الدكتور فاضل حسن شريف
عن كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ويتعرض القرآن لذكر الانبياء فيصفهم بكل جميل ينبغي أن يوصفوا به، وينسب إليهم كل مأثرة كريمة تلازم قداسة النبوة، ونزاهة السفارة الالهية، من النماذج في تنزيه الانبياء وتقديسهم، وإظهارهم على حقيقتهم من القداسة والنزاهة وجميل الذكر "وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " (الانعام 84-87).
جاء في موقع الابدال عن التفسير عند السيد الخوئي للسيد ياسين الموسوي: معنى "الرِّجْسَ": أما لغة فقد نقل السيد الخوئي بعض ما ذكره علماء اللغة واستفاد منه: (رجس أي: خبيث، وفي مفردات الراغب: الرجس الشيء القذر. يقال: رجل رجس ورجال أرجاس، والرجس على أربعة أوجه: إما من حيث الطبع، وإما من جهة العقل، وإما من جهة الشرع، وإما من كل ذلك. وفي القاموس: الرجس بالكسر القذر، والمأثم، وكل ما استقذر من العمل، والعمل المؤدي إلى العذاب. وفي المنجد: رجس رجاسة عمل عملاً قبيحاً). أما ما يستفيده السيد الخوئي من المعنى اللغوي ومن سياق الآيات القرآنية فقد قال: (الرجس ليس معناه هو النجس وإنّما معناه الخبيث والدني المعبّر عنه في الفارسية بـپليد لصحة إطلاقه على الأفعال الدنيئة. فإنّ الميسر من الأفعال ولا معنى لنجاسة الفعل). وقال في موضع آخر: (إنّ الرجس في الآية لا يراد منه القذارة الظاهرية لكي ينازع في اختصاصه بالأعيان النجسة، أو شموله الأعيان المتنجسة أيضاً. بل المراد منه القذارة المعنوية: أي الحسية الموجودة في الأمور المذكورة في الآية، سواء كانت قدرة بالقذارة الحسية أيضاً أم لم تكن، والذي يدل على ذلك من الآية إطلاق الرجس على الميسر والأنصاب والأزلام، فإنّ من البديهي أنّ قذارة هذه الأشياء ليست ظاهرية، ولا شبهة في صحة إطلاق الرجس في اللغة على ما يشمل القذارة الباطنية أيضاً، وعليه فالآية إنّما تدل على وجوب الاجتناب عن كل قذر بالقذارة الباطنية التي يعبر عنها في لغة الفُرس بلفظ پليد فتكون المتنجسات خارجة عنها جزماً. إنّ الرجس قد يطلق على مطلق القبائح والمعاصي، وقد عرفت ذلك في الهامش من القاموس وغيره). وهذا ما ذكره مختصراً صاحب الميزان رحمه الله بقوله: والرجس بالكسر فالسكون صفة من الرجاسة وهي القذارة، والقذارة هيئة في الشيء توجب التجنب والتنفر منها، وتكون بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير، قال تعالى: "أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنّهُ رِجْسٌ" (الانعام 154)، وبحسب باطنه -وهو الرجاسة والقذارة المعنوية كالشرك والكفر وأثر العمل السيء.
جاء في كتاب البيان في تفسير القرآن للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: أن المشركين إنما يريدون الاتيان بما اقترحوه من الآيات: أنهم لو أرادوا من النبي أن يأتي بآية ما ، تدل على صدقه لاجابهم على الاقل بالاتيان بالقرآن الذي تحدى به في كثير من مواضعه. نعم يظهر من الآيات المتقدمة التي استدل بها الخصم ، ومما يشبهها من الآيات أمران: 1 ـ إن تحدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعامة البشر إنما كان بالقرآن خاصة من بين سائر معجزاته. وقد أوضحنا فيما سبق أن الامر لا بد وأن يكون كذلك، لان النبوة الابدية العامة تستدعي معجزة خالدة عامة، وهي منحصرة بالقرآن، وليس في سائر معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم ما يتصور له البقاء والاستمرار. 2 ـ إن الاتيان بالمعجزة ليس اختياريا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما هو رسول يتبع في ذلك اذن الله تعالى، ولا دخل لاقتراح المقترحين في شيء من ذلك. وهذا المعنى ثابت لجميع الانبياء. ثانيا: ان في القرآن أيضا آيات دالة على صدور الآيات من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. منها قوله تعالى: "وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ" (الانعام 124). ويدلنا على أن المراد من الآية هنا هي المعجزة. إن للقرآن في أنظمته وتعاليمه مسلكا يتمشى مع البراهين الواضحة، وحكم العقل السليم، فقد سلك سبيل العدل، وتجنب عن طرفي الافراط والتفريط. وقد أمر القرآن بالعدل وسلوك الجادة الوسطى في كثير من آياته. فقال: "وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى" (الانعام 152). نعم قد أمر القرآن بالعدل، وسلك في تعاليمه مسلك الاستقامة، فنهى عن الشح في عدة مواضع، وعرف الناس مفاسده وعواقبه. بينما قد نهى عن الاسراف والتبذي ر ودل الناس على مفاسدهما: "وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ" (الانعام 141).
https://telegram.me/buratha