الدكتور فاضل حسن شريف
قبل سنة نشرت الحلقة الاولى من المقال. عندما برز علي الاكبر ابن الحسين قال الحسين عليه السلام (فقد برز اليهم غلام اشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك) قال الله تعالى عن رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في أخلاقه "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم 4)، و "واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون" (الانبياء 107) حيث يعلم الحسين عليه السلام أن هؤلاء القوم لا حسرة عليهم "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" (فاطر 8) ويتطلب معهم الصبر كما كانت أخلاق جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم "واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون" (النحل 128) وقال علي الاكبر (تا الله لا يحكم فينا ابن الدعي اضرب بالسيف احامي عن ابي). وتلا الامام عليه السلام "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ" (ال عمران 33) عندما غادر علي الاكبر الى ساحة المعركة.وصورة الملكوت اكل النار نتيجة اكل مال اليتيم ظلما. وكذلك صورة ملكوت الغيبة "وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ" (الحجرات 12). وقال الامام الحسين عليه السلام: لقد ملأت بطونكم من الحرام وهي صورة ملكوتية لرشوة بني أمية هؤلاء الذين قتلوا اصحابه واله. واول شهداء ال النبي في الطف هو الشاب علي الاكبر ابن الحسين بن علي بن ابي طالب. قال امير المؤمنين عليه السلام (و اللّه لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللّه في نملة أسلبها لما فعلت) فالمؤمن لا يظلم كما قال الله تعالى "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" (ال عمران 159). في يوم عاشوراء وضع الامام الحسين عليه السلام خده مرة على خد ابنه علي الاكبر ومرة اخرى على خد جون لا يفرق بينهما.
عن مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: ثم تقدم علي بن الحسين الأكبر عليه السلام وهو ابن عثمان عشر سنة، ويقال ابن خمس وعشرون، وكان يشبه برسول الله صلى الله عليه وآله خلقا وخلقا ونطقا وجعل يرتجز ويقول أنا علي بن الحسين بن علي * من عصبة جد أبيهم النبي نحن وبيت الله أولى بالوصي * والله لا يحكم فينا ابن الدعي أضربكم بالسيف أحمي عن أبي * أطعنكم بالرمح حتى ينثني طعن غلام هاشمي علوي فقتل سبعين مبارزا، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات فقال: يا أبة العطش، فقال الحسين: يسقيك جدك، فكر أضا عيهم وهو يقول: الحرب قد بانت لها حقائق * وظهرت من بعدها مصادق والله رب العرش لا نفارق * جموعكم أو تغمد البوارق فطعنه مرة بن منقذ العبدي على ظهره غدرا فضربوه بالسيف، فقال الحسين: على الدنيا بعدك العفا، وضمه إلى صدره وأتى به إلى باب الفسطاط، فصارت أمه شهربانويه وهي تنظر إليه ولا تتكلم، فبقي الحسين وحيدا وفي حجره علي الأصغر فرمي إليه بسهم فأصاب حلقه، فجعل الحسين يأخذ الدم من نحره فيرميه إلى السماء فما يرجع منه شئ، ويقول: لا يكون أهون عليك من فصيل (ناقة صالح)، ثم قال: ائتوني بثوب لا يرغب فيه ألبسه غير ثيابي لا أجرد فاني مقتول مسلوب، فأتوه بتبان فأبى أن يلبسه وقال: هذا لباس أهل الذمة، ثم أتوه بشئ أوسع منه دون السراويل وفوق التبان فلبسه، ثم ودع النساء وكانت سكينة تصيح فضمها إلى صدره وقال: سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي * منك البكاء إذا الحمام دهاني لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة * ما دام مني الروح في جثماني وإذا قتلت فأنت أولى بالذي * تأتينه يا خيرة النسوان ثم برز عليه السلام فقال: يا أهل الكوفة قبحا لكم وترحا، وبؤسا لكم وتعسا، حين استصرختمونا ولهين، فأتيناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفا كان في أيماننا، وحششتم لأعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم، ولا ذنب كان منا إليكم، فهلا لكم الويلات إذ كرهتمونا، تركتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لما يستحصد، لكنكم أسرعتم إلى بيعتنا كسرع الدبا، وتهافتم إليها كتهافت الفراش، ثم نقضتموها سفها وضلة، وفتكا لطواغيت الأمة، وبقية الأحزاب، ونبذة الكتاب، ثم أنتم تتخاذلون عنا وتقتلونا، ألا لعنة الله على الظالمين.
جاء في کتاب مقتل الحسين عليه السلام للسيد عبد الرزاق المقرم عن مقتل علي الأكبر: ولم يزل الغلام علي الأكبر يحمل على المَيمنة ويعيدها على المَيسرة ويغوص في الأوساط، فلَم يقابله جحفل إلاّ ردّه ، ولا برز إليه شجاع إلاّ قتله: يرمي الكتائب والفلا غصَّت بها * في مثلها من بأسه المتوقِّد فيردّها قسراً على أعقابها * في بأس عرّيس العرينة ملبد. فقتل مئة وعشرين فارساً. وقد اشتدّ به العطش فرجع إلى أبيه يستريح ويذكر ما أجهده من العطش فبكى الحسين عليه السلام وقال: (وآ غوثاه ما أسرع الملتقى بجدّك فيسقيك بكأسه شربةً لا تظمأ بعدها) وأخذ لسانه فمصّه ودفع إليه خاتمه ليضعه في فيه. ويؤوب للتوديع وهو مكابد * لظما الفؤاد وللحديد المجهد صادي الحشا وحسامه ريّان من * ماء الطلا وغليله لم يبرد يشكو لخير أب ظماه وما اشتكي * ظمأ الحشا إلا إلى الظامي الصدي كل حشاشته كصالية الغضا * ولسانه ظمأ كشقة مبرد فانصاع يؤثره عليه بريقه * لو كان ثَمّة ريقه لم يجمد وَمُذ انثنى يلقى الكريهة باسماً * والموت منه بمسمع وبمشهد لفَّ الوغى وأجالها جول الرحى * بمثقَّف من بأسه ومهنَّد يلقى ذوابلها بذابل معطف * ويشيم أنصلها بجيد أجيد * حتى إذا ما غاص في اوساطهم * بمطهَّم قبَّ الاياطل اجرد عثر الزمان به فغودر جسمه * نهب القواضب والقنا المتقصّد.
https://telegram.me/buratha