مصطفى الهادي.
الجواب نعم وذلك لأمور كثيرة وردت في القرآن والكتب السماوية والحديث النبوي وأول ذلك قوله تعالى: (ويُكلم الناس في المهد).(1) وكذلك قوله عن يحيى (ع) : (وآتيناه الحكم صبيا).(2) ,والحكم هو النبوة ، وكذلك قوله تعالى عن نبي الله إبراهيم (ع) : (ولقد آتينا إبراهيم رشدهُ من قبل).(3) فقد تكلم هؤلاء وهم في المهد وأعلنوا أنهم أنبياء (آتاهم الله الحكم والنبوة وجعلهم مباركين). إضافة إلى الأحاديث التي سوف ترد في البحث.
فعيسى حسب ما ورد في الكتب السماوية، تكلم في المهد، وأعلن أن الله جعلهُ نبيا ، ثم بعدها كان يتكلم بأمور يتعجب منها الناس. فقد كلّمهم وهو بعد رضيع في المهد كما يقول القرآن (ويكلم الناس في المهد وكهلا).(4) ولو ذهبنا إلى الإنجيل لوجدنا ذلك مسطورا كما يقول : ( وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم وبارك الله . فوقع خوف على كل جيرانهم. وتحدث بهذه الأمور في كل جبال اليهودية، فقال الذين سمعوا ذلك: أترى ماذا يكون هذا الصبي؟ وكانت يد الرب معه).(5) ولو تمعنت في قول الإنجيل ( وبارك الله). هو شبيه قوله تعالى في القرآن: (قال أني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا).(6)
ولم يكن كلام السيد المسيح فقط عندما كان رضيعا ،بل استمر في كلامه وموعظته للناس كما نفهم من الإنجيل والقرآن.
يقول الإنجيل : (ولما كانت له اثنتا عشر سنة. كان في الهيكل، جالسا في وسط المعلمين، ويسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته، كان يسوع يتقدم في القامة والحكمة عند الله والناس). (7) ونفهم من كلام الإنجيل أن السيد المسيح عندما تكلم في المهد استمر بكلامه وهو يتقدم في الحكمة والقامة. أي كان ينموا كطفل ثم شاب وهكذا حتى زمن الكهولة وهذا ما نفهمه من القرآن أيضا : (ويُكلّم الناس في المهد وكهلا). أي لم ينقطع كلامه ولم يكن كلامه فقط في المهد بل استمر حتى الكهولة حيث رفعهُ الله إليه بعد أن حاولوا قتله.
هذا أولا.
ثانيا : كل الأنبياء يعلمون أنهم أنبياء بعضهم أذن له الله ان يتكلم ويتنبأ وهو صغير، وبعضهم كان له توقيت معيّن. ونبينا محمد (ص) لم يكن في معزل عن ذلك فقد كان معروفا منذ أن كان صبيا بأنهُ نبي كما في الكثير من الروايات التي كانت تحصل له في رحلاته مع جده وعمه إلى الشام.فكان علماء وحكماء اليهود والنصارى يُخبرون عمّه بذلك. لا بل أن النبي (ص) أكد بأنه نبي قبل أن يخلق الله الكون وما فيه وقبل خلق آدم (ع) كما في الحديث الوارد عنه : (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين).(8) وفي حديث: (كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد). وكذلك قوله (ص) : (إن الله خلقني من نور وخلق ذلك النور قبل آدم بألفي ألف سنة).(9) وهي من سنوات الآخرة.
القرآن يؤكد ذلك فيقول تعالى : (وإذ أخذ اللهُ ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتُنصرنهُ، قال أأقررتم .... قالوا أقررنا).(10) الله تعالى في هذه الآية يخبرنا بأنهُ أخذ ميثاق النبيين في ذلك العالم قبل الخلق وأعطاهم الكتاب والحكمة. وأنهُ تعالى إن بعث رسولا أن يؤمنوا به ويُصدقوه ، ويأخذوا ذلك على أممهم، بأن محمدا هو خاتمهم . وهذه الآية الكريمة من أعظم الدلائل على أن الأنبياء يعلمون انهم أنبياء وأنهم أقروا بذلك (قالوا أقررنا) فأمرهم الله أن يشهدوا على ذلك ويشهدوا على أممهم بذلك، ثم قال تعالى : (فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين).فهذا القول مؤكد بالشهادة من الله ورسله.
المصادر:
1- سورة آل عمران آية : 74.
2- سورة مريم آية : 12.
3- سورة الأنبياء آية : 51.
4- سورة آل عمران آية : 46.
5- إنجيل لوقا 1 : 64 ـ 66.
6- سورة مريم آية : 30.
7- إنجيل لوقا 2 : 46 ـ 52.
8- هذا الحديث اجمع عليه الشيعة والسنة ومن المصادر التي ذكرته : الترمذي في جامعه حديث رقم : 3609. وابن كثير في البداية والنهاية ج3 ص : 498.وقال عنهُ الألباني حديث صحيح ، ونقله في بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٦ - الصفحة ٤٠٢.
9- بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ج35 ص : 28.
10- سورة آل عمران آية: 81.
https://telegram.me/buratha