الدكتور فاضل حسن شريف
يستمر السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه مراسم عاشوراء عن الضرر والهلاك في النصوص والآثار قائلا: قد أمر الله سبحانه بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم، فقال: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (البقرة 57). وقال تعالى: "وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ" (النساء 66). فلو كان القتل قبيحاً ذاتاً، لم يأمرهم الله سبحانه به. وقد قال الله تعالى لنبيه: "فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ" (فاطر 8). وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً" (الكهف 6). وقال تعالى: "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (الشعراء 3) فهو صلى الله عليه وآله يعرض نفسه لأمور صعبة، تصل به إلى حد الهلاك، من أجل أناس يعلنون الحرب عليه، ويقتلون ذويه وأصحابه، ويفتكون حتى بمثل عمه حمزة، وعبيدة بن الحارث، وغيرهما ولو قدروا على قتله هو أيضاً، لاعتبروا ذلك من أعظم الأعياد عندهم. مع أن بإمكانه صلى الله عليه وآله أن لا يهتم لهذا الأمر. وهذا يشير إلى أن هذا المستوى من التعامل مع القضايا، أمر مسموح به، بل هو راجح، يستحق عليه رسول الله صلى الله عليه وآله هذه التسلية الإلهية، ولا يمكن أن يكون ما يفعله الرسول صلى الله عليه وآله من موارد لقبح العقلي، ولا هو محرم ذاتاً في أي حال من الأحوال. وبعد هذا، أفلا يحق لنا نحن أن نأسف إلى حد الموت لقتل الإمام الحسين عليه السلام، أو إلى حد إلحاق بعض الأذى والألم بأجسادنا؟
وعن مراسم عاشوراء في النصوص والآثار يقول السيد العاملي: البكاء حتى العمى: كما أن النبي يعقوب عليه السلام قد بكى على ولده يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن، وخافوا عليه من الهلاك، أو أشرف عليه: "قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ" (يوسف 85). فلو كان هذا وذاك حراماً ذاتاً، أو قبيحاً عقلاً، فلا يمكن أن يصدر من الإمام السجاد عليه السلام، أو من يعقوب النبي عليه السلام، إذ لا يتصور في حقهما، أن يخالفا الشرع، أو أن يكونا غير قادرين على إدراك قبح هذا الأمر، فإن الأنبياء، والأوصياء، هم أتم الناس عقلاً. واحتمال: أن يكون البكاء حتى العمى، جائز في شرع السابقين دون شرعنا لا يلتفت إليه، ما لم يثبت النسخ بدليل قاطع.. خصوصاً مع ذكر الله تعالى لذلك في كتابه الكريم الذي يريد به تعليمنا وهدايتنا. أن مما يدل على جواز عمل ما يوجب تلف بعض الأعضاء خصوصاً مع وجود غرض شرعي، مثل إظهار جلالة وعظمة نبي من أنبياء الله عليهم السلام، بكاء نبي الله يعقوب عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام، على ولده حتى "ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ" (يوسف 84). وعمى يعقوب أعظم خطراً من إدماء الرأس أو الظهر على الإمام الحسين الشهيد عليه الصلاة والسلام، فضلاً عن اللطم العنيف، أو غير العنيف، في مراسم العزاء. وتقدم: أن نبي الله يعقوب عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام قد بلغ به الحزن على ولده يوسف الذي فارقه، ويتوقع لإجتماع به إلى حد أن أشرف على الهلاك، حتى قال له أبناؤه: "تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ" (يوسف 85). أضف إلى ما تقدم ما رواه الصدوق، عن أبيه، عن سعد، رفعه: (أن الدمع قد خدّ خدّي يحيى بن زكريا، وأكل منهما، حتى وضعت أمه عليهما لبداً). ك: روى الصدوق، عن محمد بن إبراهيم، عن عمر بن يوسف، عن القاسم بن إبراهيم، عن محمد بن أحمد الرقي، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وآله: أن شعيب النبي عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام قد بكى حتى عمي، فرد الله عليه بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد الله بصره، ثم بكى حتى عمي، فرد الله عليه بصره.
وعن تعظيم الشعائر وإحياء أمرهم عليهم السلام يقول السيد جعفر مرتضى العاملي في كتابه مراسم عاشوراء: وبعد.. فإن يوم عاشوراء، هو من أعظم أيام الله أثراً في إحياء الدين وحفظه، وحفظ جهود الأنبياء، وهو من أجلى مصاديق شعائر الله، التي أمرنا الله سبحانه بتعظيمها: "وَمَنْ يُعَظِّمُ شَعَائِرَ الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ" (الحج 32) وإن المواكب الحسينية، ومراسم العزاء في هذا اليوم من أظهر مفردات هذا التعظيم، كما أنها من سبل إحياء أمرهم عليهم السلام، وقد أمروا عليهم السلام بهذا الإحياء. هناك أناس تحدث القرآن لنا عن سخريتهم بالأنبياء، وذكر لنا كيف أن الأنبياء قد واجهوا السخرية بمثلها، في قوله تعالى فيما حكاه عن نبيه نوح عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام: "إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ" (هود 38). إنهم يرون أن حربهم هذه، قادرة على التأثير في إسقاط إرادتنا، وإضعاف صلابتنا خصوصاً حين يتهموننا بالجهل، والخرافية، والسقوط، والتخلف، والقسوة. وأخيراً، فإن هناك من يهاجم، ويدين، وينتقد، ولكن بحسن نية، وسلامة طوية، دون أن يعرف حقيقة الأمر، ودون أن يقف على موارده ومصادره، فهو واقع تحت تأثير أعلام هؤلاء وأولئك، يظن صحة ما قالوه، فيبادر مخلصاً إلى المطالبة بتصحيح ما يراه خطأ خطيراً، أو الخروج مما يراه مأزقاً كبيراً. ماذا لو استجبنا لمطالبتهم: ولو أردنا أن نخضع لهذا الجو الضاغط، الذي يثيره الحاقدون. فإن علينا أن نتوقع: أن نطالَب ربما بالخروج عن ديننا إلى دينهم، والعياذ بالله، فإن جميع أعداء الدين والمذهب لا يرضون بما نحن عليه وقد قال تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ" (البقرة 120). ولو أردنا أن نخضع لهذه الأجواء، فإن علينا أن نلغي رجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق، والحكم بعدم جواز تزويج المطلقة ثلاث مرات إلا بعد أن تنكح زوجاً آخر، وغير ذلك من التشريعات التي يعلن العلمانيون رفضها، ويجاهرون بنقدها، ويهتمون بتسفيهها، ويتابعهم على ذلك كثير من الناس البسطاء، الذين لا حظ لهم من العلم، ويأخذون الأمور، بسلامة نية، وحسن طوية.
https://telegram.me/buratha