الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: والتفسير على قسمين بلحاظ الشئ المفسر، وهما: أولا تفسير اللفظ: ويراد به بيان معنى اللفظ لغة. ثانيا تفسير المعنى: ويراد به تحديد مصداقه الخارجي الذي ينطبق عليه. فنحن نقرأ في القرآن الكريم مثلا كلمات تصف الله سبحانه وتعالى بالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام كقوله تعالى: "تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شئ قدير" (الملك 1). أو كلفظة أهل البيت في قوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا" (الاحزاب 33). ونواجه بالنسبة إلى هذه الكلمات وأمثالها بحثين، هما: الأول: البحث في مفاهيم هذه الكلمات من الناحية اللغوية وهذا هو التفسير اللفظي. الثاني: البحث في تعيين مصاديق هذه المفاهيم. فبالنسبة إلى الله تعالى، كيف يسمع؟ وبأي شئ؟ وكيف يعلم؟ وبالنسبة لأهل البيت، من هم هؤلاء؟ وهل المصداق هو زوجات النبي صلى الله عليه وآله؟ أم الخمسة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام؟ وهذا هو تفسير المعنى الذي نقصده. أهمية التمييز بين التفسيرين: والتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى مهم جدا لحل التناقض الظاهري الذي قد يبدو لبعض الأذهان بين حقيقتين في القرآن الكريم، وهما: الأولى: حقيقة كونه كتاب هداية لكل البشر، وما تفرضه هذه الحقيقة من كون القرآن ميسرا للفهم، متاحا لكل إنسان استخراج معانيه، لكي يستطيع أن يؤدي هدفه هذا. الثانية: هي وجود كثير من الموضوعات في القرآن لا يتيسر فهمها بسهولة، بل قد تستعصي على الذهن البشري ويتيه فيها لدقتها وابتعادها عن مجالات الحس والحياة الاعتيادية، هذه المواضع التي لم يكن بإمكان القرآن الكريم أن يتفادى الخوض فيها، لأنه كتاب دين يستهدف بصورة رئيسة ربط البشرية بالغيب وتنمية غريزة الإيمان لديها، ولا يتحقق ذلك إلا عن طريق طرح مثل هذه الموضوعات التي تنبه الإنسان إلى صلته بعالم أكبر من عالمه المنظور وإن كان غير قادر على الإحاطة بجميع أسراره وخصوصياته. وحل هذا التناقض الظاهري بين هاتين الحقيقتين يكون بالتمييز بين تفسير اللفظ وتفسير المعنى.
جاء في كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: استخلاف آدم (الانسان): "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" (البقرة 30). مفاهيم حول الاستخلاف: 1 الخلافة: الخليفة بحسب اللغة: من خلف من كان قبله وقام مقامه وسد مسده، وتستعمل أيضا بمعنى النيابة، ومن هذا المنطلق يطرح هذا السؤال: لماذا سمي آدم خليفة؟ توجد هنا عدة آراء: الأول: أن آدم سمي خليفة لأنه خلف مخلوقات الله سبحانه في الأرض، وهذه المخلوقات إما أن تكون ملائكة أو يكونوا الجن الذين أفسدوا في الأرض وسفكوا فيها الدماء، كما روي عن ابن عباس، أو يكونوا آدميين آخرين قبل آدم هذا. الثاني: أنه سمي خليفة لأنه وأبناءه يخلف بعضهم بعضا، فهم مخلوقات تتناسل ويخلف بعضها بعضا الاخر، وقد نسب هذا الرأي إلى الحسن البصري. الثالث: أنه سمي خليفة لأنه يخلف الله سبحانه في الأرض، وفي تفسير هذه الخلافة لله سبحانه وارتباطها بالمعنى اللغوي تعددت الآراء واختلفت: أ انه يخلف الله في الحكم والفصل بين الخلق. ب يخلف الله سبحانه في عمارة الأرض واستثمارها، من انبات الزرع واخراج الثمار وشق الأنهار وغير ذلك. ج يخلف الله سبحانه في العلم بالأسماء كما ذهب إلى ذلك العلامة الطباطبائي. د يخلف الله سبحانه في الأرض بما نفخ الله فيه من روحه ووهبه من قوة غير محدودة، سواء في قابليتها أو شهواتها أو علومها، كما ذهب إلى ذلك الشيخ محمد عبدة. ولعل المذهب الثالث هو الصحيح من هذه المذاهب الثلاثة، خصوصا إذا أخذنا في مدلوله معنى واسعا لخلافة الله في الأرض بحيث يشمل مجمل الآراء الأربعة التي أشرنا إليها في تفسيره، لان دور الانسان في خلافة الله في الأرض يمكن أن يشمل جميع الابعاد والصور التي ذكرتها هذه الآراء، فهو يخلف الله في الحكم والفصل بين العباد بما منح الله هذا الانسان من صلاحية الحكم بين الناس بالحق. وكذلك يخلفه في عمارة الأرض واستثمارها من انبات الزرع واخراج الثمار والمعادن وتفجير المياه وشق الأنهار وغير ذلك: "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" (الملك 15).
جاء في موقع مؤسسة تراث الشهيد الحكيم عن الحرية في فكر الإمام محمد باقر الحكيم قدس سره للباحث حسين سيد نور الاعرجي: الحرية الاقتصادية: تمثل الحرية الاقتصادية انعكاسا طبيعيا للفطرة الإنسانية، وتعبيرا عن الحرية الطبيعية للإنسان من جانب، وعن حب الإنسان للمال، والذهب، والفضة، والحرث، والخيل المسومة من جانب آخر، قال تعالى: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" (الملك 15). ومن الممكن تحديد الحرية الاقتصادية، فنقول: هو التحديد الذي يفرض على الفرد في المجتمع الإسلامي من الخارج بقوة الشرع، ويقوم هذا التحديد على المبدأ القائل: لا حرية للشخص فيما نصت عليه الشريعة المقدسة من ألوان النشاط التي تتعارض مع المثل والغايات التي يؤمن الإسلام بضرورتها. ومن أجل أن تكون هذه الحرية ذات مضمون واقعي وعملي من ناحية، وتنسجم مع بقية الغرائز الفطرية للإنسان من ناحية أخرى، وضعت في إطار محدد يضمن مستوى مناسب من المعيشة لبقية أفراد المجتمع، بحيث لا تكون هذه الحرية على حساب فقدان الآخرين ـ عمليا وواقعيا ـ قدرتهم على التحرك وممارسة الحرية في المجال الاقتصادي عندما يفقدون الحد المعقول من القدرة على تأمين المعيشة ويقعون تحت سيطرة الآخرين. كما أن بقاء الإنسان في ظل الحرية الاقتصادية المطلقة تحت الشعور بالخوف وعدم الاستقرار في الوضع المعيشي لا ينسجم مع الاتجاه الفطري له في تحقيق الاستقرار الذي يمكن أن يحققه هذا الضمان. ويؤكد الإمام الحكيم قدس سره على مسالة حق تقرير المصير الاقتصادي، فقد عدّه حقا ثابتا يرتبط بعدد من المبادئ، فضلا عن اعتباره مبدأ أساسيا ذا بعد سياسي واقتصادي. والاستقلال الاقتصادي هو كل ما يتطلبه من نضال من الشعوب ضد الاستعمار الاقتصادي، والسيطرة على الثروات الأساسية للشعوب ومواجهة كل الوسائل التي تعيق عملية التنمية الاقتصادية، ضمن أبعاد النظرية الاقتصادية الإسلامية.
https://telegram.me/buratha