الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب سبايا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم للسيد نبيل الحسني: أبو طالب رضوان الله عليه قدّم في يوم عاشوراء ثمانية عشر رجلاً شهيداً من أحفاده وخمسة عشر امرأة مسبية شاء الله أن يراهنّ مسبيات ومسلبات ومصلحات وشاء الله أن يرى رجالهن وإخوانهن وأبناءهن مصلحين ومجاهدين ومبلغين لرسالات ربهم وشهداء مضرّجين بدمائهم. من هنا: وجدنا أن دراسة هذا الوجود العلوي والنبوي لبنات رسول الله المسبوق بمشيئة الله بحاجة إلى التأمل والتفكر والبحث؛ كي نضع أيدينا على منهل جديد من مناهل المعرفة العاشورائية نشفي به قلوب المؤمنين بعد جدب الشبهات وتراكم التخرصات التي يتبوّق بها أشياع آل أبي سفيان بين الحين والآخر وهم يظهرون بمقاسات جديدة وألوان متعددة تتناسب مع الأزمنة. قال الله تعالى "إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا" (النساء 76).
وعن إخراج المشركين نساءهم وأولادهم في غزوة حنين يقول السيد الحسني: لم يشهد العرب بعد معركة أحد ظهوراً لحمل الظعينة في حرب المشركين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا في غزوة حنين، وقد امتاز هذا الخروج للظعينة ببعض الامتيازات التي جعلت من هذه الغزوة متفردة من حيث ما شهدته من ظهور للمرأة على طول تاريخ العرب، وهي كالآتي: 1 ــ تُظهر النصوص التي سنعرضها بأن هوزان لم تترك امرأة إلا أخرجتها معها في سيرها لحرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة حنين. 2 ــ إخراج الأطفال وحملها إلى دار الحرب. 3 ــ إخراج الأموال من الماشية والإبل والأغنام وغيرها. مما جعلها بحق تتفرد في هذا الظهور للمرأة في دار الحرب، أما كيف حدث الأمر، فهو كما يرويه المؤرخون: أن هوازن جمعت له جمعاً كثيرا، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن صفوان بن أمية عنده مائة درع فسأله ذلك، فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: (لا، ولكن عارية مضمونة). قال: لا بأس بهذا. فأعطاه. فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ألفين من مكة وعشرة آلاف كانوا معه، فقال أحد أصحابه: لن نغلب اليوم من قلة. فشق ذلك على رسول الله فأنزل الله سبحانه "لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ" (التوبة 25). قال الصادق عليه السلام: (وكان مع هوازن دريد بن الصمة، خرجوا به شيخا كبيرا يتيمنون برأيه، فلما نزلوا بأوطاس قال: نعم مجال الخيل لا حزن ضرس، ولا سهل دهس، مالي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم قال: فأين مالك؟ فدعي مالك له، فأتاه فقال: يا مالك، أصبحت رئيس قومك، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، وثغاء الشاة؟
وعن دور المرأة في معركة الجمل يقول السيد نبيل الحسني في كتابه: اختزن التراث الإسلامي في مواضع كثيرة منه سواء ما كتب في الحديث أو التفسير أو التاريخ أو التراجم أو سواء ما كتب في العقيدة وعلم الكلام أمر خروج عائشة إلى البصرة للمطالبة بدم عثمان بن عفان ويمكن أن نوجز هذه الحادثة بما اختصره الحافظ العيني في شرحه لصحيح البخاري، ثم نتوقف في دور المرأة في ساحة المعركة وآثار ذلك على المستوى النفسي والعسكري والعقائدي لما تحتله عائشة من موقعية في الإسلام بكينونة ارتباطها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعلقة الزوجية التي فرضت عليها حدوداً خاصة جاء بها القرآن الكريم في سورة الأحزاب، قال تعالى: "يا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴿32﴾ وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴿33﴾ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ وَالْحِكْمَةِۚ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)" (الاحزاب 32-34). وعليه: كان خروجها إلى قتال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد شكل مفصلاً من مفاصل الحركة الفكرية للمسلمين تجاذبت فيها الأقلام والأعناق آثار هذا الخروج وانعكاساته على عقيدة المسلم. قال الحافظ العيني: (كانت وقعة الجمل عام ستة وثلاثين من الهجرة وكان قتل عثمان بن عفان سنة خمس وثلاثين وكانت عائشة بمكة وكذلك أمهات المؤمنين قد خرجن إلى الحج في سنة خمس وثلاثين فرارا من الفتنة ولما بلغ أهل مكة أن عثمان قد قتل أقمن بمكة. ثم لما بويع علي عليه السلام كان أحظى الناس عنده بحكم الحال لا عن اختيار علي لذلك رؤوس أولئك الذين قتلوا عثمان وفر جماعة من بني أمية وغيرهم إلى مكة وخرج طلحة والزبير في الاعتمار وتبعهم خلق كثير وجم غفير وقدم إلى مكة أيضا في هذه الأيام يعلى بن أمية ومعه ستمائة ألف ألف درهم وستمائة بعير فأناخ بالأبطح وقيل كان معه ستمائة ألف دينار وقدم ابن عامر من البصرة بأكثر من ذلك. فاجتمع بنو أمية بالأبطح وقامت عائشة في الناس تحضهم على القيام بطلب دم عثمان وطاوعوها في ذلك وخرجوا وتوجهوا نحو البصرة وكانت عائشة تحمل في هودج على جمل اسمه عسكر اشتراه يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار وكان هذا هو الذي يدلهم على الطريق وكانوا لا يمرون على ماء ولا واد إلا سألوه عنه حتى وصلوا إلى موضع يسمى حوأب بفتح الحاء المهملة وسكون الواو وفتح الهمزة وفي آخره باء موحدة وهو ماء قريب من البصرة فنبحت كلابه فقالوا: أي ماء هذا قال الدليل هذا ماء الحوأب فحين سمعت عائشة بذلك صرخت بأعلى صوتها وضربت عضد بعيرها فأناخته فقالت أنا والله صاحبة الحوأب ردوني ردوني تقول ذلك فأناخوا حولها وهم على ذلك وهي تأبى المسير حتى إذا كانت الساعة التي أناخت فيها من الغد جاءها عبد الله بن الزبير فقال النجاء النجاء، فقد أدرككم علي بن أبي طالب فعند ذلك رحلوا).
https://telegram.me/buratha