الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في معاني القرآن الكريم: بهل أصل البهل: كون الشيء غير مراعى، والباهل: البعير المخلى عن قيده أو عن سمة، أو المخلى ضرعها عن صرار. قالت امرأة: أتيتك باهلا غير ذات صرار (انظر: المجمل 1/138. وقائلة هذا امرأة دريد بن الصمة لما أراد طلاقها. انظر اللسان: بهل)، أي: أبحث لك جميع ما كنت أملكه لم أستأثر بشيء من دونه، وأبهلت فلانا: خليته وإرادته، تشبيها بالبعير الباهل. والبهل والابتهال في الدعاء: الاسترسال فيه والتضرع، نحو قوله عز وجل: "ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" ﴿آل عمران 61﴾، ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أن الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن.
أماكن الريبة على المؤمن اجتنابها حتى لا يكون موضع لعنة الله كما جاء في كتاب مرشد المغترب للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: الردع العملي لبعض الأفراد منكم الذين قد تسول لهم أنفسهم التورط فيها والخوض في مستنقعاته، فإنهم إذا رأوا إخوانهم يتعففون عنه، ويستنكرونها يكون ذلك أدعى لهم إلى مجانبته، فتكونون بذلك قد أمرتم بالمعروف وأنكرتم المنكر، وهما من فرائض الإسلام الكبرى. على أن مواضع معصية الله تعالى وانتهاك حرماته، حَرية بغضبه ولعنته، وقد تنزل اللعنة والنقمة عليها فتعم من فيها ولو من غير أهله. قال الله تعالى: "وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (الانعام 68). وفي حديث عبدالله بن صالـح عن الإمام الصادق عليه السلام: (قال: لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره). وفي صحيح عبدالله بن ميمون القداح عنه عليه السلام: (قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يقوم مكان ريبة).
يتضح أن اللعن يحصل عند تكرار العمل واستمراره الذي يغضب الله تعالى كما جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ" (المائدة 78) إلى آخر الآيتين إخبار بأن الكافرين منهم ملعونون بلسان أنبيائهم، وفيه تعريض لهؤلاء الذين كفرهم الله في هذه الآيات من اليهود ملعونين بدعوة أنبيائهم أنفسهم، وذلك بسبب عصيانهم لأنبيائهم، وهم كانوا مستمرين على الاعتداء وقوله "كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ" (المائدة 79) إلخ بيان لقوله "وَكانُوا يَعْتَدُونَ" (المائدة 78).
وكما جاء في القرآن الكريم عن لعن الأموات الذين يستحقون اللعن فعن داود الرقي قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام اذ استسقى الماء، فلما شربه رأيته قد استعبر واغرورقت عيناه بدموعه ثم قال لي: ياداود لعن الله قاتل الحسين عليه السلام اني ماشربت ماءً بارداً الا ذكرت الحسين عليه السلام، ومامن عبد شرب الماء فذكر الحسين عليه السلام وأهل بيته ولعن قاتله الا كتب الله عز وجل له مائة ألف حسنة وحط عنه مائة ألف سيئة ورفع له مائة ألف درجة، وكأنما أعتق مائة ألف نسمة، وحشره الله يوم القيامة معه ثلج الفؤاد.
هنالك مصطلحات قرآنية ولغوية يصعب التمييز بينها ولكنها في حقيقتها تختلف عن بعضها البعض وخاصة في اعتبار اتيانها حلالا أو حراما مثل السباب واللعن والشتم فعن ظاهرة السباب واللعن في التراث الإسلامي لسماحة السيد منير الخباز: منشأ ظاهرة السباب واللعن: الإنسان في حالات الغضب والانفعال يتسم بظاهرة السباب، أو بظاهرة اللعن، يسب الطرف الآخر المخالف له أو يلعنه أو يتبرأ منه، فما هو منشأ ظاهرة السباب واللعن؟ الله تبارك وتعالى عندما خلق الإنسان، أودع فيه غريزةً تسمّى بغريزة حب الذات، الإنسان طُبِعَ ووُلِد وهو يحب ذاته، الإنسان بطبعه وبفطرته يحب ذاته، وغريزة حب الذات غريزة مسيطرة على تصرفات الإنسان، وعلى حركات الإنسان. غريزة حب الذات يتفرّع عنها غريزتان: الغريزة الأولى: غريزة جلب اللذة، والغريزة الثانية: غريزة دفع الألم. هذا ما يقرّره علماء النفس والفلاسفة المسلمون. غريزة جلب اللذة تسمى في الفلسفة بالقوة الشهوية، وغريزة دفع الألم تسمى في الفلسفة بالقوة السبعية، التعبيرات مختلفة بين اصطلاح علم النفس وبين اصطلاح الفلاسفة، الفلاسفة يقولون: عندنا الإنسان قوتان: قوة شهوية، وهي القوة التي تحث الإنسان على أن يجلب اللذة لنفسه، القوة التي تحث الإنسان على أن يستمع الموسيقى، على أن يشبع شهوته الجنسية، على أن يشبه شهوته نحو الطعام والشراب، هذه الغريزة غريزة جلب اللذة تسمى بالقوة الشهوية. وغريزة دفع الألم تسمى عند الفلاسفة بالقوة الغضبية، أو بالقوة السبعية، الإنسان إذا تعرض إلى ما يغضبه يثأر لنفسه، كما ورد في الحديث: (من أُغْضِب فلم يغضب فهو حمار)، الإنسان الذي ليس عنده غريزة سبعية، ليست عنده غريزة دفع الألم، حيوان المائز بين الإنسان والحيوان أن الإنسان لديه غريزة دفع الألم، يثأر لنفسه، يثأر لكرامته، يغضب لنفسه إذا أُغْضِب أو جُرِح. إذن، غريزة حب الذات غريزة أساسية في الإنسان، الإنسان يحب ذاته، لماذا يتزوج؟ لأن الزواج يغذي ذاته، لأنه يحب ذاته تحب المرأة، لأن المرأة تشبع ذاته، ولأنه يحب ذاته يحب أولاده لأن أولاده امتداد لذاته، الإنسان حتى حبه لزوجته هو متفرع على حبه لذاته، حتى حبه لأولاده هو متفرع على حبه لذاته، حبه للأموال، حبه للثروة، حبه للجاه والمنصب، كل ذلك متفرع على حبه لذاته. إذن، الغريزة الأساسية هي غريزة حب الذات، وهذه الغريزة تتفرع عنها غريزتان: غريزة جلب اللذة للذات، وتسمى بالقوة الشهوية، وغريزة دفع الألم عن الذات، وتسمى بالقوة السبعية. من هنا من خلال القوة السبعية المسماة بغريزة دفع الألم تنشأ ظاهرة السباب، لماذا يسب الإنسان؟ الإنسان إذا جُرِحَت شخصيتُه أو أوذيَت شخصيتُه تراه ينفعل، ونتيجة الانفعال يتسم بظاهرة السباب، يسب الطرف الآخر، أو يلعن الطرف الآخر، أو يشتم الطرف الآخر، يظن أن السباب أو اللعن أو الشتم يغذي غضبه، يأخذ بثأره، يحافظ على توازنه، يعتقد أنه إذا سب أو شتم فقد أفرغ شحنته الغضبية، وبالتالي يعود إلى حالة التوازن، حتى يعود لحالة التوازن يفرغ الغضب، يفرغ الانتقام من خلال الألفاظ، ألفاظ السباب وألفاظ الشتم وألفاظ اللعن. إذن، منشأ ظاهرة اللعن، منشأ ظاهرة السباب، هي انفعال القوة السبعية، أو انفعال غريزة دفع الألم التي هي متفرعة على غريزة حب الذات، هذا منشأ ظاهرة السباب أو اللعن.
https://telegram.me/buratha