الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن جزاء ومشتقاتها "تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ" ﴿القمر 14﴾ جزاء اسم، وحملنا نوحًا ومَن معه على سفينة ذات ألواح ومسامير شُدَّت بها، تجري بمرأى منا وحفظ، وأغرقنا المكذبين، جزاء لهم على كفرهم وانتصارًا لنوح عليه السلام، وفي هذا دليل على إثبات صفة العينين لله سبحانه وتعالى، كما يليق به، و "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ" ﴿الرحمن 60﴾ هل جزاء مَن أحسن بعمله في الدنيا إلا الإحسان إليه بالجنة في الآخرة؟ فبأي نِعَم ربكما أيها الثقلان تكذِّبان؟، و "جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" ﴿الواقعة 24﴾ ويطوف عليهم الغلمان بما يتخيرون من الفواكه، وبلحم طير ممَّا ترغب فيه نفوسهم، ولهم نساء ذوات عيون واسعة، كأمثال اللؤلؤ المصون في أصدافه صفاءً وجمالا؛ جزاء لهم بما كانوا يعملون من الصالحات في الدنيا، و "فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ" ﴿الحشر 17﴾ فكان عاقبة أمر الشيطان والإنسان الذي أطاعه فكفر، أنهما في النار، ماكثَيْن فيها أبدًا، وذلك جزاء المعتدين المتجاوزين حدود الله، و "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا" ﴿الانسان 9﴾ ويقولون في أنفسهم: إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله، وطلب ثوابه، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم.
وجود أثر يخلد المضحين ضد الظالمين يجعل الذين استسلموا للظالم والمتفرجون والساكتون عن ظلمه خلال حكمه ان يستغفروا الله ويتوبوا اليه لان الله لا يحب من استضعف امام الظالم كونه ظلم نفسه كما قال الله تبارك وتعالى "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" (النساء 97) نزلت الآية في المسلمين الذين تخلفوا في الهجرة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الى المدينة. فكانت عاقبتهم سيئة في الدنيا حيث احرقت قريش ممتلكاتهم وخسروا الاخرة لعدم الهجرة. ومن الهجرات الناجحة قبل هجرة المدينة هجرة المسلمين الى الحبشة لوجود ملك عادل غير ظالم. و اذا لم تستطع اقامة شعائرك الدينية بدون خوف فعليك الهجرة من بلدك والا فانك ظالم لنفسك. مفسرون يؤكدون ان الآية اوجبت الهجرة لمن لا يستطيع ان يقوم بواجباته العبادية.
جاء في کتاب التشريع الإسلامي مناهجه و مقاصده للسيد محمد تقي المدرسي: ولقد راينا: كيف ان خلق السموات والارض بالحق يهدينا الى ان الحياة ليست عبثا، واذا لم تكن الدنيا دار جزاء، فان دارا احرى هيئها الرب للجزاء وان اليه المصير (وهكذا نجد عادة هذه الكلمة تاتي مع التذكرة بالاخرة). قال الله تعالى: "خلق السموات والارض بالحق، وصوركم فاحسن صوركم، واليه المصير" (التغابن 3). وصدق وعد الله بالجزاء الاوفى في الآخرة، يشهد له ما نجده في الحياة الدنيا من الجزاء الادنى، وان وعد الله بكلا الامرين حق، ويبدوا ان الآية التالية تهدينا الى ذلك، قال الله تعالى: "الا ان لله ما في السموات والارض الا ان وعد الله حق ولكن اكثرهم لا يعلمون" (يونس 55). القول نحن ابناء الله واحباؤه، للتهرب من تبعة افعالهم. ولكن الله ردهم بانهم مسؤلون عن افعالهم في الدنيا. والدليل الواضح على ذلك، ان الله يعذبهم بأفعالهم في الدنيا (والدنيا ليست دار جزاء)، وهذا دليل على انهم ليسوا ابناء الله واحباءه، بل بشر ممن خلق. قال الله تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَآءُ اللّهِ وَأَحِبَّآؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنْتُم بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" (المائدة 18). والله سبحانه لم يعطهم عهداً بألّا يعذبهم بذنبوبهم إلّا أياماً قليلة، وانما هم يقولون على الله مالا يعلمون، (بل هو مجرد اماني يتهربون بها عن المسؤولية بزعمهم). وهكذا يؤكد القرآن سنة الجزاء، وان من احاطت به خطيئته فان مصيره الى النار خالداً فيها. قال الله سبحانه: "وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلآَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدَاً فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَالا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ اوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 80- 82).
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن مصير ومشتقاتها "وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ" ﴿لقمان 14﴾ الْمَصِيرُ: الْ اداة تعريف، مَصِيرُ اسم، أنِ اشكر لي ولوالديك إلىَّ المصير: أي المرجع، وأَمَرْنا الإنسان ببرِّ والديه والإحسان إليهما، حَمَلَتْه أمه ضعفًا على ضعف، وحمله وفِطامه عن الرضاعة في مدة عامين، وقلنا له: اشكر لله، ثم اشكر لوالديك، إليَّ المرجع فأُجازي كُلا بما يستحق، و "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ۚ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ۗ إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ ۚ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ" ﴿فاطر 18﴾، و "غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ" ﴿غافر 3﴾، و "فَلِذَٰلِكَ فَادْعُ ۖ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ ۖ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ ۖ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ۖ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ ۖ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ" ﴿الشورى 15﴾.
تكملة للحلقة السابقة جاء في موقع مع الله عن مفهوم الْمَصِيرُ في القرآن الكريم: مصيرالمتقين: الجنة مصير المتقين قال الله تعالى: "قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً" (الفرقان 15) قل لهم أيها الرسول: أهذه النار التي وُصِفتْ لكم خيرٌ أم جنة النعيم الدائم التي وُعِد بها الخائفون من عذاب ربهم، كانت لهم ثوابًا على عملهم، ومآلا يرجعون إليه في الآخرة؟ 5- الحاجة إلى الوعي بالمصير: الإنسان هو من يقرر مصيره الأخروي؛ فمن حافظ على جوارحه من الوقوع في المعاصي وأدى ما أوجب الله سبحانه عليه فقد فاز وباع نفسه لله، ومن خالف أوامر الله سبحانه فقد باع نفسه للشيطان. 1- بيان كون الإنسان يقرر مصير نفسه: كل إنسان مرهون بعمله، لا يحمل ذنب غيره من الناس.والله يجازي كل إنسان بما عمل مِن خير أو شر. قال الله تعالى: "كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ" الطور 21) "وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَىٰ نَفْسِهِ" (النساء 111). "لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ" (إبراهيم 51). "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ" (النجم 39). "مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ" (النساء 123) لا يحصل للإنسان من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه بسعيه. 2- بيان قيمة الحياة الدنيا في مقابل الآخرة وما فيها من الجزاء لأن الإنسان ينسى ويغفل، تحوط بنفسه عوارض تعرض لها فتحجبه عن معرفة الحقيقة، فإذا لم يجد من يذكره استمر في نسيانه وغفلته. قال الله تعالى: "وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت 64) وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب، تلهو بها القلوب وتلعب بها الأبدان؛ بسبب ما فيها من الزينة والشهوات، ثم تزول سريعًا، وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية الدائمة التي لا موت فيها، لو كان الناس يعلمون ذلك لما آثروا دار الفناء على دار البقاء. قال الله تعالى: "وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" (آل عمران 185) كل نفس لا بدَّ أن تذوق الموت، وبهذا يرجع جميع الخلق إلى ربهم، ليحاسبهم. وإنما تُوفَّون أجوركم على أعمالكم وافية غير منقوصة يوم القيامة، فمن أكرمه ربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة فقد نال غاية ما يطلب. وما الحياة الدنيا إلا متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها. وما الحياة الدنيا إلا متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها. قال الله تعالى: "يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ" (غافر 39) يا قوم إن هذه الحياة الدنيا حياة يتنعَّم الناس فيها قليلا ثم تنقطع وتزول، فينبغي ألا تَرْكَنوا إليها، وإن الدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم هي محل الإقامة التي تستقرون فيها، فينبغي لكم أن تؤثروها، وتعملوا لها العمل الصالح الذي يُسعِدكم فيها.
https://telegram.me/buratha