الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن كلمة الكذب ومشتقاتها "سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ حَتَّىٰ ذَاقُوا بَأْسَنَا ۗ قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ" ﴿الأنعام 148﴾ كذَّبوا دعوة رسلهم، إن تتبعون في أمور هذا الدين إلا مجرد الظن، وإن أنتم إلا تكذبون، و "وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ۚ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ" ﴿الأنعام 66﴾، و "أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ" ﴿الأنعام 93﴾، و "أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِّيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ" ﴿الأنعام 144﴾، و "فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ" ﴿الأنعام 147﴾، و "قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا ۖ فَإِن شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ۚ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ" ﴿الأنعام 150﴾، و "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ﴿الأعراف 36﴾، و "إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ" ﴿الأعراف 40﴾، و "فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ" ﴿الأعراف 64﴾، و "فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ" ﴿الأعراف 72﴾، و "قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا ۚ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ۚ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۚ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا ۚ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ" ﴿الأعراف 89﴾، و "الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۚ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ" ﴿الأعراف 92﴾، و "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَـٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" ﴿الأعراف 96﴾، و "تِلْكَ الْقُرَىٰ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِن قَبْلُ ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ" ﴿الأعراف 101﴾، و "فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ" ﴿الأعراف 136﴾، و "سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ" ﴿الأعراف 146﴾، و "فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" ﴿الأنعام 5﴾، و "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" ﴿الأنعام 11﴾، و "انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ" ﴿الأنعام 24﴾، و "وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" ﴿الأنعام 27﴾، و "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ ۚ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ" ﴿الأنعام 31﴾، و "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ" ﴿الأنعام 33﴾، و "وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ" ﴿الأنعام 34﴾، و "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ۗ مَن يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" ﴿الأنعام 39﴾، و "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ" ﴿الأنعام 49﴾، و "قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ ۚ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ ۚ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ يَقُصُّ الْحَقَّ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ" ﴿الأنعام 57﴾.
في تفسير القمي: في قوله تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ" (الممتحنة 1) الآية: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، ولفظ الآية عام ومعناها خاص وكان سبب ذلك أن حاطب بن أبي بلتعة قد أسلم وهاجر إلى المدينة وكان عياله بمكة، وكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله صلى الله عليه وآله فصاروا إلى عيال حاطب وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب ويسألوه عن خبر محمد هل يريد أن يغزو مكة؟. فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك فكتب إليهم حاطب أن رسول الله صلى الله عليه وآله يريد ذلك، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمى صفية فوضعته في قرونها ومرت فنزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وأخبره بذلك. فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين والزبير بن العوام في طلبها فلحقوها فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: أين الكتاب؟ فقالت: ما معي شيء ففتشاها فلم يجدا معها شيئا فقال الزبير: ما نرى معها شيئا فقال أمير المؤمنين عليه السلام: والله ما كذبنا رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا كذب رسول الله صلى الله عليه وآله على جبرئيل، ولا كذب جبرئيل على الله جل ثناؤه والله لتظهرن الكتاب أو لأردن رأسك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: تنحيا عني حتى أخرجه فأخرجت الكتاب من قرونها فأخذه أمير المؤمنين وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ" (هود 18) ثمّ ينادون بصوت عال "أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" (هود 18). و لكن من هم الأشهاد؟ أهم الملائكة، أم الحفظة على الأعمال، أم الأنبياء؟ للمفسّرين احتمالات و آراء، و لكن مع ملاحظة أن آيات أخرى من القرآن تشير إلى أنّ الأنبياء هم الأشهاد، فالظاهر أنّ المراد بالأشهاد هنا هم الأنبياء أيضا أو المفهوم الأوسع و هو أنّ الأنبياء و سائر الأشهاد يشهدون على الأعمال يوم القيامة. قوله تعالى كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ" (ق 14) و ما نراه في النصّ من أنّ جميع هؤلاء كذّبوا الرسل و الحال أنّ كلّ قوم كذّبوا رسولهم فحسب لأنّ الفعل الصادر منهم جميعا التكذيب نال الأنبياء جميعا و إن كان كلّ قوم قد كذّبوا نبيّهم وحده في زمانهم. أو لأنّ تكذيب أحد النّبيين و الرسل يعدّ تكذيبا لجميع الرسل، لأنّ محتوى دعوتهم سواء. و على كلّ حال، فإنّ هؤلاء الأمم كذّبوا أنبياءهم و كذّبوا مسألة المعاد و التوحيد أيضا، و كانت عاقبة أمرهم نكرا و وبالا عليهم، فمنهم من ابتلي بالطوفان، و منهم من أخذته الصاعقة، و منهم من غرق بالنيل، و منهم من خسفت به الأرض أو غير ذلك، و أخيرا فإنّهم ذاقوا ثمرة تكذيبهم المرّة فكن مطمئنا يا رسول اللّه أنّه لو واصل هؤلاء تكذيبهم لك فلن يكونوا أحسن حالا من السابقين. قوله سبحانه وتعالى "كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً" (النبأ 28) "كذّابا" بكسر الكاف إحدى صيغ المصدر من باب التفعيل، بمعنى التكذيب، و قال بعض أهل اللغة: إنّه مصدر ثلاثي مجرّد معادل لكذب. و على أية حال، فهو: مفعول مطلق لكذبوا، و جاء للتأكيد. فقد أحكمت الأهواء النفسانية قبضتها عليهم حتى جعلتهم يكذبون بآيات اللّه تكذيبا شديدا، و أنكروها إنكارا قاطعا ليواصلوا أمانيهم الإجرامية باتباعهم المفرط لأهوائهم الغاربة. و بما أنّ معنى "آياتنا" من الوسع بحيث يشمل كلّ آيات التوحيد و النبوّة و التكوين و التشريع و معجزات الأنبياء و الأحكام السنن، فعملية تكذيب كلّ هذه الأدلة الإلهية في عالم التكوين و التشريع، إنّما تستحق أشدّ العقوبات المخبر عنها في القرآن الكريم. ينبه القرآن الطغاة على وجود الموازنة بين الجرم و العقاب في العدل الإلهي، فيقول: "وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً" (النبأ 29).
تكملة للحلقتين السابقتين جاء عن مؤسسة السبطين العالمية عن الكذب: آثار ومساوئ الكذب: أ ـ على الفرد: يمكن اجمال أهم تلك الآثار والمساوئ بالنقاط التالية: 1 ـ يَقطع عليه سبيل الهداية الالهية. قال تعالى "اِن الله لا يهدي من هو كاذب كفار" (الزمر 3). 2 ـ يُسقط مكانته الاجتماعية، فيصبحُ حقيراً، ذليلاً، مهاناً، مبعداً عند الناس. قال أمير المؤمنين عليه السلام (ثمرة الكذب؛ المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة). وقال عليه السلام (الكاذب مهانٌ ذليل). 3 ـ يُبْتلى بنسيان أكاذيبه، فيختلق ما يخالفها، ثمّ يقع في تناقضات تؤدي به الى الفضيحة بين الناس. قال الإمام الصادق عليه السلام (اِنّ مِمّا أَعان الله به على الكذّابين النسيان). 4 ـ يذهب الكذب ببهاء وجه صاحبه، وهو حسنه وظرافته. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (وكثرة الكذب تُذهب بالبهاء). 5 ـ يُخرّب إيمان صاحبه ويُفقِدَه طعمه. قال الإمام الباقر عليه السلام (اِنّ الكذب هو خراب الايمان). وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام (لا يجد عبدٌ طعَمَ الإيمان حتى يترك الكذب، هزله وجدّه). 6 ـ يكون باباً للدخول في الشرور والخبائث . قال الامام الباقر عليه السلام (اِن الله عزّ وجل جَعًل للشر أقفالاً وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب شرٌّ مِنْ الشراب). وقال الامام الحسن العسكري عليه السلام (جُعِلت الخبائثُ كلّها في بيت وجُعِل مفتاحه الكذب). 7 ـ يؤدي الكذب بصاحبه الى النفاق. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الكذب باب من أبواب النفاق) وقال أمير المؤمنين عليه السلام (الكذب يؤدي الى النفاق). 8 ـ يؤدي الى نقصان الرزق . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (الكذب ينقص الرزق). ب ـ على المجتمع: تتركز آثار ومساوئ الكذب هنا في محورين: 1 ـ العدوى والتفشي، فالكذب ينتقل من الفرد المصاب الى الفرد الصحيح اذا توفرت الظروف والشرائط الملائمة لذلك الانتقال، وحاله في هذا يشبه حال الامراض العضوية المعدية مِنْ انتقالها من المرضى الى الاصحاء عند توفر الشروط والظروف الملائمة لذلك، كالسل والجذام وغيرها. وبهذا اذا لم تُتَخَذ الاجراءات السليمة للوقاية من هذا التفشي من قبيل ارساء قواعد التربية الصحيحة في المجتمع عِبرَ قنواتها المختلفة، والتوعية والتبليغ، وغير ذلك مماله تأثير ايجابي في هذا المجال، يصبح المجتمع مستنقعاً موبوءاً لهذه الرذيلة ومرتعاً خصبا لها تنمو وتكثر في ربوعه، وربَّما تصبح من ظواهره ومميزاته التي تميّزه عن غيره من المجتمعات، اذا اشتَدَّ تجذّرها وتعمّقها فيه. 2 ـ ما يتسبب من الأضرار والفساد عن ذلك التفشي، ويمكن اجماله في النقطتين التاليتين: أ ـ الآثار والمساوئ التي يصاب بها الفرد الكذَّاب خاصة، تأخذ طريقها في العموم في المجتمع كلَّما ازداد تفشي ظاهرة الكذب في المجتمع، لذا تقل الأرزاق، وتقطع الهداية، ويخرب الايمان، وتكثر الشرور و ... الخ. ب ـ فقدان الثقة والاطمئنان الذي يقوم عليه أساس التعامل في المجتمع في مختلف المجالات، فيعم الفساد والاضطراب جميع أوضاع المجتمع المبنيّة على ذلك الأساس، من قبيل الوضع الاقتصادي، والوضع الاجتماعي من حيث العلاقات والروابط، وكذلك الوضع السياسي وإدارة البلاد.
جاء في تفسير الآلوسي: في آية المباهلة قالوا: اتفق المفسرون كافة أن الأبناء إشارة إلى الحسن والحسين، والنساء إشارة إلى فاطمة، والأنفس إشارة إلى على رضي الله تعالى عنه. قال الزمخشري: فإن قلت: ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه ومن خصمه. وذلك أمر يختص به وبمن يكاذبه، فما معنى ضم الأبناء والنساء؟ قلت: ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله واستيقانه بصدقه، حيث استجرأ على تعريض أعزته وأفلاذ كبده وأحب الناس إليه لذلك، ولم يقتصر على تعريض نفسه له، وعلى ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته وأعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة. وخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب، وربما فداهم الرجل بنفسه حتى يقتل. ومن ثمة كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الذادة عنهم بأرواحهم حماة الحقائق. وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم. وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها. وفيه دليل لا شىء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء عليهم السلام.
https://telegram.me/buratha