عدد محدود من الطبقة السفلى من الناس، وكذلك أهله باستثناء زوجته وأحد أبنائه. وبقي سائر الناس على عنادهم وإصرارهم في تكذيبه. اليأس وصنع الفلك: وقد يئس نوح عليه السلام من هداية قومه وإيمانهم بعد أن أخبره الله تعالى، وكان قد تبين العناد والإصرار على التكذيب في قومه، فنادى ربه بذلك ثم حصل له اليأس من هدايتهم بعدم إيمانهم بعد أن أخبره الله تعالى بذلك، كما أشارت إلى ذلك الآية السابقة، وقد كان قومه يطالبونه بما كان يعدهم من إنزال العذاب وهو يوكل ذلك إلى الله تعالى، وفي الوقت نفسه يواصل دعوته لهم. وبعد إخبار الله تعالى له بذلك، نجد نوحاً عليه السلام يعبر عن هذا اليأس في عدة مواقف. أ إعلان القطيعة والبراءة من قومه، كما أشارت إلى ذلك الآيات الكريمة السابقة. ب الدعاء والطلب من الله تعالى بإنزال العذاب عليهم تنفيذاً للسنة الإلهية التي كانت تفرض نزول العذاب بالأقوام الذين يكذبون رسلهم مع تهديدهم باستخدام القوة ضدهم، إما بقتلهم أو إخراجهم من ديارهم أو تعذيبهم بالسجن وغيره. وقد كان نوح ينذر قومه بنزول هذا العذاب "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً" (نوح 26-27). ج الاستعداد لنزول العذاب من خلال صنع الفلك والسفينة.
https://telegram.me/buratha