الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن لغوب "الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ" ﴿فاطر 35﴾ لغوب اسم، لُغُوبٌ: الإعياء من التعب، ولا يمسنا فيها لغوب: إعياء من التعب لعدم التكليف فيها، وذكر الثاني التابع للأول للتصريح بنفيه، جنات إقامة دائمة للذين أورثهم الله كتابه يُحلَّون فيها الأساور من الذهب واللؤلؤ، ولباسهم المعتاد في الجنة حرير أي: ثياب رقيقة. وقالوا حين دخلوا الجنة: الحمد لله الذي أذهب عنا كل حَزَن، إن ربنا لغفور، حيث غفر لنا الزلات، شكور؛ حيث قبل منا الحسنات وضاعفها. وهو الذي أنزلَنا دار الجنة من فضله، لا يمسنا فيها تعب ولا إعياء، و "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ" ﴿ق 38﴾ اللغوب: النَّصَب و الإعياء، ولقد خلقنا السموات السبع والأرض وما بينهما من أصناف المخلوقات في ستة أيام، وما أصابنا من ذلك الخلق تعب ولا نَصَب، وفي هذه القدرة العظيمة دليل على قدرته سبحانه على إحياء الموتى من باب أولى.
جاء في معاني القرآن الكريم: اللغوب: التعب والنصب. يقال: أتانا ساغبا لا غبا (انظر: أساس البلاغة (لغب)، والمجمل 3/810)، أي: جائعا تعبا. قال: "وما مسنا من لغوب" (ق 38). وسهم لغب: إذا كان قذذه (القذذ: جمع قذة، وهي ريش السهم. وللسهم ثلاث قذذ، وهي آذانه. اللسان (قذذ)) ضعيفة، ورجل لغب: ضعيف بين اللغابة. وقال أعرابي: فلان لغوب أحمق، جاءته كتابي فاحتقرها. أي: ضعيف الرأي، فقيل له في ذلك: لم أنثث الكتاب وهو مذكر؟ فقال: أو ليس صحيفة (وهذه الرواية حكاها أبو عمرو بن العلاء عن أعرابي من أهل اليمن. انظر: اللسان (لغب)، والمجمل 3/810). عن تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (لغب) "لغوب" (فاطر 35) (ق 38) إعياء.
جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ" (ق 38) اللغوب بمعنى التعب و بديهي أنّ من لديه قدرة محدودة و أراد أن يعمل عملا فوق طاقته و قدرته فإنّه يتعب و يناله اللغوب و النصب، إلا أنّ من كان ذا قدرة لا نهاية لها، و قوّة لا حدّ لها فإنّ التعب و النصب و اللغوب لا تعني شيئا لديه. فعلى هذا من كان قادرا على إيجاد السماوات و الأرض و خلق الكواكب و المجرّات و أفلاكها جميعا، قادر على إعادة الإنسان بعد موته و أن يلبسه ثوبا جديدا من الحياة. في حديث عن الإمام الصادق أنّه أمر بعض أصحابه (و لعلّه كان لا يطيق بعض الظروف الصعبة في ذلك الزمان): (عليك بالصبر في جميع أمورك. ثمّ قال عليه السّلام إنّ اللّه بعث محمّدا و أمره بالصبر و المداراة فصبر حتّى نسبوا إليه ما لا يليق فضاق صدره فأنزل اللّه عليه الآية: "وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ" (الحجر 97-98). فصبر فكذّبوه أيضا، و رشقوه بنبال التّهم من كلّ جانب فحزن و تأثّر لذلك، فأنزل اللّه عليه تسلية قوله: "قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَ أُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا" (الانعام 33-34). ثمّ يضيف الإمام عليه السّلام أنّ النّبي و اصل صبره إلّا أنّهم تجاوزوا الحدّ فكذّبوا اللّه فقال النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم قد صبرت في نفسي و أهلي و عرضي و لا صبر لي على ذكر إلهي فأنزل اللّه عزّ و جلّ: وَ لَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَ ما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ" (ق 38) أي خلقنا السماوات و الأرض في عدّة فترات و لم نعجل و لم يمسّنا تعب و نصب، فعليك أن تصبر، فصبر النّبي في جميع أحواله ما كان يواجهه حتّى انتصر على أعدائه).
https://telegram.me/buratha