الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب الصوت اللغوي في القرآن للدكتور محمد حسين علي الصغيرصادره القديمة ومراجعة الحديثة ذات أصناف ثلاثة : عن المماثلة التقدمية ، فإن في العربية باباً تقع فيه هذه المماثلة بصورة قياسية ، في صيغة « افتعل ـ افتعالاً » حيث يؤثر الصامت الأول في الثاني ، قال تعالى "واًدّكَرَ بَعدَ أمَّة أنَا أنَبّئُكُم بتَأويله فَأَرسلُون " (يوسف 45) الفعل: هو ذكر، وصيغة (افتعل ـ افتعالاً) منه (إذتكر ـ إذتكاراً) إذ تزاد الألف في الأول، والتاء تتوسط بين فاء الفعل وعينه، فيكون الفعل ( إذتكر ) والذال مجهورة ، والتاء مهموسة، فتأثرت التاء بجهر الذال، فعادت مجهورة ، والتاء إذا جهر بها عادت دالاً ، فتكون: (إذ دكر) والدال تؤثر في الذال بشدتها ، فتتحول الذال من صامت رخو إلى صامت شديد (دال) ثم تدغم الدالان، فتكون "إدَّكَرَ" (يوسف 45). القرآن كتاب هداية وتشريع لا شك في هذا ، ولكنه من جانب لغوي كتاب العربية الخالد ، يحرس لسانها ، ويقوّم أود بيانها ، فهي محفوظة به ، وهو محفوظ بالله تعالى" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون " (الحجر 9). لهذا بقيت العربية في ذروة عطائها الذي لا ينضب ، وظلت إضاءتها في قمة ألقها الذي لا يخبو.
يقول الدكتور الصغير رحمه الله في كتابه: أن ابن فارس (ت : 395 هـ) يقول : (ومما اختصت به لغة العرب الحاء والظاء). إلا أن الضاد يبقى صوتاً صارخاً في العربية لا مشابه له في اللغات العالمية، بل وحتى في اللغات السامية القريبة الأصر من اللغة العربية، وكان لهذا الصوت نصيبه من الالتباس بصوت (الظاء) فكانت الإشارة منا في عمل مستقل إلى الاختلاف فيما بين الضاد والضاء حتى عند العرب انفسهم، وأن الالتباس بالضاد كان ناجماً عن مقاربتها للضاء في الآداء، وعدم تمييز هذين الصوتين حتى لدى العرب المتأخرين عن عصر القرآن. ومن عجائب القرآن الأدائية، وضعه هذين الصوتين في سياق واحد، وبعرض مختلف، في مواضع عديدة من القرآن، ذلك من أجل الدربة الدقيقة على التلفظ بهما، والمران على استعمالهما منفصلين ، بتفخيم الضاد وترقيق الضاء، قال تعالى " ولئن رجعت إلى ربى إنّ لي عنده للحسنى فلننبئنّ الّذين كفروا بما عملوا ولنذيقنّهم من عذاب غليظ * وإذا أنعمنا على الإنسان اعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشّرّ " (فصلت 50-51). فالظاء في (غليظ) والضاد في (أعرض) وفي (عريض) مما تواضع الأوائل على قراءته بكل دقة وتمحيص، وميزوا بذائقتهم الفطرية فيما بين الصوتين. والحاء بالعربية تنطق (هاء) في بعض اللغات السامية، وكذلك صوتها في اللغات الأوروبية، فهما من مخرج واحد (ولولا هتة في الهاء لأشبهت الحاء لقرب مخرج الهاء من الحاء). ولعمق التوجه الصوتي في القرآن لدى التمييز بين المقاربات نجده يضعهما في سياق واحد في كثير من الآيات، من أجل السليقة العربية الخالصة، قال تعالى :"فسيحوا في الأرض اربعة أشهر واعلموا انكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكفرين * وأذن من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر" (التوبة 2-3). فالحاء من "فسيحوا" والهاء من "أشهر" في الآية الأولى إلى جنب الهاء من "الله ورسوله" (التوبة 3) والحاء من "الحج" في الآية الثانية، جاءت جميعها بسياق قرآني متناسق في هدف مشترك للتمييز بين الصوتين حيناً، وللحفاظ على خصائص العربية حيناً آخر، ولبيان اختلاطهما عند غير العربي المحض، فلا يستطيع أداء (الحاء) تأديته (الهاء) إذ قد يلتبسان عليه، وهو جانب فني حرص القرآن على كشفه بعيداً عن الغرض الديني إلا في وجوب أداء القرآن قراءة كما نزل عربياً مبيناً. لهذا نرى أن القرآن هو القاعدة الصلبة للنطق العربي الصحيح لجملة أصوات اللغة، ولا سيما الضاد والظاء أوالحاء والهاء، في التمرس عليهما والتفريق الدقيق بينهما.
وعن الصوت اللغوي في فواتح السور القرآنية يقول الدكتور محمد حسين الصغير: الاستفتاح بالثناء على الله تعالى ، كما في 1- أول الفاتحة ، وذلك قوله تعالى " الحمد لله رب العالمين" (الفاتحة 2) 2 ـ الاستفتاح بالنداء ، كما في أول المدثر ، وذلك قوله تعالى "يا أيها المدثر" (المدثر 1). 3 ـ الاستفتاح بالقسم ، كما في أول سورة الفجر ، وذلك قوله تعالى "والفجر" (الفجر 1). 4 ـ الاستفتاح بالجملة الخيرية ، كما في أول سورة المؤمنون وذلك قوله تعالى "قد أفلح المؤمنون" (المؤمنون 1). 5 ـ الاستفتاح بصيغة الأمر، كما في أول سورة العلق، وذلك قوله تعالى"اقرأ باسم ربّك الذى خَلَقَ" (العلق 1) 6 ـ الاستفتاح بصيغة الشرط، كما في أول سورة النصر، وذلك قوله تعالى "إذا جاء نصر الله والفتح" (النصر 1) 7 ـ الاستفتاح بصيغة الاستفهام، كما في أول سورة النبأ ، وذلك قوله تعالى "عمَّ يتساءلون * عن النباء العظيم" (النبأ 1-2) 8 ـ الاستفتاح بالدعاء، كما في أول سورة المطففين، وذلك قوله تعالى "ويل للمطفّفين" (المطففين 1) 9 ـ الاستفتاح بالتعليل ، وقد ورد مرة واحدة في القرآن، في أول سورة الإيلاف، وذلك قوله تعالى "لإيلاف قريش" (قريش 1) 10 ـ الاستفتاح بحروف التهجي، وهي موضوع هذا البحث في الصوت اللغوي، إذ تم استفتاح تسع وعشرين سورة في المصحف الشريف بحروف هجائية مقطعة يمكن حصرها بالضبط في النحو الآتي :أ ـ ثلاثة حروف موحدة هي: ص. ق. ن. ب ـ عشرة حروف مثناة هي: طه، طس، يس، وحم استعملت في افتتاح سبع سور، فهذه عشرة. ج ـ إثنا عشر مثلثة الحروف هي: آلم، آلر، طسم. وقد تكرر الأولان عدة مرات في المصحف دون طسم. د ـ إثنان حروفهما أربعة : آلمر. آلمص. هـ ـ إثنان حروفها خمسة : كهيعص. حمعسق.
https://telegram.me/buratha