تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن كلمة الكذب ومشتقاتها "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ" ﴿يونس 17﴾ لا أحد أشد ظلمًا ممن اختلق على الله الكذب أو كذَّب بآياته إنه لا ينجح مَن كذَّب أنبياء الله ورسله، ولا ينالون الفلاح، و "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" ﴿المنافقون 1﴾، و "نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ" ﴿العلق 16﴾، و "فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" ﴿البقرة 10﴾، و "وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" ﴿البقرة 39﴾، و "وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ" ﴿البقرة 87﴾، و "كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ" ﴿آل عمران 11﴾، و "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" ﴿آل عمران 75﴾، و "وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" ﴿آل عمران 78﴾، و "فَمَنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" ﴿آل عمران 94﴾، و "قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" ﴿آل عمران 137﴾، و "انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا" ﴿النساء 50﴾، و "وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" ﴿المائدة 10﴾، و "قُلُوبُهُمْ ۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا ۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ" ﴿المائدة 41﴾، و "سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ۚ فَإِن جَاءُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ ۖ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا ۖ وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" ﴿المائدة 42﴾، و "لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ" ﴿المائدة 70﴾، و "وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ" ﴿المائدة 86﴾، و "مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَـٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ" ﴿المائدة 103﴾.
جاء في كتاب الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي: قوله تعالى "فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى" (القيامة 31-33) الضمائر راجعة إلى الإنسان المذكور في قوله "أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ" (القيامة 36) إلخ، والمراد بالتصديق المنفي تصديق الدعوة الحقة التي يتضمنها القرآن الكريم ، وبالتصلية المنفية التوجه العبادي إليه تعالى بالصلاة التي هي عمود الدين. والتمطي على ما في المجمع، تمدد البدن من الكسل وأصله أن يلوي مطاه أي ظهره، والمراد بتمطيه في ذهابه التبختر والاختيال استعارة. والمعنى: فلم يصدق هذا الإنسان الدعوة فيما فيها من الاعتقاد ولم يصل لربه أي لم يتبعها فيما فيها من الفروع وركنها الصلاة ولكن كذب بها وتولى عنها ثم ذهب إلى أهله يتبختر ويختال مستكبرا. قوله تعالى "بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً" (الفرقان 11)، إضراب عن طعنهم فيه صلى الله عليه وآله واعتراضهم عليه بأكل الطعام والمشي في الأسواق بما يتضمن معنى التكذيب أي ما كذبوك وردوا نبوتك لأنك تأكل الطعام وتمشي في الأسواق فإنما هو كلام منهم صوري بل السبب الأصلي في إنكارهم نبوتك وطعنهم فيك أنهم كذبوا بالساعة وأنكروا المعاد، ومن المعلوم أن لا وقع للنبوة مع إنكار الساعة ولا معنى للدين والشريعة لو لا المحاسبة والمجازاة. قوله تعالى "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ" (ق 12) إلى قوله "كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ" (ق 14)، تهديد وإنذار لهم بما كذبوا بالحق لما جاءهم وتبين لهم عنادا كما أشرنا إليه قبل. وقد تقدم ذكر أصحاب الرس في تفسير سورة الفرقان، وذكر أصحاب الأيكة وهم قوم شعيب في سور الحجر والشعراء وص، وذكر قوم تبع في سورة الدخان. وفي قوله "كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ" (ق 14) إشارة إلى أن هناك وعيدا بالهلاك ينجز عند تكذيب الرسل قال تعالى "فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ" (النحل 36).
تكملة للحلقة السابقة جاء عن مؤسسة السبطين العالمية عن الكذب: دواعي الكذب وأسبابه: للكذب بواعث وأسباب متعددة أهمها: 1 ـ الاعتياد على هذه الخطيئة، لكثرة مزاولتها بسبب التأثر بالمحيط الموبوء بهذه الرذيلة، أو الجهل بامور الدين، وترك تزكية النفس. 2 ـ الطمع، من اجل الحصول على مكسب مادي أو معنوي باطل كطلب الجاه أو الرئاسة؛ فهذا الطمع يدفع بصاحبه الى استخدام الوسائل المختلفه من اجل اشباع نهمِه في ذلك ولو بافتعال الكذب. 3 ـ الحسد، فهولا يترك صاحبه دون ان يحاول الإيقاع بمحسودهِ والحطِّ منه بالكذب أو غيره من القبائح. 4 ـ العداء والخصومة، فهما عاملان قويان يدفعان أصحابهما الى تلفيق الأكاذيب وغيرها من اجل الوصول لاغراضهما؛ من هَدْرِ حقٍ أو اشفاء غيظ او غير ذلك. 5 ـ الشعور بالنقص ومحاولة دفعه بالتغطية عليه باصطناع الكمالات النفسيّة بالكذب. 6 ـ إضحاك الآخرين، باصطناع وتلفيق الأكاذيب، وقد ورد فيه تحذير شرعي شديد عن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم حيث قال: (ويلٌ للذي يُحدِّث فيكذب ليُضْحِك به القوم، ويلٌ له، ويلٌ له). 7 ـ الإغراء بالمال ونحوه، وعادةً مايكون هذا في أنواع الكذب الشديدة المبغوضة لدى الشارع المقدس، من قبيل شهادة الزور أو اِلصاقِ التُّهم بالابرياء، لإبطال الحقوق وأكلها بالباطل.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ" (ال عمران 61) بعد الآيات التي استدلّ فيها على بطلان القول بالوهية عيسى بن مريم، يأمر اللّه نبيّه بالمباهلة إذا جاءه من يجادله من بعد ما جاء من العلم و المعرفة. و أمره ان يقول لهم: إنّي سأدعو أبنائي، و أنتم ادعوا أبناءكم، و أدعو نسائي، و أنتم ادعوا نساءكم، و أدعو نفسي، و تدعون أنتم أنفسكم، و عندئذ ندعو اللّه أن ينزل لعنته على الكاذب منّا "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ" (ال عمران 61). و لا حاجة للقول بأنّ القصد من المباهلة لم يكن إحضار جمع من الناس للّعن، ثمّ ليتفرّقوا كلّ إلى سبيله، لأنّ عملا كهذا لن يكون له أيّ تأثير، بل كان المنتظر أن يكون لهذا الدعاء و اللعن أثر مشهود عيانا فيحيق بالكاذب عذاب فوري. و بعبارة أخرى: فإنّ المباهلة و إن لم يكن في الآية ما يشير إلى تأثيرها- كانت بمثابة (السهم الأخير) بعد أن لم ينفع المنطق و الاستدلال، فإنّ الدعاء وحده لم يكن المقصود بها، بل كان المقصود منها هو (أثرها الخارجي).
https://telegram.me/buratha