الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن كلمة الكذب ومشتقاتها "بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ" ﴿يونس 39﴾ كذبوا: كذب فعل، وا ضمير، سارَعوا إلى التكذيب بالقرآن أول ما سمعوه، قبل أن يتدبروا آياته، وكما كذَّب المشركون بوعيد الله كذَّبت الأمم التي خلت قبلهم، و "قَالَ لَهُم مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ ۖ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىٰ" ﴿طه 61﴾، و "وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ" ﴿الأنبياء 77﴾، و "وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ" ﴿الحج 42﴾، و "وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ" ﴿الحج 44﴾، و "وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ" ﴿الحج 57﴾، و "وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ" ﴿المؤمنون 33﴾، و "إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ" ﴿المؤمنون 38﴾، و "ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ ۖ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ ۚ فَبُعْدًا لِّقَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ" ﴿المؤمنون 44﴾، و "فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ" ﴿المؤمنون 48﴾، و "أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ" ﴿المؤمنون 105﴾، و "فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا ۚ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا" ﴿الفرقان 19﴾، و "فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا" ﴿الفرقان 36﴾، و "وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ۖ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا" ﴿الفرقان 37﴾، و "قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا" ﴿الفرقان 77﴾، و "فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" ﴿الشعراء 6﴾، و "قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ" ﴿الشعراء 12﴾، و "كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ" ﴿الشعراء 105﴾، و "كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ" ﴿الشعراء 123﴾، و "فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ" ﴿الشعراء 139﴾، و "كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ" ﴿الشعراء 141﴾، و "كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ" ﴿الشعراء 160﴾، و "فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ" ﴿الشعراء 189﴾، و "وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ" ﴿النمل 83﴾، و "حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" ﴿النمل 84﴾، و "وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ" ﴿القصص 34﴾.
جاءت كلمة كذب ومشتقاتها في القرآن الكريم: يَكْذِبُونَ، وَكَذَّبُوا، كَذَّبْتُمْ، كَذَّبُوا، الْكَاذِبِينَ، الْكَذِبَ، الْمُكَذِّبِينَ، كَذَّبُوكَ، كُذِّبَ، لِلْكَذِبِ، كَذِبًا، نُكَذِّبَ، لَكَاذِبُونَ، يُكَذِّبُونَكَ، كُذِّبَتْ، وَكَذَّبْتُم، وَكَذَّبَ، فَكَذَّبُوهُ، كَاذِبِينَ، مَكْذُوبٍ، كَاذِبٌ، فَكَذَبَتْ، الْكَاذِبُونَ، فَكَذَّبَ، يُكَذِّبُوكَ، كَذَّبُونِ، كَذَّبُوهُ، فَكَذَّبُوهُمَا، تُكَذِّبُونَ، كَذَّبُوكُم، كَاذِبُونَ، يُكَذِّبُ، أَكَذَّبْتُم، تُكَذِّبُوا، فَكَذَّبُوا، كَذَّابٌ، كَاذِبًا، كَذِبُهُ، لِلْمُكَذِّبِينَ، الْكَذَّابُ، تُكَذِّبَانِ، كَاذِبَةٌ، الْمُكَذِّبُونَ، فَكَذَّبْنَا، مُكَذِّبِينَ، وَالْمُكَذِّبِينَ، كِذَّابًا، تَكْذِيبٍ، يُكَذِّبُكَ.
حضور النبي وذريته عليهم السلام في المباهلة كونه متأكد ان عقيدته على حق والطرف الاخر على باطل وكاذب والا لم يعرض نفسه واهله الى تهلكة لعنة الله. اختار النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم عليا مصداقا لنفسه كما جاء في احاديث شريفة انه نفس علي وهو لا ينطق عن هوى "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" (النجم 3-4)، وفاطمة مصداق للنساء ليس فقط كونها ابنته بل تحمل عقيدته لان زوجة نوح عليه السلام مثال لمصداق النساء التي لا تحمل عقيدة ازواجهن بل عدوة الله "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ" (التحريم 10)، والحسن والحسين ابناء الرسول ومن اهله لانهما يحملان عقيدته وان لم يكونا من صلبه المباشر. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لعن الله الكاذب ولو كان مازحا). وقال صلى الله عليه وآله وسلم (كبرت خيانة أن تحدّثَ أخاك حديثاً هو لك مصدّق وأنت له به كاذب). وقال صلى الله عليه وآله وسلم (الكذب باب من أبواب النفاق).
جاء في كتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِير" (الملك 18) المراد بالنكير العقوبة وتغيير النعمة أو الإنكار، والآية كالشاهد يستشهد به على صدق ما في قوله "فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ" (الملك 17) من الوعيد والتهديد. والمعنى: ولقد كذب الذين من قبلهم من الأمم الهالكة رسلي وجحدوا بربوبيتي فكيف كان عقوبتي وتغييري النعمة عليهم أو كيف كان إنكاري ذلك عليهم حيث أهلكتهم واستأصلتهم. قوله تعالى "وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ" (يوسف 18) الكذب بالفتح فالكسر مصدر أريد به الفاعل للمبالغة أي بدم كاذب بين الكذب. وفي الآية إشعار بأن القميص وعليه دم وقد نكر الدم للدلالة على هوان دلالته وضعفها على ما وصفوه كان على صفة تكشف عن كذبهم في مقالهم فإن من افترسته السباع وأكلته لم تترك له قميصا سالما غير ممزق. وهذا شأن الكذب لا يخلو الحديث الكاذب ولا الأحدوثة الكاذبة من تناف بين أجزائه وتناقض بين أطرافه أو شواهد من أوضاع وأحوال خارجية تحف به وتنادي بالصدق وتكشف القناع عن قبيح سريرته وباطنه وإن حسنت صورته. من المجرب أن الكذب لا يدوم على اعتباره وإن الكاذب لا يلبث دون أن يأتي بما يكذبه أو يظهر ما يكشف القناع عن بطلان ما أخبر به أو ادعاه ، والوجه فيه أن الكون يجري على نظام يرتبط به بعض أجزائه ببعض بنسب وإضافات غير متغيرة ولا متبدلة فلكل حادث من الحوادث الخارجية الواقعة لوازم وملزومات متناسبة لا ينفك بعضها من بعض، ولها جميعا فيما بينها أحكام وآثار يتصل بعضها ببعض، ولو اختل واحد منها لاختل الجميع وسلامة الواحد تدل على سلامة السلسلة. وهذا قانون كلي غير قابل لورود الاستثناء عليه.
تكملة للحلقات السابقة جاء عن مؤسسة السبطين العالمية عن الكذب: التورية والتعريض: وهي طريقة شرعية يستخدمها المتكلم للتخلص من الكذب عندما يكون الاخبار بالواقع متنافيا ومصلحته المشروعة دون أن يخلَّ بمصلحته هذه، كاستعمال لفظٍ له معنيان أحدهما وهو الأظهر مخالفٌ للواقع، والآخر هو عين الواقع، فينصرف ذهن المُخاطَبِ إلى الأظهر المخالف للواقع. وبهذا يصل المتكلم إلى مراده دون أن يقع في محذور الكذب أو الإخبار بالواقع المضرّ للمصلحة. وتوضيح ذلك: أن الانسان عندما يرى نفسه في حال اذا قال فيها بالصدق (اخبر بالواقع) ، انكشف له سرٌّ لا يحبُّ أن يبوحَ به، أو ترتب على ذلك أثرٌ مضرٌّ بمصلحته، وان قال بالكذب ارتكب المحرَّم، فماذا يفعل والحال هذه ؟ بحيث لا يرتكب اثم الكذب ولا يضرُّ مصلحته بالصدق (الإخبار بالواقع). له في مثل هذه الحالة أن يختار لفظاً له معنيان، معنى مخالف للواقع وآخر مطابق للواقع، بحيث يكون المخالف للواقع أقوى ظهوراً وانسباقاً الى الذهن، فينصرف ذهن المُخَاطَبِ إليهِ بمجرَّد سماع اللفظ ولا يتبادر الى ذهنه المعنى الواقعي الذي يريد المتكلم إخفاءَه (لِما علمناه من مضرّته له) لأَنَّهُ أقل ظهوراً وانسباقاً في الاول، وبهذا تمكن المتكلم من عدم ارتكاب الاثم بالكذب ومن عدم الإخبار بالواقع حيث يضرّه. ولزيادة التوضيح نذكر فيما يلي بعض الامثلة والشواهد لذلك: أ ـ شخصٌ يسأل من آخر: هل أنت ترتكب المعاصي؟ فيجيبهُ: أستغفر الله وأستجير به من ذلك. فيفهم السائل من ذلك أنه لا يعمل ذلك في حين أن قصد المجيب هو الاستغفار واللجوء الى الله من الذنب. فهو بهذا قد تخلص من الكذب اذا اجاب بكلاّ لوقوع معصية منه سابقاً. وايضاً تمكن من الهرب من الجواب بنعم، الذي يسبب له الاحراج والحياء. ب ـ شخص يأتي الى آخر في بيته فيطرق الباب، في حين أَنَّ صاحب الدار لم يكن مستعداً لاستقبال احد لظرفٍ خاص، فيأمر أحد عياله بأن يجيب الطارق للباب والسائل عن صاحب البيت، بأنه غير موجود هنا وهو يشير الى جانبٍ في البيت أو غرفةٍ خالية من صاحب الدار. حـ ـ ومن الشواهد ما اجاب به سعيد بن جبير، الحجاجَ بن يوسف عندما سأله عن نفسه (نفس الحجاج) . فقال له: أنت عادل: وهو يريد العادل بمعنى الكافر المشرك بالله لا العادل بمعنى العادل في حكمهِ للرعية. وينبعي الإشارة هنا الى أن التوريه اذا كانت ممكنة في موارد الترخيص بالكذب فهي أولى منه، كما في قصة سعيد بن جبير حيث كان سعيد يعلم أنّ الحجاج يريد أن يفتك به وفي هذا الحال له أن يكذب لانقاذ نفسه، لكنه لما رأى أن التورية تفي بغرضهِ ورَّى. ثم إن التورية هي من الأبواب التي شرّعها الشارع لمعالجة المواقف المحرجة للمكلف، وحتى لا يكون عليه في الدين من حرج، ولتسهيل الأمر فلا تصح الاستفادة منها في جميع الحالات غير الضرورية، لان ذلك يسبب تسامحاً يؤدي الى سوء الاستفادة من مُباحات الشريعة. ومما يدلُّ عليها ما روي عن الامام الصادق عليه السلام عندما سُئل عن قول الله تعالى في قصة ابراهيم عليه السلام "قال بل فعله كبيرهم هذا فَسْئَلوهُم إن كانوا ينطقون" (الانبياء 63) قال: ما فعله كبيرهم وماكذب ابراهيم. قيل: وكيف ذلك؟ فقال: إنّما قال ابراهيم فاسألوهم إن كانوا ينطقون. أي: إن نطقوا فكبيرهم فعل. وان لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم شيئاً، فما نطقوا وماكذب ابراهيم. وسُئل عليه السلام عن قوله تعالى "أيتها العير إنكم لسارقون" (يوسف 70). قال: إنهم سرقوا يوسف من أبيه، ألا ترى أنه قال لهم حين قالوا: ماذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك، ولم يقولوا: سرقتم صواع الملك. انما سرقوا يوسف من أبيه. وسئل عن قول إبراهيم عليه السلام "فنظر نظرةً في النجوم * فقال إني سقيم" (الصافات 88-89) قال: ما كان ابراهيم سقيما، وما كذب، انما عنى سقيماً في دينه، أي مرتاداً.
https://telegram.me/buratha