الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن كلمة الكذب ومشتقاتها "فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ" ﴿آل عمران 184﴾ كذبوك: كذب فعل، الواو ضمير، الكاف ضمير، فإن كذَّبك أيها الرسول من أهل الكفر، فقد كذَّب المبطلون كثيرًا من المرسلين مِن قبلك، جاءوا أقوامهم بالمعجزات الباهرات والحجج الواضحات، "وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ" ﴿الحجر 80﴾، و "وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا" ﴿الإسراء 59﴾، و "إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ" ﴿طه 48﴾، و "بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا" ﴿الفرقان 11﴾، و "كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ" ﴿الشعراء 176﴾، و "وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ۖ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ" ﴿العنكبوت 18﴾، و "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ" ﴿العنكبوت 68﴾، و "وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ" ﴿فاطر 25﴾، و "إِن كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ" ﴿ص 14﴾، و "كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ" ﴿الزمر 25﴾، و "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ" ﴿الزمر 32﴾، و "وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ ۚ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ" ﴿ق 14﴾، و "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ" ﴿النجم 11﴾، و "وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ" ﴿الملك 18﴾، و "وَلَـٰكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ" ﴿القيامة 32﴾، و "الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ" ﴿الليل 16﴾، و "أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ" ﴿العلق 13﴾.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ" (الشعراء 105) واضح أن قوم نوح إنّما كذبوا نوحا فحسب. و لكن لمّا كانت دعوة المرسلين واحدة من حيث الأصول، فقد عدّ تكذيب نوح تكذيبا للمرسلين جميعا. كما و يحتمل أنّ قوم نوح أساسا كانوا منكرين لجميع الأديان و المذاهب، سواء قبل ظهور نوح أو بعده. تأنيث لفظ "كذبت" لأن "قوم" في معنى الجماعة، و الجماعة فيها تأنيث لفظي. إلّا أن الآلوسى قال في روح المعاني: إن لفظ "قوم" يستعمل في المذكر و المؤنث على السواء. إنّ الأشخاص الذين يتّهمون أولياء اللّه هم الكفار: "إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ" (النحل 105)، فهم الكاذبون و ليس أنت يا محمّد، لأنهم مع ما جاءهم من آيات بينات و أدلة قاطعة واضحة و لكنّهم يستمرون في إطلاق الافتراءات و الأكاذيب. فأيّة أكاذيب أكبر من تلك التي تطلق على رجال الحق لتحول بينهم و بين المتعطشين للحقائق.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (اِيّاكَم والكذب فاِنهُ يهدي الى الفجور وهما في النار). وقال امير المؤمنين عليه السلام (أعظم الخطايا عند الله اللسان الكذوب). وقال عليه السلام (تحفظوا من الكذب، فاِنه من أدنى الأخلاق قدرا وهو نوعٌ من الفحش، وضربٌ من الدناءة). وقال عليه السلام (ثمرة الكذب المهانة في الدنيا والعذاب في الآخرة). وقال الامام علي بن الحسين عليه السلام لولده : (اتقوا الكذب الكبير منه والصغير، في كل جدّ وهزلٍ، فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير). وقال الامام محمد الباقر عليه السلام (اِنّ الكذب خراب الإيمان). وقال عليه السلام (اِن الله عزّ وجل جعل للشرّ أقفالاً، وجعل مفاتيح تلك الاقفال الشراب، والكذب شرّ من الشراب). بما ان الاية تشير الى كذب احد الطرفين فيعني ان الطرف الاخر هو الصديق. لذلك فان محمدا واهل بيته هم الصديقون في اية المباهلة، وكما جاء في الحديث الشريف عن علي عليه السلام (انه الصديق الاكبر والفاروق بين الحق والباطل من احبه هداه الله) وكما جاء في الاية المباركة "وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ" (الحديد 19).
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ، وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ" ﴿آل عمران 61﴾. وقوله: تَعالَوْا اسم فعل أمر لطلب القدوم. وهو في الأصل أمر من تعالى يتعالى كترامي يترامى إذا قصد العلو. فكأنهم أرادوا به في الأصل أمرا بالصعود إلى مكان عال تشريفا للمدعو، ثم شاع حتى صار لمطلق الأمر بالقدوم أو الحضور. وقوله ثُمَّ نَبْتَهِلْ أى نتباهل ونتلاعن. فالافتعال هنا بمعنى المفاعلة أى بأن نقول: بهلة الله على الكاذب منا ومنكم. والبهلة بفتح الباء وضمها: اللعنة. يقال بهله الله يبهله بهلا لعنه الله وأبعده من رحمته ثم شاعت في كل دعاء مجتهد فيه وإن لم يكن التعانا. وروى الحافظ ابن مردويه عن جابر قال: قدم على النبي صلّى الله عليه وسلّم العاقب والطيب فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة، قال: فغدا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأخذ بيد على وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج. قال: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (والذي بعثني بالحق لو لاعنا لأمطر عليهم الوادي نارا).
https://telegram.me/buratha