الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم للسيد محمد باقر الحكيم: وقد شرع الإسلام الدعوة إلى الله والبلاغ بالهدى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله لمواجهة هذه الأنواع من الاختلافات بحسب مستوياتها وطبائعها، كما تنص على ذلك الآيات الكريمة الكثيرة. منها الآية: 17 من سورة لقمان "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (لقمان 17). وقد أكد القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى ـ من أجل تنبيه الناس ووعظهم في الحياة الدنيا، وللقضاء على أسباب الاختلاف وفتح طريق التكامل أمام مسيرة البشرية على المستوى الفردي والجماعي ـ وضع قانونين آخرين: أحدهما: قانون الاستغفار والتوبة والإنابة والعفو؛ ليكون أمام الإنسان فرصة الرجوع عن أخطائه وذنوبه، حيث يتكامل بهذه التوبة، ويتفضل عليه الله ـ عز وجل ـ بالمغفرة. ثانيهما: قانون الانتقام الدنيوي للجماعات عندما تتفاقم حالة الانحراف، وتتزايد الذنوب والجرائم والسيئات، ليكون هذا الانتقام عبرة للأجيال القادمة والأمم الآتية. ومن هنا نجد أن القرآن الكريم يؤكد على هذين القانونين، سواء في العطاء النظري والفكري، أو في قصص الأنبياء والأقوام؛ من أجل معالجة هذه الأسباب وتوضيح الرؤية والطريق للناس نحو الكمال. كما حدد القرآن الكريم المعالم الأساسية التي يمكن أن تقوم عليها وحدة المجتمع البشري في نهاية المطاف، حيث ستصل مسيرة البشرية إلى هذا الهدف في أواخر أيامها الدنيوية كما وعد الله سبحانه وتعالى بذلك. وعن الاختلاف بسبب الفساد في الأرض: وقد وردت آيات كثير في سور متعددة بهذا الصدد منها لقمان: 21 "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ" (لقمان 21). وهناك المئات من الآيات الكريمة التي تناولت معالم الفساد والانحراف في العقائد والسلوك والاجتهادات، وتحدثت عن مفردات الهوى وزخارف الدنيا وآثارها في الحياة الإنسانية.
عن کتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: روى عبد الله بن مسعود: قالوا: أينا لم يلبس ايمانه بظلم. فقال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم: انه ليس بذاك، انما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان: "ان الشرك لظلم عظيم" (لقمان 13). لعل تأكيد القرآن وصفه باللسان العربي إنما هو باعتبار الإشارة إلى أهمية لغة التخاطب في توضيح الحقائق والالتزام بالحجة والتأثير النفسي: المراد من الذين ظلموا هم المشركون من أهل الحجاز، لان القرآن الكريم يعبر عن الشرك بالظلم كما ورد في قوله تعالى: "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" (لقمان 13).
وعن کتاب تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: يبدو من خلال الآيات القرآنية أن الحد الفاصل بين ميزان الرحمة والعدل الإلهي في الدار الآخرة هو العناد والتمرد والشرك والكفر، الذي يعبر عنه القرآن الكريم في كثير من الموارد بالاستكبار، لان ملاك العدل الإلهي هو الظلم، ومعنى العدل الإلهي هو إنزال الجزاء بالظالم، وأن للظلم هذا درجات، ودرجته التي لا يمكن التجاوز عنها هي درجة (الشرك والكفر والاستكبار)، قال تعالى: "يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم" (لقمان 13). ولعل من أروع النصوص الإسلامية التي تتحدث عن هذه المعادلة بين الرحمة والعدل الإلهي ما ورد في دعاء كميل بن زياد النخعي المعروف الذي يرويه عن إمام المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام: (فباليقين أقطع لولا ما حكمت به من تعذيب جاحديك وقضيت به من إخلاد معانديك لجعلت النار كلها بردا وسلاما وما كان لاحد فيها مقرا ولا مقاما، لكنك تقدست أسماؤك أقسمت أن تملأها من الكافرين: من الجنة والناس أجمعين، وأن تخلد فيها المعاندين، وأنت جل ثناؤك قلت مبتدئا وتطولت بالانعام متكرما أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون). وعن لفظ الجلالة (الله): وقد وقع الكلام في اشتقاقه، فهل هو اسم جامد وقد اخذ من إحدى اللغات غير العربية كالعبرية أو السامية، حيث كان أصله (لاه) مثلا ثم حور بعد إدخال الألف واللام عليه؟ أو أن أصله من (الإله) بمعنى (العبادة) أو (الحيرة) وقد حذفت الهمزة لكثرة الاستعمال وادخل عليه الألف واللام فخص البارئ تعالى به. وحينئذ يكون منشأ الاشتقاق من (العبادة) واضحا باعتبار أن الإله هو المعبود، وأما اشتقاقه من (الحيرة) فلأن المفترض في وجود الإله هو أن يكون وجودا لما وراء الطبيعة، وهو وجود غيبي محير في معرفة واقعه وكنهه لا وجود حسي، فمنشأ العلاقة إذن هو الوقوع في الحيرة عند محاولة تصور هذا (الإله) ومعرفة كنهه؟ والظاهر أن لفظ الجلالة قد استعمل بمعنى (المعبود) أو بمعنى (ما يتحير في شأنه) على نحو الاستعمال الحقيقي، ولكن عندما غلب استعماله في الذات المقدسة أصبح اسم علم لها واختص بها، ويبدو من خلال القرآن الكريم أن العرب قبل الإسلام قد استخدموا لفظة إله وآلهة في المعبودات الأخرى (الأصنام) غير الذات المقدسة، وأما لفظ الجلالة فلم يكونوا يستخدمونه إلا كعلم في الذات المقدسة فقط، كما في قوله تعالى: "ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله" (لقمان 25).
https://telegram.me/buratha