الصفحة الإسلامية

"لا إِكْراهً فِي الدِّينِ" الكره ومشتقاتها في القرآن الكريم (ح 1)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله تعالى عن كره ومشتقاتها "كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" ﴿البقرة 216﴾ كُره لكم: مكروه لكم طبعا، فرض الله عليكم أيها المؤمنون قتال الكفار، والقتال مكروه لكم من جهة الطبع؛ لمشقته وكثرة مخاطره، وقد تكرهون شيئًا وهو في حقيقته خير لكم، وقد تحبون شيئًا لما فيه من الراحة أو اللذة العاجلة، وهو شر لكم، و "لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" ﴿الأنفال 8﴾، و "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" ﴿التوبة 32﴾، و "هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" ﴿التوبة 33﴾، و "وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَـٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ" ﴿التوبة 46﴾، و "وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ" ﴿يونس 82﴾.

قوله تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 256) على الفرد ان يبين للشخص المسلم حرمة العمل المحرم وليس الواجب منعه بالقوة. والدين يفرق بين الرشد والغي "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ" (البقرة 256). جاء في الموسوعة الإلكترونية لمدرسة أهل البيت عليهم‌ السلام التابعة للمجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام عن آية لا إكراه في الدين: التعارض مع الجهاد الابتدائي: يذهب بعض الباحثين إنَّ الجهاد الابتدائي يتعارض مع مضمون آية لا إكره في الدين، لأنَّ الآية المذكورة تنفي الإكراه في الدين؛ ولكن الجهاد الابتدائي هو فرض الإسلام على الآخرين بالسيف. وفي هذا السياق توجد هناك ثلاث آراء: الرأي الأول: ذكرهُ البعض منهم كالعلامة الطباطبائي إنَّ الجهاد الابتدائي هو الدفاع عن الأمر الفطري للتوحيد والدفاع عن الإنسانية، ومنع الإنسان من السقوط في هاوية الحيوانية، ويُعتبر هذا الأمر ضروري ومشروع. الرأي الثاني: يرى أصحاب هذا الرأي إنَّ الجهاد الابتدائي يهدف إلى إزالة الموانع والمعوقات في طريق الدعوة إلى الإسلام، وإنّه لا يتعارض مع آية لا إكراه في الدين. الرأي الثالث: يعتقد أصحاب هذا الرأي إنَّ هذا التعارض موجود وإنَّ الجهاد الابتدائي يجبر الناس على اعتناق الدين الإسلامي. يعتقد الشهيد مطهري إنَّ الجهاد الابتدائي له جانب دفاعي ولا يتعارض مع هذه الآية، وإذا كان الكفار لا علاقة لهم بالمسلمين، فالإسلام ليس له علاقة بعقيدتهم.

جاء في موقع طريق الاسلام عن الكره بضم الكاف وفتحها: قال تعالى: "وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً" (الاحقاف 15) وقال سبحانه: "ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً" (فصلت 11) وردت (كرها) بالضم في الآية الأولى، ووردت بالفتح (كرها) في الآية الثانية، ما الفرق في المعنى بينهما؟ (الكره): بالضم بمعنى المشقة المرغوبة المطلوبة من قبل صاحبها. و (الكره): بالفتح بمعنى الإكراه والإجبار والقسر، وذلك لأنّ الأمر والتكليف جاء من الخارج. وعن طوعا وكرها للكاتب أحمد كمال قاسم: هل من الصواب أن نعتقد أن الإنسان فقط هو المخير، وباقي الكون من الذرة إلى المجرة مسير؟ تأمل معي في هذه الآية: "ثُمَّ استَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلأَرضِ ائتِيا طَوعًا أَو كَرهًا قالَتا أَتَينا طائِعينَ" (فصلت 11) لقد أطاعتا ربهما عن رضى واختارتا أن يمتثلا لأوامره طوعًا وليس قهرا. وتأمل أيضا هذه الآية "وَلِلَّهِ يَسجُدُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوعًا وَكَرهًا وَظِلالُهُم بِالغُدُوِّ وَالآصالِ" (الرعد 15) إن الكون كله يعبد الله طوعا كما دلت الآية السابقة عدا الإنسان "أَلَم تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسجُدُ لَهُ مَن فِي السَّماواتِ وَمَن فِي الأَرضِ وَالشَّمسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجومُ وَالجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوابُّ وَكَثيرٌ مِنَ النّاسِ وَكَثيرٌ حَقَّ عَلَيهِ العَذابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن مُكرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ" (الحج 18). فالقليل الذي سجد لله طوعا، أما الكافر المتمرد فإن كان لا يسجد لله تكبرا، فإن كل خلية بل كل ذرة بل كل جسيم أولي في جسده يسجد لله طواعيةً (طوعًا) ويتبع أمره المتمثل في قوانين الطبيعة، إلا أن هذا يحدث رغما عن إرادة الكافر! فلو كان الأمر بيديه كان قد منع ذراته وخلاياه من السجود لله، لكنها تسجد رغما عنه (كرها).

عن الكاتب علي محسن راضي في صفحة المقالات بوكالة انباء براثا عن التوحيد وابادة البشر / الجزء الاول: مما لاشك فيه إن التبليغ والإعلام والنشر والدعوة الإسلامية لاتجوز شرعاً بطريق الإكراه والقوة والقهر والضغط والعنف، بل إنها تكون بوسائل الإقناع والإقتناع والقبول الطوعي ، وبالحرية والإختيار . ذلك أن الأصل في الإسلام للإنسان هو الحرية والإختيار في الإيمان، أو الّلإايمان، مثلما أصَّل هذا الأصل الإنساني العظيم الكثير من الآيات القرآنية، منها "لا إكراه في الدين" (البقرة 256)، { أفأنتَ تُكرهُ الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس 99)، و "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة" (المائدة 48)، "إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ" (المزمل 19)، "فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ" (عبس 12)، و { ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين" (هود 118)، بالإضافة الى العنصر والأصل الأهم والأبرز الذي يرافق الرسالة الإسلامية وعالميتها وعموميتها آبتداءً وآنتهاءً، وهو الرحمة، والرحمة بداهة هي نقيض للعنف والتعنيف والعنفية والخشونة والرعونة والقسوة والإرعاب. من جانب آخر فإن الله سبحانه قد جعل الإختلاف والتنافس والتنوع من سنن الحياة والكون والتاريخ، لأنه بهذه العناصر ونظيراتها تكتمل وتتكامل العوامل المؤثِّرة في إحداث عملية التطور والتغيير والإزدهار في المجتمعات البشرية، ومن خلالها تقوم الحضارات وتؤسس المدنيات. لهذا نلاحظ أن القرآن في العديد من الآيات يركِّزُ على هذه العوامل الأساسية والهامة في الكون على المستوى الإجتماعي والتاريخي. مثلما تلونا العديد من الآيات القرآنية قبل قليل، فلو شاء الله تعالى لجعل الناس جميعهم على دين واحد، وعلى معتقد واحد، وعلى مِلَّة واحدة، وعلى لون واحد، وعلى أرومة واحدة، وعلى لسان واحد، لكن حكمته سبحانه البليغة والبالغة ومشيئته الحكيمة إقتضت غير ذلك، حيث آقتضت حكمته اللامتناهية على النحو الذي نراه في الكون، وهو الإختلاف والتنوع. يقول القرآن الكريم حول الإختلاف والتنوع في الكون: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات 13)، و"وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" (الروم 22) أما إنه لمزيد من الأسى والأسف الشديدين فإن الجماعات والشخصيات الدينية المتطرفة شَذُّوا عن الأصول والأركان والثوابت الإسلامية المذكورة حول فلسفة الإختلاف والتنوع القرآنية، وحول إختيار الناس في العالم كله وحريتهم، في قبول، أو رفض الإيمان، وحول الإعتدال والوسطية والرفق وحسن المعاملة والتعامل مع الآخر المختلف، ذلك أن (الدين المعاملة) كما جاء في الحديث النبوي الشريف، فهم بدلاً من ذلكه كله إتخذوا التشدد والتطرف والغلو والعنف في الدين ديدناُ ونهجاً لهم، فأخذ هؤلاء يُنَظِّرونَ الإسلام ويفسِّرون تعاليمه وأحكامه بشكل خاطيء ومتعسِّف ومنحرف جداً، وبشكل متناقض تماماً مع الحِكَم والمقاصد القرآنية، وذلك تحت ذرائع شتى.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك