الصفحة الإسلامية

تعبيرات قرآنية (أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

عن تفسير الميسر: قوله تعالى "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" ﴿الأنبياء 105﴾ أَنَّ حرف نصب، الْأَرْضَ: الْ اداة تعريف، أَرْضَ اسم، يَرِثُهَا: يَرِثُ فعل، هَا ضمير، عِبَادِيَ: عِبَادِ اسم، ىَ ضمير، الصَّالِحُونَ: ال اداة تعريف، صَّالِحُونَ اسم. أَنَّ الأَرْضَ: أرض الجنة. في عبادي: في حزبي، عبد العبودية: إظهار التذلل، والعبادة أبلغ منها؛ لأنها غاية التذلل، ولا يستحقها إلا من له غاية الإفضال، وهو الله تعالى، ولهذا قال: "ألا تعبدوا إلا إياه" (الإسراء 23). ولقد كتبنا في الكتب المنزلة من بعد ما كُتِب في اللوح المحفوظ: أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون الذين قاموا بما أُمروا به، واجتنبوا ما نُهوا عنه، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

 

جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" ﴿الأنبياء 105﴾ "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ" قيل فيه أقوال (أحدها) أن الزبور كتب الأنبياء ومعناه: كتبنا في الكتب التي أنزلناها على الأنبياء من بعد كتابته في الذكر أي أم الكتاب الذي في السماء وهو اللوح المحفوظ عن سعيد بن جبير ومجاهد وابن زيد وهو اختيار الزجاج قال لأن الزبور والكتاب بمعنى واحد وزبرت كتبت (وثانيها) أن الزبور الكتب المنزلة بعد التوراة والذكر هو التوراة عن ابن عباس والضحاك (وثالثها) أن الزبور زبور داود والذكر توراة موسى عن الشعبي وروي عنه أيضا أن الذكر القرآن وبعد بمعنى قبل. "أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" قيل: يعني أرض الجنة يرثها عبادي المطيعون عن ابن عباس وسعيد بن جبير وابن زيد فهومثل قوله وأورثنا الأرض وقوله الذين يرثون الفردوس وقيل هي الأرض المعروفة يرثها أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلّم بالفتوح بعد إجلاء الكفار كما قال صلى الله عليه وآله وسلّم زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها عن ابن عباس في رواية أخرى وقال أبوجعفر عليه السلام هم أصحاب المهدي عليه السلام في آخر الزمان ويدل على ذلك ما رواه الخاص والعام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أنه قال لولم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا صالحا من أهل بيتي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما قد ملئت ظلما وجورا.

 

وعن التفسير الوسيط للدكتور محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" ﴿الأنبياء 105﴾ والمراد بالزبور: الكتاب المزبور أى: المكتوب، مأخوذ من قولهم: زبرت الكتاب إذا كتبته. ويشمل هنا جميع الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل والزبور. والمراد بالذكر: اللوح المحفوظ الذي هو أم الكتاب. وقيل: المراد بالزبور: كتاب داود خاصة. وبالذكر التوراة، أو العلم، والمقصود بالأرض هنا: أرض الجنة. فيكون المعنى: ولقد كتبنا في الكتب السماوية، من بعد كتابتنا في اللوح المحفوظ: أن أرض الجنة نورثها يوم القيامة لعبادنا الصالحين. وهذا القول يؤيده قوله تعالى في شأن المؤمنين: "وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ، فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ" (الزمر 74). ومن المفسرين من يرى أن المراد بالأرض هنا: أرض الدنيا فيكون المعنى: ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن هذه الأرض التي يعيش عليها الناس مؤمنهم وكافرهم، ستكون في النهاية لعبادنا الصالحين. قال الآلوسى ما ملخصه: أخرج ابن جرير عن ابن عباس أن المراد بالأرض في الآية: أرض الجنة، وإنها الأرض التي يختص بها الصالحون. لأنها لهم خلقت، وغيرهم إذا حصلوا فيها فعلى وجه التبع، وأن الآية ذكرت عقب ذكر الإعادة وليس بعدها أرض يستقر عليها الصالحون. ويمتن الله بها عليهم سوى أرض الجنة. وفي رواية أخرى عن ابن عباس أن المراد بها أرض الدنيا يرثها المؤمنون. ويستولون عليها. أخرج مسلم وأبو داود والترمذي عن ثوبان قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتى سيبلغ ملكها ما زوى لي منها). ويبدو لنا أنه لا مانع من أن يكون المراد بالأرض التي يرثها العباد الصالحون، ما يشمل أرض الجنة وأرض الدنيا، لأنه لم يرد نص يخصص أحد المعنيين. وقد سار على هذا التعميم الإمام ابن كثير فقال عند تفسيره لهذه الآية: (يقول الله تعالى مخبرا عما قضاه لعباده الصالحين، من السعادة في الدنيا والآخرة ووراثة الأرض في الدنيا والآخرة كقوله تعالى إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (الأعراف 128) وقال سبحانه "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ" (غافر 51). وأخبر تعالى أن هذا مكتوب مسطور في الكتب الشرعية، فهو كائن لا محالة، ولهذا قال: "وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ" ﴿الأنبياء 105﴾.

 

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" ﴿الأنبياء 105﴾ وكلمة (الأرض) تطلق على مجموع الكرة الأرضية، وتشمل كافّة أنحاء العالم إلاّ أن تكون هناك قرينة خاصّة في الأمر، ومع أنّ البعض إحتمل أن يكون المراد وراثة كلّ الأرض في القيامة، إلاّ أنّ ظاهر كلمة الأرض عندما تذكر بشكل مطلق تعني أرض هذا العالم. ولفظ (الإرث) ـ كما أشرنا إلى ذلك سابقاً يعني إنتقال الشيء إلى شخص بدون معاملة وأخذ وعطاء، وقد إستعملت هذه الكلمة في القرآن أحياناً بمعنى تسلّط وإنتصار قوم صالحين على قوم طالحين، والسيطرة على مواهبهم وإمكانياتهم، كما نقرأ في الآية (37) من سورة الأعراف في شأن بني إسرائيل: "وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها" (الأعراف 37). وبالرغم من أنّ (الزبور) في الأصل يعني كلّ كتاب ومقال، ومع أنّ موضعين من المواضع الثلاثة التي إستعملت فيها هذه الكلمة في القرآن يشيران إلى زبور داود، فلا يُستبعد أن يكون المورد الثّالث، أي ما ورد في الآية محلّ البحث إشارة إلى هذا المعنى أيضاً. إنّ زبور داود أو بتعبير كتب العهد القديم (مزامير داود) عبارة عن مجموعة أدعية النّبي داود ومناجاته ونصائحه ومواعظه. وإحتمل بعض المفسّرين أن يكون المراد من الزبور هنا كلّ كتب الأنبياء السابقين. ولكن يبدو على الأغلب مع ملاحظة الدليل الذي ذكرناه أنّ الزبور هو كتاب مزامير داود فقط، خاصةً وأنّ في المزامير الموجودة عبارات تطابق هذه الآية تماماً، وسنشير إلى ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى. (والذكر) في الأصل يعني التذكير أو ما يسبّب التذكير والتذكّر، وإستعملت هذه الكلمة في القرآن بهذا المعنى، واُطلقت أحياناً على كتاب موسى السماوي، كالآية (48) من سورة النساء: "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ" (النساء 48). وإستعملت أحياناً في شأن القرآن، كالآية (27) من سورة التكوير: "إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ" (التكوير 27) ولذلك قال البعض: إنّ المراد من الذكر في الآية مورد البحث هو القرآن، والزبور كلّ كتب الأنبياء السابقين، أي إنّنا كتبنا في كلّ كتب الأنبياء السابقين إضافةً إلى القرآن بأنّ الصالحين سيرثون الأرض جميعاً. لكن ملاحظة التعبيرات التي إستعملت في الآية توضّح أنّ المراد من الزبور كتاب داود، والذكر بمعنى التوراة، ومع ملاحظة أنّ الزبور كان بعد التوراة، فإنّ تعبير (من بعد) حقيقي، وعلى هذا فإنّ معنى الآية: إنّنا كتبنا في الزبور بعد التوراة أنّنا سنورث العباد الصالحين الأرض. وهنا ينقدح سؤال، وهو: لماذا ذكر هذان الكتابان من بين الكتب السماوية؟ ربّما كان هذا التعبير بسبب أنّ داود كان أحد أكبر الأنبياء، وإستطاع أن يشكّل حكومة الحقّ والعدل، وكان بنو إسرائيل مصداقاً واضحاً للقوم المستضعفين الذين ثاروا بوجه المستكبرين ودمّروا دولتهم واستولوا على حكومتهم وورثوا أرضهم. والسؤال الآخر الذي يُثار هنا هو: من هم عباد الله الصالحون؟

 

وعن كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: خلق القاعدة الثورية: إن عملية التغيير الاجتماعي الجذري تحتاج أيضا بطبيعة الحال إلى خلق القاعدة الثورية التي تمثل البعد الثالث للهدف، ولعل هذا هو المراد بما أشير إليه في عدة آيات من القرآن الكريم بالتزكية "ويزكيهم". ولذلك سعى القرآن الكريم إلى خلق هذه القاعدة الثورية، وأعطى ذلك أهمية خاصة، واهتم بمعالجة القضايا الآنية والمستجدة التي يعيشها الرسول بشكل خاص، وتابع الاحداث التي كانت تواجه الرسالة، واتخذ المواقف تجاهها ليحقق هذا الهدف العظيم. ومن الواضح أن خلق هذه القاعدة وتكوينها في الوقت الذي يمثل مهمة صعبة وبالغة التعقيد، كذلك يمثل دورا ذا أهمية في مستقبل الرسالة وقدرتها على البقاء والاستمرار، إضافة إلى قدرتها على الشمول والانتشار. فإضافة إلى البعد الكيفي في عملية التغيير التي استهدفها القرآن، كان هناك بعد كمي في الهدف يتوخى بشكل خاص أن يقوم النبي ببناء القاعدة للرسالة بحيث يمكن لهذه الرسالة بعد ذلك أي بعد وفاة الرسول وانقطاع الوحي أن تستمر وتنتشر من خلال هذه القاعدة التي أولاها القرآن الكريم أهمية خاصة، وأعطاها قسطا كبيرا وحظا وافرا، كما نلاحظ ذلك في مجمل الآيات التي تناولت الاحداث ي عصر الرسالة وتفصيلاتها، وكذلك بعض التقاليد والعادات والقوانين، إضافة إلى عنصر اللغة وأساليبها في القرآن. وفي مجال آخر يؤكد القرآن استمرار مسيرة التغيير نحو الأصلح ووراثة عباد الله الصالحين للأرض: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون" (الانبياء 105).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك