الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن كلمة اعصار ومشتقاتها "وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ" ﴿يوسف 36﴾ أعصر فعل، أَعْصِرُ خَمْراً: أعصر عنباً، ودخل السجن مع يوسف فَتَيان، قال أحدهما: إني رأيت في المنام أني أعصر عنبًا ليصير خمرًا، وقال الآخر: إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه، أخبرنا يا يوسف بتفسير ما رأينا، إنا نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله، ومعاملتهم لخلقه، و "وَالْعَصْرِ" ﴿العصر 1﴾ وَالْعَصْرِ: وَ حرف جر، الْ اداة تعريف، عَصْرِ اسم، والعَصْرِ: الدهر (الواو للقســم)، أقسم الله بالدهر على أن بني آدم لفي هلكة ونقصان.
ورد كلمة اعصار ومشتقاتها في القرآن الكريم: إِعْصَارٌ، أَعْصِرُ، يَعْصِرُونَ، الْمُعْصِرَاتِ، وَالْعَصْرِ. جاء في معاني القرآن الكريم: عصر العصر: مصدر عصرت، والمعصور: الشيء العصير، والعصارة: نفاية ما يعصر. قال تعالى: "إني أراني أعصر خمرا" (يوسف 36)، وقال: "وفيه يعصرون" (يوسف 49)، أي: يستنبطون منه الخير، وقرئ: (يعصرون) (وهي قراءة شاذة) أي: يمطرون، واعتصرت من كذا: أخذت ما يجري مجرى العصارة.
جاء في المعاجم: الإِعْصَارُ: ريحٌ تَهُبُّ بشدَّةٍ وتثيرُ الغُبارَ وترتفِعُ كالعمود إِلى السماءِ. و الإِعْصَارُ (في الجغرافيا): منطقةٌ من الضَّغط تجذب الرِّياح إِلى مركزها في اتجاه عكس عَقَارب السَّاعة في نصف الكرة الشمالي، والعكس في نصف الكرة الجنوبي. وتعرف هذه المناطق في العروض الوسطى بالمنخفضات الجوية. وفي المثل: إِن كنت ريحاً فقد لاقيتَ إِعْصاراً، يضرب للمُدِلِّ بنفْسِه إِذا لقيه من أَذلَّه ونالَ مِنْهُ. والجمع: أَعاصيرُ. إعْصَارٌ شَدِيدٌ: رِيَاحٌ مُرْتَفِعَةٌ قَوِيَّةٌ تَنْثُرُ التُّرَابَ مَعَهَا وَتُكَوِّنُ مِنْهُ دَوَائِرَ. تعَرَّضَتِ البَاخِرَةُ لإِعْصَارٍ جَارفٍ: اِرْتِفَاعُ مِياهِ البَحْرِ وَاسْتِدَارَتُها مُكَوِّنَةً أمْوَاجاً عَالِيَةً. إعصار: جمع أعاصرُ وأعاصيرُ: (الجغرافيا) منطقة ضغط جوّي منخفض، تتحرّك فيها الرِّياح بشدّة حلزونيًّا نحو مركزها، وتكون عكس اتّجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الشماليّ، بينما تتّفق واتِّجاه عقارب الساعة في نصف الكرة الجنوبي: أعاصيرُ جوّيَّةٌ، "فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ" (البقرة 266) ريح عاصف (زوبعة). مثل: إنْ كنت ريحًا فقد لاقيتَ إعصارًا، يُضرب للمُدِلّ بنفسه إذا صلِي بنارِ مَنْ هو أدهى منه وأشدّ. زمجرة الأعاصير: عَصْفُها. إعصار: 1- مصدر أعصر. 2- ريح تهب بشدة وترتفع بالغبار كالعمود إلى السماء، جمع: أعاصير وأعاصر. جاء في الموسوعة الحرة: العصر في المفهوم التاريخي مصطلح يطلق على فترة زمنية ذات خصائص تميزها عن الفترات الأخرى. وقد يعتمد تصنيف الفترات الزمنية على أنها عصور على عدة عوامل، منها التغيرات السياسية، كما نطلق على الفترة العباسية اسم العصر العباسي. أو قد يعتمد على تغيرات إجتماعية مثل عصر النهضة، والعصور المظلمة. أو على تغيرات حضارية مثل العصر الحجري أو العصر البرونزي. ويختلف مفهوم العصر عن مفهوم العهد في إن العهد يمثل بعداً سياسيا أكثر من العصر فهو يؤرخ لفترة حكم سلالة حاكمة أو ملك أو رئيس. وعادةً ما يكون العهد أقصر مدةً من العصر.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: طريق النجاة الوحيد: في بداية هذه السّورة نواجه قسما قرآنيا جديدا، يقول سبحانه: "وَ الْعَصْرِ" (العصر 1) كلمة (العصر) في الأصل الضغط، و إنّما اطلق على وقت معين من النهار لأنّ الأعمال فيه مضغوطة. ثمّ أطلقت الكلمة على مطلق الزمان و مراحل تاريخ البشرية، أو مقطع زماني معين، كأن نقول عصر صدر الإسلام. و لذلك ذكر المفسّرون في معنى العصر احتمالات كثيرة: 1- قيل: إنّه وقت العصر من النهار، بقرينة وجود مواضع اخرى أقسم اللّه فيها بأوّل النهار كقوله تعالى: "وَ الضُّحى" (الضحى 1) أو "وَ الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ" (المدثر 34). و إنّما أقسم بالعصر لأهميته، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام المعيشة و حياة البشر، الأعمال اليومية تنتهي، و الطيور تعود إلى أوكارها، و قرص الشمس يميل إلى الغروب، و يتجه الجو إلى أن يكون مظلما بالتدريج. هذا التغيير يلفت نظر الإنسان إلى قدرة اللّه المطلقة في نظام الكون، و هو في الواقع أحد علامات التوحيد، و أية من آيات اللّه تستحق أن يقسم بها. 2- قيل: إنّه كلّ الزمان و تاريخ البشرية المملوء بدروس العبرة، و الأحداث الجسيمة. و هو لذلك عظيم يستحق القسم الإلهي. 3- بعضهم قال: إنّه مقطع خاص من الزمان مثل عصر البعثة النبوية المباركة، أو عصر قيام المهدي المنتظر عليه السّلام، و هي مقاطع زمنية ذات خصائص متميزة و عظمة فائقة في تاريخ البشر. و القسم في الآية إنّما هو بتلك الأزمنة الخاصّة. 4- بعضهم عاد إلى الأصل اللغوي للكلمة، و قال إنّ القسم في الآية بأنواع الضغوط و المشاكل التي تواجه الإنسان في حياته، و تبعث فيه الصحوة و توقظه من رقاده، و تذكره باللّه سبحانه، و تربّي فيه روح الاستقامة. 5- قيل: إنّها إشارة إلى (الإنسان الكامل) الذي هو في الواقع عصارة عالم الوجود و الخليقة. 6- و أخيرا قيل إنّ الكلمة يراد بها صلاة العصر، لأهميتها الخاصّة بين بقية الصلوات، لأنّها (الصلاة الوسطى) التي أمر اللّه أن يحافظ عليها خاصّة. مع أنّ التفاسير أعلاه غير متضادة، و يمكن أن تجتمع كلّها في معنى الآية، و يكون القسم بكل هذه الأمور الهامّة، و لكن الأنسب فيها هو القسم بالزمان و تاريخ البشرية. لأنّ القسم القرآني- كما ذكرنا مرارا- يتناسب مع الموضوع الذي أقسم اللّه من أجله و من المؤكّد أن خسران الإنسان في الحياة ناتج عن تصرّم عمرهم، أو أنّه عصر بعثة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنّ المنهج ذا المواد الأربع في ذيل هذه السّورة نزل في هذا العصر. تتّضح ممّا سبق عظمة آيات القرآن و سعة مفاهيمها. فكلمة واحدة تحمل من المعاني العميقة ما يجعلها صالحة لكل هذه التفاسير المتنوعة.
https://telegram.me/buratha