الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقة السابقة قال الله تعالى عن كلمة اللعن ومشتقاتها "أُولَـٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" ﴿آل عمران 87﴾ لعنة اسم، أولئك الظالمون جزاؤهم أنَّ عليهم لعنة الله والملائكة والناسِ أجمعين، فهم مطرودون من رحمة الله، الذين يمكن أن يلعنوا بفتح الياء "لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ"، و "لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَـٰكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ" ﴿النساء 46﴾ من الملعونين الكافرين "لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ"، و "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا" ﴿النساء 47﴾ اللعن يحصل كذلك على مجموعة أفراد "كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ"، و "أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا" ﴿النساء 52﴾ نصر الله الحقيقي لا يحصل مع من يلعنهم الله تعالى "وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا"، و "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" ﴿النساء 93﴾ من الملعونين قاتل المؤمن عن عمد "وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا".
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: إنّ القرآن الذي يلعن الظالمين و الفاسقين في آياته المختلفة، و يعدهم ممّن استوجب العقاب و العذاب الإلهي، كيف يوافق و يقرّ هذه الصيانة غير المنطقية للصحابة في مقابل الجزاء الإلهي؟ هل إنّ مثل هذه اللعنات و التهديدات القرآنية قابلة للاستثناء، و أن يخرج من دائرتها قوم معينون؟ لماذا و لأجل أي شي؟ و إذا تجاوزنا عن كل ذلك، ألا يعتبر مثل هذا الحكم بمثابة إعطاء الضوء الأخضر للصحابة ليرتكبوا من الذنب و الجريمة ما يحلو لهم؟ قوله تعالى "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ" (المائدة 78) لماذا ورد اسما هذين النّبيين دون غيرهما، فللمفسّرين في ذلك أقوال، فمن قائل: إنّ السبب هو أنّهما كانا أشهر الأنبياء بعد موسى عليه السّلام، و قيل: إنّ السبب هو أنّ كثيرا من أهل الكتاب كانوا يفخرون بأنّهم من نسل داود. و تذكر الآية أوّلا أنّ داود كان يلعن السائرين على طريق الكفر و الطغيان.
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ" (المائدة 78) وقوله لُعِنَ من اللعن بمعنى الطرد من رحمة الله فالملعون هو المحروم من رحمته سبحانه ولطفه وعنايته. والمعنى: لعن الله تعالى الذين كفروا من بنى إسرائيل بأن طردهم من رحمته، على لسان نبيين كريمين هما داود وعيسى عليهما السلام وقد جاء الفعل "لعن" بالبناء للمجهول لأن الفاعل معلوم وهو الله تعالى ولأن الأنبياء ومنهم داود وعيسى لا يلعنون أحدا إلا بإذن الله سبحانه- وقوله: مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ في محل نصب على الحال من الذين كفروا أو من فاعل كَفَرُوا وهو واو الجماعة. وقوله: "عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ" (المائدة 78) متعلق بلعن. أى: لعنهم سبحانه في الزبور والإنجيل على لسان هذين النبيين الكريمين اللذين كان أولهما بجانب منصب الرسالة قائدا مظفرا قادهم إلى النصر بعد الهزيمة. وكان ثانيهما وهو عيسى عليه السلام رسولا مسالما جاءهم ليحل لهم بعض الذي حرم عليهم. قال الآلوسى: لعنهم الله تعالى في الزبور والإنجيل على لسان داود وعيسى ابن مريم بأن أنزل في هذين الكتابين (ملعون من يكفر من بنى إسرائيل بالله أو بأحد من رسله). وقيل: إن أهل أيلة لما اعتدوا في السبت قال داود: اللهم ألبسهم اللعن مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين فمسخهم الله قردة. وأصحاب المائدة لما كفروا بعيسى قال: اللهم عذب من كفر من المائدة عذابا لم تعذبه أحدا من العالمين، والعنهم كما لعنت أصحاب السبت. وقوله: "ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ" (المائدة 78) بيان لسبب لعنهم وطردهم من رحمة الله. واسم الإشارة ذلِكَ يعود إلى اللعن المذكور. أى: ذلك اللعن للكافرين من بنى إسرائيل سببه عصيانهم لله ولرسله، وعدوانهم على الذين يأمرونهم بالقسط من الناس. أى أن لعنهم لم يكن اعتباطا أو جزافا، وإنما كان بسبب أقوالهم القبيحة وأفعالهم المنكرة، وسلوكهم السيئ.
جاء عن أفضلية اللعن أو الصلوات للدكتور مسعود ناجي ادريس: سؤال: أرجوا ان توضحوا لي هل الرواية التي تنص على غلبة اللعنة على الصلوات عن أمير المؤمنين علي عليه السلام صحيحة ولها سند معتمد؟ جواب: لم ترد الرواية المذكورة في مصادر الأحاديث الصحيحة و مذكورة فقط في أحد الكتب المعاصرة وهو كتاب (مجمع النورين لأبو الحسن مرندي ج 1 ص 208 ونُشر عام 1381) ولا يعتبر هذا الكتاب مصدراً موثوقاً للاحاديث. اللعنة والصلوات كلاهما من أشرف وأفضل الأذكار ، وفي الحقيقة من مجموع الأحاديث الصحيحة والزيارات والأدعية، يبدو أن التحية والصلوات على اولياء الله واللعن على أعداء اولياء الله مثل التولي والتبري اللذان لا ينفصلان عن بعضهما البعض. وقد أدت المصلحة العامة إلى ذكر الصلوات فقط في معظم التجمعات. طبعا بحسب الرواية، فإن بعض علماء وشيوخ الأخلاق ، مثل المرحوم آية الله العظمى بهجت رحمه الله قال إنه في بعض الحالات يتقدم اللعنة على الصلوات. واما عن سبب افضليتها ؟ وفي اي حالات يجب ان ينطق بها؟ وكيف؟ وبأي كلمات؟ هو أمر يجب الرجوع به الى طريق أهل البيت عليهم السلام و العلماء الصالحين والمصلحين، وايضا يجب اجتناب الافعال المتطرفة التي تزيد من الفتنة في صفوف المسلمين.
الابتهال في الدعاء يعني تفويض الامر الى الله. وفي اية المباهلة يفوض الطرفين الله تعالى بلعن الكاذبين. من هنا جاءت كلمة المباهلة في هذه الاية بمعنى الملاعنة " ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 61). وحضور النبي وذريته عليهم السلام في المباهلة كونه متأكد ان عقيدته على حق والطرف الاخر على باطل وكاذب والا لم يعرض نفسه واهله الى تهلكة لعنة الله.
https://telegram.me/buratha