عبير المنظور
انتظار الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) هو من واجبات المؤمنين في زمن غيبته (عليه السلام) ، والمنتظِر الحقيقي له مكانة عظيمة ذكرها المعصومون (عليهم السلام) في العديد من الأحاديث والروايات، وعلى أساسها يكون انتظاره هذا شرفا له في الدنيا ونجاة له في الآخرة .
ومن هذه الروايات ما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أفضل العبادة انتظار الفرج"(١)
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "ما ضر من مات منتظرا لأمرنا إلا يموت في وسط فسطاط المهدي وعسكره."(٢)
وعنه( عليه السلام) : "اعلموا أن المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم"(٣)
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) : "من مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع القائم في فسطاطه قال: ثم مكث هنيئة ثم قال: لا بل كمن قارع معه بسيفه، ثم قال: لا والله إلا كمن استشهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) ."(٤)
ولعل من أكثر الروايات تفصيلا بوصف المنتظرين لإمام الزمان (أرواحنا فداه) هو ما ورد عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: "تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة بعده، يا أبا خالد إن أهل زمان غيبته، القائلون بإمامته، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان؛ لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله( صلى الله عليه وآله ) بالسيف أولئك المخلصون حقا، وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا، وقال:( عليه السلام) : انتظار الفرج من أعظم الفرج."(٥)
بلحاظ ما تقدم ندرك عظمة انتظار الإمام المنتظر والمنتظرين في زمن غيبته، ولكن هل سألنا أنفسنا أي انتظار هذا يوجب تلك المكانة الرفيعة؟ هل الجلوس بلا حراك وبلا عمل ووضع اليدين على الخدين ونقول: نحن ننتظر الفرج يعطينا تلك المكاسب والمقام العظيم المذكور في الروايات أعلاه ؟ وهل سنحقق بذلك أعظم عبادة كما وصفها رسولنا الكريم؟، الجواب :لا ، بالتأكيد، لأن الإنتظار المطلوب من المنتظِر في زمن الغيبة هو انتظار واعٍ وفعال، ويعتمد على السعي الدؤوب والعمل الجاد لتمهيد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) بالإلتزام الديني والعمل على نشر القضية المهدوية بكل مفاصلها، وبكل امكانياتنا المتاحة كل حسب عمره وموقعه، وهذا كفيل بنشر الوعي لمخططات الأعداء التي تحاول ابعادنا عن ديننا وإمام زماننا، والسير في هذا الطريق ليس سهلا كما نظن للوهلة الأولى، وإنما أمر صعب مستصعب لكثرة التحديات التي يواجهها المنتظرون على كافة الأصعدة، فهم يحاربون على أكثر من جبهة بصبر وثبات وهذا هو سر المنتظرين ، انهم عباد امتحن الله قلبهم بالإيمان فنجحوا في اختباراتهم وبلاءاتهم وامتحاناتهم بجدارة وعزيمة واصرار، فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: "إن أمرنا صعب مستصعب على الكافرين لا يقر بأمرنا إلا نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان."(٦)
هذه الابتلاءات الدنيوية هي مادة امتحان المنتظرين في زمن الغيبة، ومن أكثر امتحانات المنتظرين هي التحديات التي يواجهونها في انتشار الأفكار الهدامة التي زرعها أعداء الإسلام في المجتمع وتعيق عملهم الرسالي في التمهيد لظهور الإمام ونشر العدل على الارض، فنجد الاعداء يزدادون ظلما وظلاما في الأفعال والأقوال وتوجيه المجتمعات، ويسعون لإطفاء نور الله فيحاربون كل ضياء ونقاء يصدر من كافة الفئات العمرية وإن كان تركيزهم أكثر على الأطفال والشباب، فمثلا نجد الحرب الناعمة على النساء في الإسلام وخاصة الفتيات الصغيرات وحربهم على الحجاب ومنعهم من تحجيب الفتيات المكلفات منذ الصغر؛ ليسهل عليهم العمل في الكبر، يصورون للفتيات بأن الحجاب -بشكل عام والعباءة الزينبية بشكل خاص- عائق أمام الدراسة والنجاح في العمل، كما يصورون الفتيات الملتزمات دينيا ولا يضعنَّ مساحيق التجميل خارج المنزل بأنهن معقدات ولا أنوثة لهن، أو يتعاملون معهن وكأنهن عجائز مسنّات أو منبوذات ولا وجود لهن في المجتمع، أو يسخرون من الفتيات اللاتي يصلين في المدرسة أو يطالبن بوجود مصلى لهن فيها، أو يصورون للفتيات بأنهن مضطهدات بطاعتهن للوالدين ويشجعونهن على عقوق الوالدين والتمرد عليهما، وأنه ضرب من الحرية الشخصية، وإن الإلتزام بالعمل هو مثالية زائدة عن حدها، وهكذا، حتى إن مواقع التواصل الإجتماعي أصبحت تعج بالتفاهات لتسطيح عقول الشباب وتسفيهها من خلال هذه التصورات الخاطئة، والحرب على الثوابت المبادئ الإسلامية والإنسانية، كما يعملون على نشر الفساد الأخلاقي وانتشار العلاقات المحرمة والتركيز عليها في الإعلام والمسلسلات والأفلام كثيرا لإفساد النشئ الجديد وتفكيك المجتمع، ولهذا فإن المنتظرين في آخر الزمان لهم من المكانة العظيمة عند الله لما يواجهونه من تحديات على كافة الأصعدة وبصبر وثبات في العقيدة والمبادئ، حتى وصفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يأتي على الناس زمان الصابر منهم على دينه كالقابض على الجمر."(٧)
ولهذا فإن الإنتظار الحقيقي المطلوب منا في زمن غيبة الإمام ليس الإنتظار السلبي الذي يعتمد على الإنكفاء والسلبية وانتظار الآخرين أن يقوموا بدور التمهيد لظهور الإمام وتهيئة الأرضية لحكمه العادل بإصلاح المجتمع ومحاربة الظالمين وأفكارهم ، بل هو انتظار إيجابي وفعال، يستوجب منا العمل على مواجهة كل التحديات، ومواجهة الفكر بالفكر لنحجّم من الظلام والظلم بقدر استطاعتنا وامكاناتنا المتاحة.
فيا أيها المنتظرون إلتزموا بدينكم، ويا ايتها المنتظرات التزمن بحجابكنَّ وعفافكنَّ، وتسلحوا جميعا بالعلم والمعرفة، فإنَّ الإنتظار الواعي لهذه المخططات التي تعيق مسيرتنا وأفضل عبادتنا هو سبيلنا لتحقيق الأمل الموعود الذي ينشر في هذه الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا.
الهوامش:
(١)ميزان الحكمة، الريشهري، ج١، ص١٨٢.
(٢)شرح اصول الكافي، المازندراني، ج٦، ص٣٤٤.، معنى الفسطاط الخيمة
(٣)الكافي، الكليني، ج٢، ص٢٢٢.
(٤)بحار الانوار، المجلسي، ج٥٢، ص١٢٦.
(٥)المصدر السابق، ص١٢٢.
(٦)المصدر السابق، ج٢، ص١٩١.
(٧)الأمالي، الطوسي، ص٤٨٥.
https://telegram.me/buratha