الصفحة الإسلامية

الحسين وآله وأصحابه مع القرآن الكريم (ح 2)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الإمام السجاد عليه السلام لعمه العباس عليه السلام (رحم اللّه عمّي العبّاس بن علي، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه حتّى قُطعت يداه، فأبدله اللّه عزّوجلّ جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، إنّ للعبّاس عند اللّه تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة). فهو المقاتل في سبيل اعلاء كلمة الله وطمس كلمة الظالمين كما قال الله تعالى "وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا" (التوبة 40) و "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ" (البقرة 190). استشهد الامام الحسن عليه السلام "وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ" (ال عمران 169) وعمر ابنه القاسم ثلاث سنوات فأصبح يتيم الأب "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ" (الضحى 9) فتكفل بتربيته عمه الحسين عليه السلام وهذا شأن أصفياء الله من قبل "هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ" (طه 40)، و "هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ" (القصص 12) فأحسن تربيته، فكيف لا فان هؤلاء رباهم الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال (أدبني ربي فأحسن تأديبي). عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل مروان بن الحكم المدينة، قال: فستلقى على السرير وثم مولى الحسين عليه السلام فقال: "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" (الانعام 62) .قال: فقال الحسين لمولاه: ماذا قال حين دخل. قال: إستلقى على السرير فقرأ : "رُدُّوا إِلَى اللَّهِ موليهم الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" (الانعام 62).قال: فقال الحسين عليه السلام: نعم، والله رُدِدت أنا وأصحابي الى الجنة، وردّ هو اي مروان وأصحابه الى النار. وعندما دنا الجيش من معسكر الإمام، دعا الإمام براحلته فركبها، ونادى بأعلى صوته: (أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم "فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ" (يونس 71)، ثم قرأ عليه السلام قوله تبارك وتعالى "إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِين" (الاعراف 196).

ومن معاجز الحسين عليه السلام ان رأسه الشريف قد نطق. أخرج بن عساكر عن المنهال بن عمرو أنه قال: (أنا والله رأيت رأس الحسين بن علي حين حمل وانا بدمشق وبين يدي الرأس رجل يقرأ سورة الكهف حتى بلغ قوله تعالى: "أَم حَسِبتَ أَنَّ أَصحَابَ الكَهفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِن آيَاتِنَا عَجَبًا" (الكهف 9)، قال فانطق الله الرأس بلسان ذرب، فقال أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي). ويقولُ الفاضلُ الدربنديّ في أسرار الشهادة عن مسلمة بن كهيل قال: رأيتُ رأس الحسين عليه‌ السلام على قناةٍ وهو يقرأ: "فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" (البقرة 137). ورَوَى أَبُو مِخْنَفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ صُلِبَ رَأْسُ الْحُسَيْنِ عليه السّلام بِالصَّيَارِفِ فِي الْكُوفَةِ، فَتَنَحْنَحَ الرَّأْسُ وَقَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ إِلَى قَوْلِهِ: "إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى" (الكهف 13)، فَلَمْ يَزِدْهُمْ ذَلِكَ إِلَّا ضَلَالًا. وَفِي أَثَرٍ أَنَّهُمْ لَمَّا صَلَبُوا رَأْسَهُ عَلَى الشَّجَرِ سُمِعَ مِنْهُ: "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ" (الشعراء 227)، وَسُمِعَ أَيْضاً صَوْتُهُ فِي دِمَشْقَ يَقُولُ: لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. وَسُمِعَ أَيْضاً وَهُوَ يَقْرَأُ: "أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا" (الكهف 9)، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: أَمْرُكَ أَعْجَبُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ. وإلى ذلك قال الشاعر: لهْفِي لرأسِكَ فوقَ مَسلوبِ القَنا يَكسُوهُ مِنْ أنوارِهِ جِلْبابا يتلُو الكِتابَ عَلى السِّنانِ وَإنَّما رَفَعُوا بهِ فوقَ السِّنان كِتابا.

قال آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره في كتابه فاجعة الطف عن خروج الامام الحسين عليه السلام: يجب بقاء الدين الحق واضح المعالم ظاهر الحجة: وحيث كان المشرع للدين هو الله عز وجل الحكيم الأكمل، ذو العلم المطلق، المحيط بكل شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فمن الطبيعي أن يكون الدين الذي يشرعه في فترة زمنية معينة، ويفرض على عباده الالتزام به في تلك الفترة، واجداً تشريعياً لمقومات بقائه واضح المعالم مسموع الدعوة ظاهر الحجة "لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ" (الانفال 42)، بحيث يكون الخروج عنه خروجاً بعد البيان والحجة، كما قال عز من قائل: "وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ" (التوبة 115)، لئلا يقولوا: "رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى" (طه 134).

تكملة للحلقة السابقة جاء عن مؤسسة وارث الانبياء للدراسات التخصصية في النهضة الحسينية (تجلّي آيات من القرآن الكريم في سيرة الإمام الحسين عليه السلام) للكاتب علي كريم: الآيات الدالة على التمسّك بالعهد والميثاق: توجد هنا نقطتان جديرتان بالالتفات والتأمّل: الأُولى: لم يكن الثبات والتمسّك بالعهد أمراً بعيداً عن التوقّع بالنسبة لشخصية كشخصية الإمام الحسين عليه السلام، فهو الذي تربّى على يدي النبي صلّى الله عليه وآله الذي تمكّن بسيرته أن يعلّم الآخرين درس الوفاء، ذلك النبيّ الذي لم يتخلَّ عن عهوده ومواثيقه وهو يتعامل مع الكفار، حتّى وإن كانت تعود عليه بالضرر. يقول تعالى: "فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ" (التوبة 4). الثانية: يمثّل مدح الإمام عليه السلام لأصحابه في الواقع مدحَ القرآن لـمَن يتحلّون بصفة الوفاء بالعهد في قوله تعالى: "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِر" (الاحزاب 23)، وفي المقابل يمثّل الأشخاص الذين لعنهم الإمام عليه السلام لنقضهم العهد ذات الأشخاص الذين استحقوا اللعن في القرآن الكريم للسبب ذاته؛ إذ يقول تعالى: "وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ" (الرعد 25). ثالثاً: الآيات الدالة على الكرم والسخاء: يُعدّ الجود والسخاء من الفضائل الإنسانية التي أثنى عليها القرآن الكريم؛ إذ يقول تعالى في سورة الإنسان: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا" (الانسان 9-13).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك