الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقتين السابقتين قال الله تعالى عن كلمة الكذب ومشتقاتها "وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ" ﴿النور 8﴾، و "لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـٰئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ" ﴿النور 13﴾، و "قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ" ﴿الشعراء 117﴾، و "وَمَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ" ﴿الشعراء 186﴾، و "يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ" ﴿الشعراء 223﴾، و "قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ" ﴿النمل 27﴾، و "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ" ﴿القصص 38﴾، و "وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ" ﴿العنكبوت 3﴾، و "وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" ﴿العنكبوت 12﴾، و "وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" ﴿لصافات 152﴾، و "أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ" ﴿الزمر 3﴾، و "وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ" ﴿غافر 28﴾، و "أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ﴿37 غافر﴾، و "لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ" ﴿الواقعة 2﴾، و "يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ۖ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ" ﴿المجادلة 18﴾، و "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ" ﴿الحشر 11﴾.
وفي الكافي، بإسناده عن الحسن الصيقل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا قد روينا عن أبي جعفر عليه السلام في قول يوسف "أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ" (يوسف 70) فقال: والله ما سرقوا وما كذب، وقال إبراهيم "بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ" (الانبياء 63) فقال: والله ما فعل وما كذب. قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما عندكم فيها يا صيقل؟ قلت: ما عندنا فيها إلا التسليم. قال: فقال: إن الله أحب اثنين وأبغض اثنين أحب الخطو فيما بين الصفين وأحب الكذب في الإصلاح، وأبغض الخطو في الطرقات وأبغض الكذب في غير الإصلاح، إن إبراهيم إنما قال: بل فعله كبيرهم إرادة الإصلاح ودلالة على أنهم لا يفعلون، وقال يوسف إرادة الإصلاح.
جاء في موقع سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي: نسبة الكذب إلى النبي صلى الله عليه وآله تستوجب لعن الله: لاشك أن واقعة المباهلة يمكن أن تكشف النقاب عن بعضا من أهم نتائج الكذب على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وقد ورد في كلام سماحة آية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي أن إحدى تلك نتائج هذه الصفة الرذيلة والشائبة الأخلاقية والاعتقادية هي نزول لعنة الله على الكاذبين، ويتحدث سماحته في جانب من كلامه قائلا: في آية المباهلة يتم الحديث عن قسم آخر من الكذب، وهو الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، ولعنة الله هي نتيجة الكاذبين؛ حيث قال الله سبحانه في ذيل آية المباهلة: "فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ" (ال عمران 61). وعليه فإن قصة المباهلة يمكن اعتبارها دليلا آخر على إيمان النبي الراسخ بدينه ودعوته لأن النبي صلى الله عليه وآله قال لخصومه إذا كنتم صادقين تعالوا إلى مباهلتي، وكل فريق منّا يطلب من الله أن يُنزل عليه العذاب ويفضح أمره إذا لم يكن صادقا، وهذا يكشف استعداده الكامل في هذا الطريق، وطبيعي أن مخالفيه وخصومه تراجعوا؛ لأنهم لم يكن لديهم عقيدة وإيمان بدينهم وما يدعونه. وردت روايات كثيرة في المصادر المعروفة والمعتبرة لأهل السنة وكذلك في مصادر أهل البيت عليهم السلام المعتبرة، كلها تصرح بأن: آية المباهلة نزلت في علي عليه السلام، وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام. ومن أكد على نزول آية (المباهلة) في حق أهل بيت النبي عليهم السلام وهم علي وفاطمة وابناهما عليهم السلام أكثر من عشرين شخصية من كبار علماء ومفسري أهل السنة الكبار، منهم" الإمام الفخر الرازي في تفسيره المعروف (ج 8، ص 85)، والطبري المفسر السني الكبير (تاريخ الطبري، ج 3، ص 407)، والسيوطي في تفسيره "الدر المنثور" (ج 2، ص 39)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص 68)، والبيضاوي في تفسيره الشهير (ج 2، ص 47). وكذلك إمام الحنابلة أحمد بن حنبل في "المسند" ج 1، ص 185، ومسلم في "الصحيح"، ج 7، ص 120، والحاكم في كتابه "المستدرك" ج 3، ص 150، وابن حجر العسقلاني في "الإصابة" ج 2، ص 503، وغيرهم.
جاء عن مؤسسة السبطين العالمية عن الكذب: أبشع أنواع الكذب: لهذه الموبقة صور وأشكال شوهاء متعددة تختلفُ شدَّتها وبشاعتها في القبح بتفاوت شدّة أضرارها ومفاسدها، ومن أبشعِ هذه الصور والاشكال هي: 1 ـ الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والائمة المعصومين عليهم السلام: ويعتبر هذا من أشدّ أنواع الكذب ومن الكبائر وأنه من المفطرات للصائم. قال تعالى "ومَنْ أظلمَ ممن افترى على الله كَذِباً أولئك يعرضون على ربِّهم ويقول الأشهادُ هؤلاء الذين كَذَبَوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظالمين" (هود 18). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (من كَذَب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار). وقال الإمام الصادق عليه السلام (الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأوصياء من الكبائر). وقال عليه السلام (اِنّ الكذبة لتفطر الصائم) قال الرواي: وأينا لا يكون ذلك منه؟ قال عليه السلام (ليس حيث ذهبت، انّما الكذب على الله تعالى وعلى رسوله وعلى الأئمة). 2 ـ اليمين الكاذبة: وهي قَسَمُ الأنسان على شئ كاذباً، فعلاً أو نتيجةً. أمّا فعلاً فهي اليمين التي يتحقق بها الكذب بمجرد القَسَم لأن موضوع القَسَم محِقق الكذب كما في: أ ـ حلف التاجر كذباً على جودة بضاعته أو سعر شرائها أو غير ذلك من الأُمور التي يلجأ اليها في تصريف بضاعته. ب ـ الحلف الكاذب في الخصومات قضائية أو غير قضائية. وأمّا نتيجة ً، فهي يمين الشخص على اجراء ما ألْزَمَ نفسه به مع طرفٍ آخر، ثمّ لا يلتزم باجراء ذلك من قبيل، الوعد المشفّع بالقَسَم. واعلم ان هذه الموبقة هي من العيوب البشعة والذنوب القبيحة التي شدّد الشارع المقدَّس في التحذير منها: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (اِيَّاكم واليمين الفاجره، فانَّها تدع الديار من أهلها بلاقع). وقال صلى الله عليه وآله وسلم (ثلاث نفر لا يكلّمهم الله يوم القيامة ولا ينظر اليهم ولا يزكّيهم: المنان بالعطية، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل اِزاره). 3 ـ شهادة الزور: وهي الإدلاء بمعلومات كاذبة لصالح أحد الأطراف المتخاصمة لتضييع حق الطرف الآخر في الخصومة، والإيقاع به سواء كان ذلك في مجالس القضاء أو غيرها. وهذه الأخرى كما يلاحظ: ذنب مقيت وموبقة كبيرة وجريمة نكراء، تهدربها الحقوق، وتظلم النفوس ويُستحّل بها ما حرّمهُ الله تعالى من دماء الأبرياء، وأموالهم وأعراضهم، ذمّها الشارع ووعد مقترفها النار. قال تعالى "والذين لا يشهدون الزور واِذا مرّوا باللّغوِ مَرّوا كِراما" (الفرقان 72). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (لا ينقضي كلام شاهد الزور من بين يدي الحاكم حتى يتبوأ مقعده من النار، وكذلك من كتم الشهادة). وقال صلى الله عليه وآله وسلم (شاهد الزور كعابد الوثن). 4 ـ خلف الوعد: وإن كان من مساوئ الأخلاق وقبحه ظاهر إلا أنه ليس من المحرَّمات الإلهية، ولذا فإنه قد عبر عنه في الحديث الآتي بأنه نذرٌ لا كفارة له، وهو عدم وفاء الشخص بما ألزم به نفسه تجاه طرفٍ آخر. وهذا أيضاً أحد صور الكذب القبيحة الشوهاء ذات النتائج السيئة والمفسدة للعلاقات الإجتماعية والمهددة للثقة المتبادلة بين الافراد. أكدَّ الشارع المقدس كتاباً وسنةً على ذمّها وأمرَ بالابتعاد عنها تنزيهاً للمؤمن من الأخلاق الذميمة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليف اذا وعد). وقال الإمام الصادق عليه السلام (عِدة المؤمن أخاه نذرُ لا كفارة له، فَمَنْ أخلف فبخلف الله بدأ، ولمقته تعرّض، وذلك قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون مالا تفعلون * كبر مقتاً عند الله أن تقولوا مالا تفعلون" (الصف 2-3).
https://telegram.me/buratha