الدكتور فاضل حسن شريف
هنالك تفاسير مختلفة عن الشجرة الملعونة المذكورة في القرآن الكريم كما أوردنا عنها في حلقة سابقة من هذه السلسلة ونستمر في ايراد تفاسير أخرى للوصول الى مفهوم هذه الشجرة الملعونة فجاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ" (الاسراء 60) ولا يدرى ما هذه الشجرة الملعونة في القرآن التي جعلها فتنة للناس، ولا توجد في القرآن شجرة يذكرها الله ثم يلعنها نعم ذكر سبحانه شجرة الزقوم ووصفها بأنها فتنة كما في قوله "أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ" (الصافات 63) لكنه سبحانه لم يلعنها في شيء من المواضع التي ذكرها، ولو كان مجرد كونها شجرة تخرج في أصل الجحيم وسببا من أسباب عذاب الظالمين موجبا للعنها لكانت النار وكل ما أعد الله فيها للعذاب ملعونة ولكانت ملائكة العذاب وهم الذين قال تعالى فيهم "وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا" (المدثر 31) ملعونين وقد أثنى الله عليهم ذاك الثناء البالغ في قوله "عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ" (التحريم 6) وقد عد سبحانه أيدي المؤمنين من أسباب عذاب الكفار إذ قال "قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ" (التوبة 14) وليست بملعونة. وبهذا يتأيد أنه لم يكن المراد بالآية الكشف عن قناع الفقرتين وإيضاح قصة الرؤيا والشجرة الملعونة في القرآن المجعولتين فتنة للناس بل إنما أريدت الإشارة إلى إجمالهما والتذكير بما يقتضيانه بحكم السياق. نعم ربما يلوح السياق إلى بعض شأن الأمرين: الرؤيا والشجرة الملعونة فإن الآيات السابقة كانت تصف الناس أن أخراهم كأولاهم وذيلهم كصدرهم في عدم الاعتناء بآيات الله سبحانه وتكذيبها، وأن المجتمعات الإنسانية ذائقون عذاب الله قرية بعد قرية وجيلا بعد جيل بإهلاك أو بعذاب مخوف دون ذلك ، والآيات اللاحقة "وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ" (البقرة 34) إلخ المشتملة على قصة إبليس وعجيب تسلطه على إغواء بني آدم تجري على سياق الآيات السابقة. وبذلك يظهر أن الرؤيا والشجرة المشار إليهما في الآية أمران سيظهران على الناس أو هما ظاهران يفتتن بهما الناس فيشيع بهما فيهم الفساد ويتعرق فيهم الطغيان والاستكبار وذيل الآية "وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً" (الاسراء 60) يشير إلى ذلك ويؤيده بل وصدر الآية "وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ" (الاسراء 60). أضف إلى ذلك أنه تعالى وصف هذه الشجرة التي ذكرها بأنها ملعونة في القرآن، وبذلك يظهر أن القرآن مشتمل على لعنها وأن لعنها بين اللعنات الموجودة في القرآن كما هو ظاهر قوله "وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ" (الاسراء 60) وقد لعن في القرآن إبليس ولعن فيه اليهود ولعن فيه المشركون ولعن فيه المنافقون ولعن فيه أناس بعناوين أخر كالذين يموتون وهم كفار والذين يكتمون ما أنزل الله والذين يؤذون الله ورسوله إلى غير ذلك. وقد جعل الموصوف بهذه اللعنة شجرة، والشجرة كما تطلق على ذي الساق من النبات كذلك تستعمل في الأصل الذي تطلع منه وتنشأ عليه فروع بالنسب أو بالاتباع على أصل اعتقادي، قال في لسان العرب، ويقال: فلان من شجرة مباركة أي من أصل مبارك. انتهى. وقد ورد ذلك في لسانه صلى الله عليه وآله كثيرا كقوله: أنا وعلي من شجرة واحدة، ومن هذا الباب قوله في حديث العباس: عم الرجل صنو أبيه.
ومن الأشخاص الذين يلعنون العلماء الذين لديهم الحقيقة ويكتمونها أي لا يظهوروها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَ الْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" (البقرة 159) فاللّه سبحانه و عباده الصالحون و ملائكته المقربون يلعنون من يكتم الحق، و بعبارة اخرى، كل أنصار الحق يغضبون على من كتم الحق. و أية خيانة للعالم أكبر من محاولة العلماء كتمان آيات اللّه المودعة عندهم من أجل مصالحهم الشخصية و لتضليل النّاس. و الفعل (يلعن) تكرر في الآية للتأكيد، و استعمل بصيغة المضارع لبيان استمرار اللعن، و من هنا فإنّ لعنة اللّه و لعنة اللاعنين تلاحق هؤلاء الكاتمين لآيات اللّه باستمرار، و ذلك أقسى صور العقاب. "البينات" و "الهدى" لهما معنى واسع يشمل كل وسائل الهداية و التوعية و الإيقاظ و إنقاذ النّاس. قوله تعالى "يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً" (العنكبوت 25) هو أنّهم يتبرأ بعضهم من بعض في ذلك اليوم، و ما كان أساسا لعلاقة المودة الكاذبة في الدنيا يكون مدعاة للعداوة و البغضاء في الآخرة .. كما يعبّر القرآن عن ذلك في الآية (67) من سورة الزخرف فيقول: "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ" (الزخرف 67). و يستفاد من بعض الرّوايات أنّ هذا الحكم غير مختص بعبدة أوثان، بل هو لجميع أولئك الذين اختاروا (إماما باطلا) لأنفسهم، فاتبعوه و تعاهدوا معه على المودة، ففي يوم القيامة يكونون أعداء فيما بينهم، و يتبرأ بعضهم من بعض و يلعن بعضهم بعضا. في حين أنّ علاقة المحبّة بين المؤمنين قائمة على أساس التوحيد و عبادة اللّه و إطاعة أمر الحق في هذه الدنيا و هذه العلاقة سيكتب لها الدوام، و في الآخرة تكون أكثر تماسكا حين إنّه يستفاد من بعض الروايات أنّ المؤمنين يستغفر بعضهم لبعض و يتشفع بعضهم لبعض في يوم القيامة في وقت يتبرأ فيه المشركون بعضهم من بعض و يلعن بعضهم بعضا.
ان آية المباهلة فيها مصطلحات قرآنية لها علاقة مع بعضها البعض مثل نبتهل ولعنة والكاذبين فقد جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (بهل) "نبتهل" (ال عمران 61) أي نلتعن أي ندعوا الله على الظالمين، يقال: بهله الله، وبهله: لعنه، والابتهال في الدعاء الاجتهاد.
ان عدم اللعن المطلق ينافي كتاب الله المنزل والأحاديث والروايات فقد جاء في كتاب جامع السعادات للمؤلف محمد مهدي النراقي عن اللعن: والحق جواز اللعن على شخص معين علم اتصافه بصفة الكفر أو الظلم أو الفسق وما قيل من عدم جواز ذلك إلا على من يثبت لعنه من الشرع كفرعون و أبي جهل لأن كل شخص معين كان على إحدى الصفات الثلاثة ربما رجع عنها، فيموت مسلما أو تائبا، فيكون مقربا عند اللَّه لا مبعدا عنه (كلام ينبغي) أن يطوى و لا يروى، إذا المستفاد من كلام اللَّه تعالى و كلام رسوله صلى اللَّه عليه و آله و سلم و كلام أئمتنا الراشدين: جواز نسبته إلى الشخص المعين، بل المستفاد منها أن اللعن على بعض أهل الجحود و العناد من أحب العبادات و أقرب القربات، قال اللَّه سبحانه: "أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (البقرة 161) و قال: "أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" (البقرة 159).
https://telegram.me/buratha