الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية من كتاب الصوت اللغوي للدكتور الصغير (ح 11)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب الصوت اللغوي في القرآن للدكتور محمد حسين علي الصغير عن الأصوات: إذا وقفنا عند الطامة، فهي القيامة تطم على كل شيء. وإليه ذهب الزجاج: الطامة هي الصيحة التي تطم على كل شيء. وتسمى الداهية التي لا يستطاع دفعها: طامة. قال تعالى "فإذا جآءت الطامة الكبرى" (النازعات 34) قال الطبرسي (ت: 548 هـ) (وهي القيامة لأنها تطم كل داهية هائلة، أي تعلو وتغلب، ومن ذلك قيل: ما من طامة إلا وفوقها طامة، والقيامة فوق كل طامة، فهي الداهية العظمى). ولعل اختيار الطبرسي للداهية في تفسير الطامة باعتبارها داهية لا يستطاع دفعها، ولأن القيامة تطم كل داهية هائلة، لا يخلو من وجه عربي أصيل، فالعرب استعملت الطامة في الداهية العظيمة تغلب ما سواها، وأية داهية أعظم من القيامة لا سيما وهي توصف هنا بالكبرى. إن موافقة أصوات الحاقة والصاخة والطامة لمعانيها في الدلالة على يوم القيامة، من أعظم الدلالات الصوتية في الشدة والوقع والتلاؤم البنيوي والمعنوي لمثل هذه الصيغة الحافلة. ودلالة هذه الصيغة في: دابة، وكافة، على الشمول والكلية المطلقة يوحي بالمضمون نفسه في الإيقاع الصوتي، قال تعالى: "وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" (هود 6) فشمل الخلائق كلها، وأصناف الأجناس المرئية وغير المرئية مما يدب أدركناه أو لم ندركه ، علمنا طبيعة رزقه أو لم نعلم وقوله تعالى "ومآ أرسلناك إلا كآفة للنّاس بشيرا ونذيرا" (سبأ 28). يدل أن هذا الرسول العربي الأمين، لم يختص بزمنية، ولم يبعث لطبقة خاصة، فتخطى برسالته حدود الزمان والمكان، فكانت عالمية السيرورة، إنسانية الأحياء، البشارة في يد، والنذارة في يد، لينقذ العالم أجمع من خلال هاتين.

وعن الصيغة الصوتية الواحدة يقول الاستاذ محمد حسين الصغير رحمه الله: وظاهرة أخرى جديرة بالعناية والتلبث، هي تسمية الكائن الواحد، والأمر المرتقب المنظور، بأسماء متعددة ذات صيغة واحدة، بنسق صوتي متجانس ، للدلالة بمجموعة مقاطعة على مضمونه، وبصوتيته على كنه معناه، ومن ذلك تسمية القيامة في القرآن بأسماء متقاربة الصدى، في إطار الفاعل المتمكن، والقائم الذي لا يجحد. هذه الصيغة الفريدة تهزك من الأعماق، ويبعثك صوتها من الجذور، لتطمئن يقيناً إلى يوم لا مناص عنه، ولا خلاص منه، فهو واقع يقرعك بقوارعه، وحادث يثيرك برواجفه الصدى الصوتي، والوزن المتراص، والسكت على هائه أو تائه القصيرة تعبير عما ورائه من شؤون وعوالم وعظات وعبر ومتغيرات في: الواقعه، القارعة، الآزفة، الراجفة، الرادفة، الغاشية، وكل معطيك المعنى المناسب للصوت، والدلالة المنتزعة من اللفظ، وتصل مع الجميع إلى حقيقة نازلة واحدة. 1 ـ الواقعة ، قال تعالى "إذا وقعت الواقعه * ليس لوقعتها كاذبة" (الواقعة 1-2). وقال تعالى "فيؤمئذ وقعت الواقعة" (الحاقة 15). قال الخليل: وقع الشيء يقع وقوعاً، أي: هوياً. والواقعة النازلة الشديدة من صروف الدهر. وقال الراغب (ت :502 هـ) الوقوع ثبوت الشيء وسقوطه ، والواقعة لا تقال إلا في الشدة والمكروه ، وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ وقع : جاء في العذاب والشدائد. 2ـ القارعة، قال تعالى "القارعة * ما القارعة * ومآ ادراك ما القارعة" (القارعة 1-3). وقال تعالى "كذبت ثمود وعاد بالقارعة" (الحاقة 4). قال الخليل (ت: 175 هـ): والقارعة: القيامة. والقارعة: الشدة. وفلان أمن قوارع الدهر: أي شدائده. وقوارع القرآن: نحو آية الكرسي، يقال: من قرأها لم تصبيه قارعة. 3 ـ الآزفة ، قال تعالى "أزفة الآزفة * ليس لها من دون الله كاشفة" (النجم 57-58). وقال تعالى "وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع" (المؤمنون 18). قال الراغب: معناه: أي دنت القيامة فعبر عنها بلفظ الماضي لقربها وضيق وقتها. وقال الطبرسي "وأنذرهم يوم الأزفة" (المؤمنون 18). أي الدانية. وهو يوم القيامة، لأن كل ما هو آت دان قريب. قال الزمخشري: والآزفة القيامة لأزوفها. وفي اللغة: الآزفة القيامة، وإن استبعد الناس مداها. والآزفة: الدانية من قولهم أزف الأمر إذا دنا وقته. ورقة الآزفة في لفظها بانطلاق الألف الممدودة من الصدر، وصفير الزاي من الأسنان، وانحدار الفاء من أسفل الشفة، والسكت على الهاء منبعثة من الأعماق، كالرقة في معناها في الدنو والاقتراب وحلول الوقت، ومع هذه الرقة في الصوت والمعنى، إلا أن المراد من هذا الصفير أزيزه، ومن هذا التأفف هديره ورجيفه، فادناه يوم القيامة غير إدناء الحبيب، واقتراب الساعة غير اقتراب المواعيد، أنه دنو اليوم الموعود، والحالات الحرجة، والهدير النازل، إنه يوم القيامة في شدائده، فكانت الآزفة كالواقعة والقارعة. 4 ـ الراجفة والرادفة، قال تعالى "يوم ترجف الراجفة * تتبعها الرادفة " (النازعات 6-7) وتبدأ القيامة بالراجفة، وهي النفخة الأولى "تتبعها الرادفة" وهي النفحة الثانية. بمتابعة أولئك جميعاً يتجلى العمق الصوتي في المراد كتجليه في الألفاظ دلالة على الرجيف والوجيف، والتزلزل والاضطراب، وتغيير الكون، وتبدل العوالم "يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار" (ابراهيم 48). فتعاقبت معالم الراجفة والرادفة مع معالم الواقعة والقارعة والآزفة، وتناسبت دلالة الأصوات مع دلالة المعاني في الصدى والأوزان.

وفي كتابه يستطرد الدكتور الصغير عن الصيغة الصوتية الواحدة قائلا: 5 ـ الغاشية، قال تعالى "هل أتاك حديث الغاشية" (الغاشية 1). وهو خطاب للنبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم يريد قد أتاك حديث يوم القيامة بغتة عن ابن عباس والحسن وقتادة. قال الراغب (ت: 502 هـ) الغاشية كناية عن القيامة وجمعها غواش. وقال الزمخشري (ت: 538 هـ): الغاشية الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها، يعني القيامة. حقيقة يوم القيامة برحلتها الطولية، في الشدائد، والنوازل، والقوارع، والوقائع، لتصور لنا عن كثب هيجانها وغليانها، وشمولها وإحاطتها: "بل يريد الإنسان ليفجر أمامه * يسئل أيان يوم القيامة * فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر * يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر" (القيامة 5-12).

وعن دلالة الصدى الحالم يقول الدكتور محمد حسين الصغير: تنطلق في القرآن أصداء حالمة، في ألفاظ ملؤها الحنان، تؤدي معناها من خلال أصواتها، وتوحي بمؤداها مجردة عن التصنيع والبديع، فهي ناطقة بمضمونها هادرة بإرادتها، دون إضافة وأضاءة، وما أكثر هذا المنحنى في القرآن، وما أروع تواليه في آياته الكريمة، ولنأخذ عينة على هذا فنقف عند الرحمة من مادة (رحم) في القرآن الكريم بجزء من إرادتها، ولمح من هديها. قال تعالى "أؤلائك عليهم صلوات من ربهم ورحمة" (البقرة 157). وقال تعالى "لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون" (ال عمران 157). وقال تعالى "فبما رحمة من الله لنت لهم" (ال عمران 159). وقال تعالى "كهيعص * ذكر رحمت ربك عبده زكريا" (مريم 1-2). وقال تعالى "قال رب أغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك" (الاعراف 151). وقال تعالى "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب أرحمها كما ربياني صغيرا" (الاسراء 24). فأنت تنادي من صدى (الرحمة) بأزيز حالم، وتحتفل من صوتها بنداء يأخذ طريقه إلى العمق النفسي، يهز المشاعر، ويستدعي العواطف، ناضحاً بالرضا والغبطة والبهجة، رافلاً بالخير والإحسان والحنان، فماذا يرجو أهل الإيمان أكثر من اقتران صلوات ربهم برحمته بهم وعليهم، ولمغفرة من الله تعالى ورحمة خير مما تجمع خزائن الأرض وكنوزها، وهذا محمد صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم ذو الخلق العظيم ، والمخائل الفذة، لولا رحمة ربه لما لإن لهؤلاء القوم الأشداء في غطرستهم وغلظتهم ، وهذا زكريا تتداركه رحمة من الله وبركات في أوج احتياجه وفزعه إلى الله عزّ وجل "إذ نادى ربه نداءً خفيا" (مريم 3). فيهب له يحيى "والله يختص برحمته من يشاء" (البقرة 105). ووقفة مستوحية عند الأبوين الكريمين "وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمها كما ربياني صغيرا" (الاسراء 24). فستلمس صيغة الرحمة قد تجلت بأرق مظاهرها الصادقة وأرقاها. فالله تعالى تفرد بالإحسان في رحمته إلى رعيته، فجاء له الحمد مساوقاً لهذه الرحمة "الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم" (الفاتحة 2-3). ونشر الرقة بين البشر في الطباع "ليدخل الله في رحمته من يشاء" (الفتح 25). ولو تابعنا أصل المادة لغوياً لوجدنا ملاءمتها للمعنى صوتياً في الرقة واللحمة والتناسب، فالرحم رحم المرأة، قل تعالى "هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشآء" (ال عمران 6). ومنه استعير الرحم للقرابة لكونهم من رحم واحدة نسبياً، لذلك قال تعالى "وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض" (الانفال 75). ولولا قرابتهم لما كانت الولاية بينهم.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك