الدكتور فاضل حسن شريف
عن تفسير الميسر: قال الله تعالى "أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" ﴿الملك 21﴾ لَجُّوا: لَّجُّ فعل، وا ضمير، لَجُّوا: تمادوا. لجّوا في عُـتوّ: تمادَوْا في استكبار و عناد. أغَفَل هؤلاء الكافرون، ولم ينظروا إلى الطير فوقهم، باسطات أجنحتها عند طيرانها في الهواء، ويضممنها إلى جُنوبها أحيانًا؟ ما يحفظها من الوقوع عند ذلك إلا الرحمن. إنه بكل شيء بصير لا يُرى في خلقه نقص ولا تفاوت. بل مَن هذا الذي هو في زعمكم أيها الكافرون حزب لكم ينصركم من غير الرحمن، إن أراد بكم سوءًا؟ ما الكافرون في زعمهم هذا إلا في خداع وضلال من الشيطان. بل مَن هذا الرازق المزعوم الذي يرزقكم إن أمسك الله رزقه ومنعه عنكم؟ بل استمر الكافرون في طغيانهم وضلالهم في معاندة واستكبار ونفور عن الحق، لا يسمعون له، ولا يتبعونه. قوله سبحانه "وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ" ﴿المؤمنون 75﴾ لَلَجُّوا: لَّ لام التوكيد، لَجُّ فعل، وا ضمير. لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ: لاستمروا على كفرهم وعنادهم. ولو رحمناهم وكشفنا عنهم ما بهم مِن قحط وجوع لَتمادوا في الكفر والعناد، يتحيَّرون ويتخبطون. قوله عز وجل "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ" ﴿النور 40﴾ لجي صفة، بَحْرٍ لُّجِّيٍّ: عميق كثيرالماء. لُجي: صفة للبحر العظيم الهائج. أو منسوب إلى اللج، و هو معظم البحر، و اللُّج و اللجة: معظم الماء. و لجة البحر: حيث لا يُدرك قعره و عُرضه. أو تكون أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق يعلوه موج، من فوق الموج موج آخر، ومِن فوقه سحاب كثيف، ظلمات شديدة بعضها فوق بعض، إذا أخرج الناظر يده لم يقارب رؤيتها من شدة الظلمات، فالكفار تراكمت عليهم ظلمات الشرك والضلال وفساد الأعمال. ومن لم يجعل الله له نورًا من كتابه وسنة نبيه يهتدي به فما له مِن هاد. قوله جل جلاله "قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّة " ﴿النمل 44﴾ لجة اسم، حَسِبَتْهُ لُجَّةً: ظنته ماء غزيرا. قيل لها: ادخلي القصر، وكان صحنه مِن زجاج تحته ماء، فلما رأته ظنته ماء تتردد أمواجه، وكشفت عن ساقيها لتخوض الماء، فقال لها سليمان: إنه صحن أملس من زجاج صاف والماء تحته. فأدركت عظمة ملك سليمان، وقالت: رب إني ظلمت نفسي بما كنت عليه من الشرك، وانقدتُ متابعة لسليمان داخلة في دين رب العالمين أجمعين.
جاء في معاني القرآن الكريم: لجج اللجاج: التمادي والعناد في تعاطي الفعل المزجور عنه، وقد لج في الأمر يلج لجاجا، قال تعالى: "ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون" (المؤمنون 75)، "بل لجوا في عتو ونفور" (الملك 21) ومنه: لجة الصوت بفتح اللام. أي: تردده، ولجة البحر بالضم: تردد أمواجه، ولجة الليل: تردد ظلامه، ويقال في كل واحد لج والتج. قال: "في بحر لجي" (النور 40) منسوب إلى لجة البحر، وما روي: (وضع اللج على قفي) (هذا مروي عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وذلك حين قام إليه رجل بالبصرة فقال: إنا أناس بهذه الأمصار، وإنه أتانا قتل أمير وتأمير آخر، وأتتنا بيعتك، فأنشدك الله لا تكن أول من غدر، فقال طلحة: أنصتوني، ثم قال: إني أخذت فأدخلت في الحش، وقربوا فوضعوا اللج على قفي، فقالوا: لتبايعن أو لنقتلنك، فبايعت وأنا مكره.
عن تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز وجل "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ" ﴿النور 40﴾ (في بحر لجي) أي. عظيم اللجة لا يرى ساحله. وقيل: هو العميق الذي يبعد عمقه، عن ابن عباس. "يغشاه موج" أي يعلو ذلك البحر اللجي موج. قوله جل جلاله "قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّة " ﴿النمل 44﴾ "حسبته لجة" وهي معظم الماء "وكشفت عن ساقيها" لدخول الماء وقيل إنها لما رأت الصرح قالت ما وجد ابن داود عذابا يقتلني به إلا الغرق وأنفت أن تجبن فلا تدخل ولم يكن من عادتهم لبس الخفاف.
جاء في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: البحر اللجي هو البحر المتردد أمواجه منسوب إلى لجة البحر وهي تردد أمواجه، والمعنى: أعمالهم كظلمات كائنة في بحر لجي. قوله جل جلاله "قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّة " ﴿النمل 44﴾. عن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وجل "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ" ﴿النور 40﴾ بحر عميق الغور، تتراكب فوقه الأمواج الواحدة فوق الأخرى. يقول الشيخ جعفر السبحاني في تفسيره: (اللُجيّ) : منسوب إلى اللُجّة، وهي في اللغة البحر الواسع العميق، ولكنّه استُخدم في لازم معناه وهو تردّد أمواجه ؛ فإنّ البحر كلّما كان عميقاً وواسعاً تزداد أمواجه، وعلى ذلك فيكون المراد من قوله : "بَحْرٍ لُجّيّ" أي بحر متلاطم.
عني الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ" ﴿الملك 21﴾ كانت في الآيات مورد البحث أربعة عوامل أخرى ساهمت في العاقبة السيئة لهؤلاء التي هي: بؤس الإنسان وضلاله، هذه العوامل هي: (الغرور) و (اللجاجة) و (العتو) و (النفور). وإذا ما أمعنا النظر جيدا في هذه العوامل فإننا نلاحظ أن لها ارتباطا مع العوامل السابقة، حيث أن هذه الصفات الرديئة تولد حجابا على الآذان والعيون والبصائر، وتمنع الإنسان من إدراك الحقائق.. قوله عز وجل "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ" ﴿النور 40﴾ ولفهم عمق هذا المثال لابدّ من الإهتمام بمعنى كلمة (اللجّيّ) وهو البحر الواسع والعميق. وبالأصل مشتقّة من (اللجاج) بمعنى متابعة عمل ما {التي تطلق عادة على الأعمال غير الصحيحة} ثمّ أُطلقت على تتابع أمواج البحر واستقرارها الواحدة بعد الأُخرى، ولقد استخدمت هذه الكلمة بهذا المعنى لأنّ البحر كلّما كان عميقاً وواسعاً تزداد أمواجه. قوله جل جلاله "قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّة " ﴿النمل 44﴾ ظنته نهراً جارياً فرفعت ثوبها لتمر وسط الماء وهي متعجبة عن سبب وجود هذا الماء الجاري. اللجة في الأصل مأخوذة من اللجاج، ومعناه الشدة، ثم أطلق على ذهاب الصوت وإيابه في الحنجرة تعبير (لجة) على وزن (ضجة)، أما الأمواج المتلاطمة في البحر فتسمى (لجة) على وزن (جبة) وهي هنا في الآية بهذا المعنى الأخير.
https://telegram.me/buratha