الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن الحرق ومشتقاته "قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا" ﴿طه 97﴾، و "ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ" ﴿الحج 9﴾، و "كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ" ﴿الحج 22﴾، و "إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ" ﴿البروج 10﴾.
في الدر المنثور عن السدي: في قوله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ" (البقرة 204)، انها نزلت في الاخنس بن شريق الثقفي حليف لبني زهرة، أقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وقال: جئت أريد الاسلام ويعلم الله اني لصادق فأعجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك منه فذلك قوله تعالى: "وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ" (البقرة 204)، ثم خرج من عند النبي فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فأحرق الزرع وعقر الحمر فأنزل الله: "وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا" (البقرة 205). حمر جمع حمار.
جاء في التفسير الوسيط للمؤلف محمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ" (البروج 4) جواب القسم بتقدير اللام وقد. أى: وحق السماء ذات البروج، وحق اليوم الموعود، وحق الشاهد والمشهود، لقد قتل ولعن أصحاب الأخدود، وطردوا من رحمة الله بسبب كفرهم وبغيهم. والأخدود: وهو الحفرة العظيمة المستطيلة في الأرض، كالخندق، وجمعه أخاديد، ومنه الخد لمجارى الدمع، والمخدة: لأن الخد يوضع عليها. ويقال: تخدد وجه الرجل، إذا صارت فيه التجاعيد. ومنه قول الشاعر: ووجه كأن الشمس ألقت رداءها عليه، نقى اللون لم يتخدد. وقيل: إن جواب القسم محذوف، دل عليه قوله تعالى: "قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ" (البروج 4) كأنه قيل: أقسم بهذه الأشياء إن كفار مكة لملعونون كما لعن أصحاب الأخدود. وأصحاب الأخدود: هم قوم من الكفار السابقين، حفروا حفرا مستطيلة في الأرض، ثم أضرموها بالنار، ثم ألقوا فيها المؤمنين، الذين خالفوهم في كفرهم، وأبوا إلا إخلاص العبادة لله تعالى وحده. وقوله سبحانه: "النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ" (البروج 5) بدل اشتمال مما قبله وهو الأخدود. والوقود: اسم لما توقد به النار كالحطب ونحوه. وذات الوقود: صفة للنار. أى: قتل وطرد من رحمة الله أصحاب الأخدود، الذين أشعلوا فيه النيران ذات اللهب الشديد، لكي يلقوا المؤمنين فيها. والظرف في قوله تعالى "إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ" (البروج 6) متعلق بقوله تعالى: "قُتِلَ" (البروج 4). أى: لعنوا وطردوا من رحمة الله، حين قعدوا على الأخدود، ليشرفوا على من يعذبونهم من المؤمنين. فالضمير "هم" يعود على أولئك الطغاة الذين كانوا يعذبون المؤمنين ويجلسون على حافات الأخدود ليروهم وهم يحرقون بالنار، أو ليأمروا أتباعهم وزبانيتهم بالجد في التعذيب حتى لا يتهاونوا في ذلك.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: هنالك لونان من العذاب الإلهي، عَذابُ جَهَنَّمَ و عَذابُ الْحَرِيقِ، للإشارة إلى أن لعذاب جهنم ألوان عديدة، منها (عذاب النّار)، و تعيين "عَذابُ الْحَرِيقِ" للإشارة أيضا إلى أن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات و أحرقوهم بالنّار، سوف يجازون بذات أساليبهم، و لكن، أين هذه النّار من تلك؟ فنار جهنم قد سجّرت بغضب اللّه، و هي نار خالدة و يصاحب داخليها الذلّ و الهوان، أمّا نار الدنيا، فقد أوقدها الإنسان الضعيف، و دخلها المؤمنون بعزّة و إباء و شرف ملتحقين بصفوف شهداء رسالة السماء الحقة. و قيل: "إنّ عَذابُ جَهَنَّمَ" جزاء كفرهم، و عَذابُ الْحَرِيقِ جزاء ما اقترفوا بحق المؤمنين الأخيار من جريمة بشعة.
يقول الدكتور محمد حسين الصغير رحمه الله في كتابه نظرات معاصرة في القرآن الكريم متحدثا عن ابراهيم عليه السلام قائلا: وسقط في أيديهم ، وألزمهم الحجة، وأحرجهم بداهة، فلا نطق ولا جواب ولا تفكير للأصنام، ولجأوا إلى منطق القوة والجبروت والطغيان "قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ (70) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (71)" (الانبياء 68-71)، وغادر إبراهيم العراق إلى فلسطين، وبلي هناك بالهجرة إلى مصر، وأخرى إلى حيث وضع ولده وزوجته عند بيت الله الحرام ، وهنا فوجىء بالامتحان القاسي بذبح ولده وهو اسماعيل في أشهر الروايات على سبيل الايحاء الالهي في المنام "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ.
https://telegram.me/buratha