الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية لمؤلفه الشيخ جلال الدين الصغير عن المحور الخاص بخصوص شبهة عصمة الانبياء عليهم السلام: 8 ـ قصة سليمان عليه السلام مع الخيل: وهي القصة التي عرضت لها الآيات الكريمة: "وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ" (ص 30-33)، وقد اعتبرها القوم من الآيات الدالة على عدم عصمة الأنبياء عليهم السلام ، فلقد رووا انه عليهالسلام شغله التشاغل باستعراض الخيل عن ذكر ربه وعن صلاته، فقال: لا تشغلني عن عبادة الله تعالى، فراح يضرب أعناقها ويقتلها. والواقع القرآني يشير إلى غير ذلك بالمرة، فوق التفسير الذي يعتمده القوم فإن سليمان كان قد ترك صلاته، ثم اتهم بريئاً بالتسبب بذلك، ثم راح يبذر مال الله المؤتمن عليه، وأي مال هو؟ وهذا ملا ينسجم بحال من الأحوال مع المديح القرآني لسليمان عليهالسلام بالمرة، فأين نعم العبد من العبد التارك لصلاته؟ وأي الأوّاب من المسرف في أمر ربه وخلقه؟ وأين النبي من ظلم الأبرياء؟ وقد كان بامكان القوم حمل الآية على سياقها الظاهر ليحفظوا فيها خصائص النص القرآني وخصائص مقام النبوة ، فلقد استعرضها بالليل، والليل ما من استعراض للهو فيه، فمن يريد أن يلهو عادة ما يلهو في النهار، خاصة في تلك الأزمان التي ينعدم فيها الضوء! وما استعرضها في الليل إلاّ لأمر مهم، فحاشا لأنبياء الله أن يكونوا من اللاهين العابثين، وحين ذهبت الخيل في استعراضها إلى المدى الذيتنعدم فيه الرؤيا طلب أن يرجعوها، حتّى إذا ما رجعت راح يغسل أقدامها وأعناقها، وهو الأنسب بخلق الأنبياء وسجاياهم.
ويستطرد الشيخ الصغير عن عصمة الانبياء عليهم السلام قائلا: 9 ـ قصة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم مع امرأة زيد: وقد عرض القرآن لهذه القصة في الآية الكريمة "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً" (الاحزاب 37) وقد اعتبرها القوم من الآيات الدالة على القدح بعصمته صلى الله عليه وآله وسلم، فلقد رووا انه طلب زيد بن حارثة، فلم يجده في بيته فرأى زينب فوقعت في قلبه وذهب يهمهم مع نفسه ويقول: سبحان مصرف القلوب فأخبرت زينب زوجها زيد فجاء إلى الرسول يسعى وهو يقول له: يا رسول الله لعل زينب أعجبتك فأفارقها؟ فقال له الرسول: أمسك عليك زوجك وهو يخفي عن زيد مشاعرة تجاه زوجه. وإن اللسان ليعجز عن وصف جرأة هؤلاء على رسولهم ، أفلرسول الله الحيي يقال ذلك؟ أم لرسول الله الزاهد في الدنيا وما فيها ينسب ذلك؟ أم لرسول الله الورع المتقي يعزا طمعه في زوج غيره؟ وبمعزل عن تفاهة هذا المقال واجحافه المرير بحق رسول الله بأبي وأمي، فإن الآية ناظرة إلى أمر يختلف كلية عما ذكروه، فزينب هي قريبة رسول الله وبنت عمته، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو من أمر بزواج زينب من زيد مولاه، وكان زيد ينعت بابن محمد، ومن شأن الجاهلية أن من مثل زيد ممن ينتسب إلى البيوت إن طلق زوجته، فلا يتزوجها مربيه، وأراد الإسلام أن ينقض ذلك، وكان من علم الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم أن أمر زينب سيؤول إليه في النهاية، ولكن هذا العلم كان الرسول صلى الله عليه وآله يخفيه ولا يبديه، فجاء زيد وهو يشكو زوجته لرسول الله لأمر يعرض لزوج مع زوجته، فيطلب الرسول من أن يمسك زوجته ويتقي الله ، ولم يتكلّم بأمرها حتى طلقها زيد نتيجة ما ثار بينهما من مشاكل، وانقضت عدتها، وأراد الله من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يتزوجها، فيما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يخشى أقاويل المحيطين به، فنزلت الآية الشريفة وهي تطرح الموضوع بالصورة التي طرحته فيه.
وعن شبهات عصمة الرسول محمد صلى الله عليه وآله يقول الشيخ جلال الدين الصغير: 10 ـ أمنية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والقاء الشيطان: وقد وجد القوم في الآية الكريمة "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" (الحج 52) منفذاً للقدح بشخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فرووا واحدة من أشنع القصص المجحفة بحق الرسول الكريم صلىاللهعليهوآلهوسلم، فلقد أخرج أغلب رواتهم ومفسريهم ومؤرخيهم وأصحاب صحاحهم ومسانيدهم أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، والذي كان دأبه مواجهة العقائد الفاسدة، والذي جاء نبيا للتوحيد لا تأخذه في سبيل ذلك لومة لائم، حاول أن يستميل المشركين بذكر آلهتهم بخير، فألقى الشيطان العاجز عن التأثير على من هو أدنى مرتبة من خدّام الرسول بأبي وأمي فضلاً عن الرسول نفسه على لسانه ما يرضي هؤلاء، فبينما كان يقرأ "أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى" (النجم 19-20) ألقى الشيطان في لسانه فقال: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى، وإذا بنبي التوحيد والإخلاص يتحول بين عشية وضحاها ليبشّر بالشرك ويطلب معونة آلهة المشركين وشفاعتها. ولكن الحال هو غير هذا التفسير المتجني على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصورة لا تقل عن تجني المشركين على حقه، فالأمنيةـ أي أمنيةـ تتكون من طرفين، أحدهما داخلي يرتبط بوعي وادراك وأحاسيس المتمني، والآخر خارجي يرتبط بتحقق ما يتمناه، ولو خصصنا الكلام ضمن مدار الواقعة فسنجد ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له أمنية يرتبط أحد طرفيها بأحاسيسه وفكره، وهذه الأمنية هي رغبته في أن يهتدي أكبر قدر ممكن من الناس، والطرف الثاني يرتبط في قبول الناس الذين يرغب أن يهتدوا ، وما من ريب أن النصّ القرآني يمنع من تدخل الشيطان في الواقع الداخلي للشخصية النبوية، فالشيطان كما تقدم لا سلطة له على أولياء الله سبحانه، فكيف برسول الله وسائر النبيين؟ ولا يبقى عندئذ غير الواقع الخارجي للأمنية وهو الواقع المتصل بمن يحب هدايته، وهذا الواقع نجد امكانيات الشيطان في النفاذ إليه مفتوحة، فأي الطرفين يصح تصنيف القاء الشيطان في أمنية الشخصية النبوية ضمنه؟
https://telegram.me/buratha