الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم للسيد نبيل الحسني: خطبت (فاطمة الصغرى عليها السلام) لأهل الكوفة فقد أخرجها الطبرسي عن زيد بن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام، قال: خطبت بعد أن ردت من كربلاء فمما قالت: أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء، إنا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجته في الأرض في بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضلنا بنبيه صلى الله عليه وآله على كثير من خلقه تفضيلا، فكذبتمونا، وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالا، وأموالنا نهبا. واستمرت عليها السلام قائلة مذكرة بقول الله تعالى: "ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ" (الجمعة 4)، و "وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّـهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ" (النور 40). قال: فارتفعت الأصوات بالبكاء وقالوا: حسبك يا بنت الطيبين فقد أحرقت قلوبنا، وأنضجت نحورنا، وأضرمت أجوافنا. فسكتت عليها وعلى أبيها وجدها السلام. ونجد هنا أن زيد بن موسى بن جعفر قد نص على كونها الصغرى مما يدل على وجود أخت لها سميت بـفاطمة الكبرى تفريقا بينهما كما هو حال عمتها زينب فلوجود غيرها من أخواتها من قد تسمت بهذا الإسلام فقد سميت غيرها بزينب الصغرى أو كحال أخويها علي الأكبر وعلي زين العابدين عليه السلام. فاطمة بنت الحسين عليه السلام تصف سبي الأعداء لبنات المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. قالت في خطبتها بجمع أهل الكوفة: (فكذبتمونا، وكفرتمونا، ورأيتم قتلنا حلالاً، وأموالنا نهباً، كأننا أولاد ترك أو كابل كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم، قرت بذلك عيونكم، وفرحت به قلوبكم، إجتراءً منكم على الله، ومكرا مكرتم والله خير الماكرين، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة: "فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَاۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ ﴿22﴾ لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْۗ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور (23)" (الحديد 22-23).
يقول السيد الحسني في كتابه عن آثار إخراج النساء إلى كربلاء في الإسلام والمسلمين: ليس من السهل على الباحث الوقوف بشكل دقيق ليكون مطابقاً لعين الواقع على الحكمة التي اقتضتها مشيئة الله تعالى في إخراج عيال حجة الله تعالى الإمام الحسين عليه السلام إلى أرض المعركة التي كانت نتائجها العسكرية قطعية عند الإمام الحسين عليه السلام وهي استشهاده مع جميع أبنائه وأبناء عمومته وأصحابه ومن ثم سبي هؤلاء النسوة. وعليه: أصبح أمر الوقوف على هذه الحكمة أقرب إلى المستحيل لاسيما ونحن نتعامل مع أدق القضايا الغيبية التي ارتبطت بدين الإسلام هذا الدين الذي أحيطت به خصائص خاصة جعلته الدين الذي ارتضاه الله لرسله وأنبيائه. "إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ" (ال عمران 19). وهو خير دين أخرج للناس "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ" (ال عمران 110). من هنا: نلمس بعمق أن هذه القضية، أي عاشوراء، هي من أدق القضايا الغيبية المرتبطة بالله تعالى وبرسوله الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. إلا أننا نستطيع أن ندور في فلك هذه القضية ونقترب من نواتها الحكمية مرة أو نبعد مرة أخرى، وذلك بحسب الآثار التي حققتها هذه المسألة، أي خروج النساء والأطفال، مستعينين بالله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وصاحب هذه الرزية الإمام الحسين عليه السلام وبما يفتحه علينا من باب لطفه وعطائه وهو المأمور بالضيافة والإجارة وهو الذي أعطاه ربه سبحانه ما فاق عطاءه لسليمان إذ قال له ربه: "هَـٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ" (ص 39). فمن جودك سيدي أبا عبد الله نلتمس العطاء "وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ" (يوسف 65). ثم لا غنى لنا في حياتنا ومماتنا عن كتاب الله تعالى نستعين به على معرفة بعض هذه الآثار التي حققها هذا الخروج والاصطحاب للنساء والأطفال، فضلاً عن الوقائع والأحداث التي تجلّى فيها هذا الأثر أو ذاك في خروج هؤلاء النسوة.
ويقول السيد نبيل الحسني عن اصطفاء الذرية للدفاع عن الشريعة، وشاهده القرآني: إنّ أول هذه الآثار التي حققها وجود النساء والأطفال في كربلاء والتي من خلالها تظهر بعض جوانب الحكمة في إخراجهن إلى أرض الطفوف هو: أن الإمام الحسين عليه السلام أراد بيان حقيقة مفادها: أنه امتداد للأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وأن الله تعالى جعل فيه من السنن ما جعل في أنبيائه من إشراك ذريتهم في الاصطفاء لحفظ شريعة الله تعالى، وقد تجلى هذا الأثر جلياً حينما خرج علي الأكبر عليه السلام فقد أرخى الإمام الحسين عليه السلام عينيه بالدموع وصاح بعمر بن سعد: ما لك؟ قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلط عليك من يذبحك على فراشك ثم رفع شيبته المقدسة نحو السماء وقال: (اللهم اشهد على هؤلاء فقد برز إليهم أشبه الناس برسولك محمد خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً وكنا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا إليه، اللهم فامنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقاً واجعلهم طرائق قددا، ولا ترضِ الولاة عنه أبداً فإنهم دعونا ينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا ثم تلا قوله تعالى: "إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿33﴾ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)" (ال عمران 33-34)). وعليه: فقد احتج عليه السلام بكتاب الله تعالى وبيّن لهم أنه وولده امتداد للأنبياء عليهم السلام فضلاً عن اصطفائهم على العالمين وأنهم ذرية بعضها من بعض ومن ثم فهم بذلك يكونون قد اعتدوا على جميع الأنبياء وأجرموا في حقهم وانتهكوا حرماتهم.
وعن هواية القلوب للذرية، وشاهده القرآني يقول السيد الحسني في كتابه: يعرض القرآن الكريم شاهداً آخر من فلسفة وجود عنصري المرأة والأطفال في حياة الأنبياء، ودفاعهم عن شريعة الله حتى يكاد القرآن لا يجعل فاصلة بين تضحية الأنبياء بأنفسهم عن تضحيتهم بنسائهم وأبنائهم في حفظ الشريعة كما حصل لنبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام حينما أخرج زوجته وولده الرضيع نبي الله إسماعيل إلى وادٍ غير ذي زرع يحف بهم الخطر من كل جانب فضلاً عن فقدان ضروريات الحياة والبقاء كالماء والمأوى قال تعالى على لسان نبي الله إبراهيم عليه السلام: "رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" (ابراهيم 37). فهذه الآية المباركة تكشف جانباً من الحكمة في إخراج إبراهيم الخليل عليه السلام لعياله على قلة عددهم فيما لو قيسوا مع عيال الإمام الحسين عليه السلام فشتّان بين أن يكون المعصوم عليه السلام مأموراً من الله تعالى بحمل امرأة واحدة وولد واحد كإبراهيم الخليل عليه السلام الذي خرج بزوجته هاجر وولدها الرضيع نبي الله إسماعيل عليه السلام، وإخراجهم من بيت المقدس إلى أرض مكة عند بيت الله الحرام، وبين إخراج الإمام الحسين عليه السلام لعشر من أخواته وخمس من بناته وأزواجه الثلاث فهؤلاء ثماني عشرة امرأة بين فتاة في الرابعة من عمرها وبين عقيلة في السادسة والخمسين فضلاً عن مجموعة من الإماء اللاتي خرجن مع عقائل النبوة وبنات الوحي، ومن لحق بهن من نساء أصحاب الإمام الحسين عليه السلام اللاتي توقفت معاناة السبي لديهن في الكوفة حينما جاءت كل قبيلة فأخرجت نساءها من بين قافلة الهاشميات.
https://telegram.me/buratha