الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب العباس بن على عليهما السلام للسيد محمد تقي المدرسي عن جزاء الصابرين المحسنين: كان أبو الفضل، وكذلك يعطي الله سبحانه عباده الصالحين الذين يخلصون العمل له، يعطي لهم أجرا جزيلا وفضلا كبيرا، وقد قال تعالى: "انه من يتق ويصبر فان الله لا يضيع اجر المحسنين" (يوسف 90)، وقال سبحانه: "سلام على ابراهيم كذلك نجزي المحسنين" (الصافت 110) فاذا اخلد الله ذكر الانبياء، وجعل السلام عليهم في العالمين، لانهم كانوا محسنين، ولانه لا يضيع أجر المحسنين فلم تستغرب اذا أكرم أبا الفضل العباس على موقفه العظيم. عندما جعل أمنيته سقاية أهل بيت الرسالة، ولم يبال بقطع يمينه في سبيل الله، بل قال وبكل صراحه: والله ان قطعتم يميني * اني احامي أبدا عن ديني * وعن امام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين.
وعن النشأة الهادفة يقول السيد المدرسي الربانيون من عباد الله يتميزون بانهم لا يمارسون نشاطا، إلا ابتغاء مرضاة ربهم. قال الله سبحانه: "قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" (الانعام 162) حركات عباد الله الربانيين تتجه الى قبلة واحدة، هي رضوان الرب، وهكذا تجدهم إذا تزوجوا او ابتغوا ذرية فلغاية ربانية. فمثلا أمرأة عمران تنذر ما في بطنها محررا لله سبحانه، فيتقبل الله سبحانه مريم بقبول حسن، وينبتها نباتا حسنا، ويكفلها زكريا. وكانت تلك الدعوة ذات أثر بالغ على مستقبل جنينها، فاذا بها تلد مريم، التي جعلها الله تعالى وابنها المسيح عليه السلام آية للعالمين. وكان الهدف الأسمى للامام علي عليه السلام من زواجه من فاطمة بنت حزام الكلابية أم العباس ان يرزقه الله منها ولدا ينصر نجله الحسين عليه السلام في كربلاء. تقول الرواية التأريخية، لقد قال الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام لاخيه عقيل وكان عالما بالانساب: (انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا).
وعن النصوص التي تشيد بالعباس يقول السيد محمد تقي المدرسي في كتابه: تقرأ في زيارة أبي الفضل العباس عليه السلام اول ما ندخل في رحاب ضريحه: (سلام الله، وسلام ملائكته المقربين، وانبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصديقين، والزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين) ان نهج العباس عليه السلام كان نهج الانبياء والصديقين والصالحين عبر التاريخ، بل جاء العباس عليه السلام كما جاءت ملحمة الشهادة في كربلاء لترسيخ اصول هذا النهج الالهي، فاستحق سلام الانبياء والربانيين جميعا. فبالشهادة، وبتلك الدماء الزاكيات. حفظ الله سبحانه مواريث الانبياء من الضياع في زحمة أساطير الطغاة، وهكذا كان الامام الحسين عليه السلام وريث الانبياء جميعا. وعلينا ان نعي أبدا هذه الحقيقة؛ ان الايمان لا يتجزأ. فلا يمكن ان يؤمن أحد بنبي دون آخر، او بوصي دون الثاني، او يفرق بين أحد منهم. كلا إنه نهج واحد لا يختلف، ولا يشذ بعضه عن بعض في شيء. وهكذا سلام الارواح الزاكيات الطيبات فيما تغتدي وتروح على العباس، كما سلام الانبياء والملائكة والصالحين. بعد هذا السلام الطاهر الطيب تقول الزيارة: (أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء) انها كلمات تعبر عن الصفات المثلى لأبي الفضل؛ التسليم وهي قمة الصفات. فالتسليم مثلا اعظم درجة ينالها البشر في مدارج الايمان، حيث نتلو في القرآن الكريم ان النبي ابراهيم عليه السلام سأل ربه في أواخر ايام حياته ان يجعله الله وابنه اسماعيل من المسلمين، حيث قال: "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم" (البقرة 128). ولقد بلغ العباس عليه السلام درجة التسليم، ونحن نشهد له بذلك. اما التصديق والوفاء فهما تجليات التسليم في حياته، فمن سلم لله تعالى لابد ان يصدق بولي الله، وان يدافع عنه ويصبر ويفي بعهده معه.
ويستمر السيد المدرسي عن ذكر زيارة العباس عليه السلام قائلا و تضيف الزيارة: (مقتديا بالصالحين، ومتبعا للنبيين. فجمع الله بيننا وبينك وبين رسوله واوليائه في منازل المخبتين، فإنه ارحم الراحمين) ونعلم ان المخبتين لهم المنزلة السامية، والدرجة الرفيعة. وحينما يدعو الامام الصادق عليه السلام في زيارته لعمه ان يرزقه الله منازل المخبتين، فإن ذلك يعني دعوة تتناسب مع مقام أبي الفضل العباس عليه السلام. ذلك المقام الأسمى، وهو مقام الاخبات. ويبدو ان الاخبات من درجات الايمان والتسليم العالية، حيث قال سبحانه: "وليعلم الذين أوتوا العلم انه الحق من ربهم فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم" (الحج 54) وقال سبحانه: "فالهكم إله واحد فله اسلموا وبشر المخبتين" (الحج 34) وهكذا جاءت صفة الاخبات بعد صفة الايمان وصفة التسليم.
https://telegram.me/buratha