الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن أصحاب الرس "وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا" ﴿الفرقان 38﴾ الرَّسِّ: ال اداة تعريف، رَّسِّ اسم، أَصْحَابَ الرَّسِ: الرس بئر رسوا فيها نبيهم أي دفنوه فيها، وأصحاب الرَّسَّ: اسم بئر، ونبيهم قيل شعيب وقيل غيره كانوا قعودا حولها فانهارت بهم وبمنازلهم، وأهلكنا عادًا قوم هود، وثمود قوم صالح، وأصحاب البئر وأممًا كثيرة بين قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرسِّ، لا يعلمهم إلا الله، و "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ" ﴿ق 12﴾ وَأَصْحَابُ: وَ حرف عطف، أَصْحَابُ اسم، الرسّ: البئر التي لم تُطوَ، و أصحاب الرس قوم لهم بئر ترويهم و تكفي أراضيهم قتلوا نبيهم، وأصحاب الرس: هي بئر كانوا مقيمين عليها بمواشيهم يعبدون الأصنام ونبيهم: قيل حنظلة بن صفوان وقيل غيره، كذَّبت قبل هؤلاء المشركين من قريش قومُ نوح وأصحاب البئر وثمود، وعاد وفرعون وقوم لوط، وأصحاب الأيكة قومُ شعيب، وقوم تُبَّع الحِمْيَري، كل هؤلاء الأقوام كذَّبوا رسلهم، فحق عليهم الوعيد الذي توعدهم الله به على كفرهم. جاء في معاني القرآن الكريم: صحب الصاحب: الملازم إنسانا كان أو حيوانا، أو مكانا، أو زمانا، ولا فرق بين أن تكون مصاحبته بالبدن وهو الأصل والأكثر أو بالعناية والهمة.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً" (الفرقان 38) من هم "أصحاب الرس" كلمة رسّ في الأصل بمعنى الأثر القليل، فيقال مثلا رسّ الحديث في نفسي (قليل من حديثه في ذاكرتي) أو يقال: وجد رسّا من حمى (يعني: وجد قليلا من الحمّى في نفسه). و جماعة من المفسّرين اعتقدوا بأن "الرسّ" بمعنى البئر. على أية حال فتسمية هؤلاء القوم بهذا الاسم، إمّا لأنّ أثرا قليلا جدا بقي منهم، أو لأنّهم كانت لهم آبار كثيرة، أو لأنّهم هلكوا و زالوا بسبب جفاف آبارهم. من هم هؤلاء القوم؟ هناك أقوال كثيرة بين المؤرخين و المفسّرين: 1- يرى كثيرون أن «أصحاب الرس» كانوا طائفة تعيش في اليمامة و بعث لهم نبي اسمه (حنظلة) كذبوه و ألقوه في بئر، و ذكروا أيضا: إنّهم ملأوا هذا البئر بالرماح، و أغلقوا فم البئر بعد إلقاء النّبي فيها بالحجارة حتى استشهد ذلك النبي. 2- البعض الآخر يرى أن "أصحاب الرسّ" إشارة إلى قوم (شعيب) الذين كانوا يعبدون الأصنام، و كانوا ذوي أغنام كثيرة و آبار ماء، و "الرسّ" كان اسما لبئر عظيم، حيث أغاضه اللّه، فأهلك أهل ذلك المكان. 3- بعض آخر يعتقد أن "الرسّ" كانت قرية في أرض "اليمامة" حيث كان يعيش فيها جماعة من بقايا قوم ثمود، فهلكوا نتيجة طغيانهم و غرورهم. 4- و ذهب آخرون أنّهم كانوا جماعة من العرب الماضين، يعيشون بين الشام و الحجاز. 5- بعض التفاسير يعرّف "أصحاب الرسّ" من بقايا عاد و ثمود، و يعتبر "وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ" (الحج 45) متعلقة بهم أيضا، و ذكر أن موطنهم في حضر موت و اعتقد الثعلبي في عرائس البيان أن هذا القول هو الأكثر اعتبارا. البعض الآخر من المفسّرين طبقوا الرس على أرس (في شمال آذربيجان) 6- العلامة الطبرسي في مجمع البيان، و الفخر الرازي في التّفسير الكبير، و الآلوسي في روح المعاني نقلوا من جملة الاحتمالات، أنّهم قوم يعيشون في أنطاكية الشام، و كان نبيهم حبيب النجار.
يستمر الشيخ الشيرازي في تفسيره لأصحاب الرس قائلا: 7- في عيون أخبار الرضا، نقل حديث طويل حول "أصحاب الرس" خلاصته: «إنّهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبر يقال لها (شاه درخت) كان يافث بن نوح غرسها بعد الطوفان على شفير عين يقال لها (روشن آب) و كان لهم اثنتا عشرة قرية معمورة على شاطئ نهر يقال له الرسّ، يسمين بأسماء: آبان، آذر، دي، بهمن أسفندار، فروردين، أردي بهشت، خرداد، مرداد، تير، مهر، شهريور، و منها اشتقّ العجم أسماء شهورهم. و قد غرسوا في كل قرية منها من طلع تلك الصنوبرة حبّة. أجروا عليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة، و حرّموا شرب مائها على أنفسهم و أنعامهم، و من شرب منه قتلوه، و يقولون: إنّه حياة الآلهة فلا ينبغي لأحد أن ينقص حياتها. و قد جعلوا في كل شهر من السنة يوما في كل قرية، عيدا، يخرجون فيه إلى الصنوبرة التي خارج القرية يقربون إليها القرابين و يذبحون الذبائح ثمّ يحرقونها في النار فيسجدون للشجرة عند ارتفاع دخانها و سطوعه في السماء و يبكون و يتضرعون، و الشيطان يكلمهم من الشجرة. و كان هذا دأبهم في القرى حتى إذا كان يوم عيد قريتهم العظمى التي كان يسكنها ملكهم و اسمها (أسفندار) اجتمع إليها أهل القرى جميعا و عيّدوا اثني عشر يوما، و جاءوا بأكثر ما يستطيعونه من القرابين و العبادات للشجرة، و كلّمهم إبليس و هو يعدهم و يمنيهم أكثر ممّا كان من الشياطين في سائر الأعياد من سائر الشجر. و لما طال منهم الكفر باللّه و عبادة الشجرة، بعث اللّه إليهم رسولا من بني إسرائيل من ولد يهودا، فدعاهم برهة إلى عبادة اللّه و ترك الشرك، فلم يؤمنوا، فدعا على الشجرة فيبست، فلما رأوا ذلك ساءهم، فقال بعضهم: إنّ هذا الرجل سحر آلهتنا، و قال آخرون: إنّ آلهتنا غضبت علينا بذلك لما رأت هذا الرجل يدعونا إلى الكفر بها فتركناه و شأنه من غير أن نغضب لآلهتنا. فاجتمعت آراؤهم على قتله فحفروا بئرا عميقا و ألقوه فيها، و سدّوا فوهتها، فلم يزالوا عليها يسمعون أنينه حتى مات، فأتبعهم اللّه بعذاب شديد أهلكهم عن آخرهم. قرائن متعددة تؤيد مضمون هذا الحديث، لأن مع وجود ذكر أصحاب الرسّ في مقابل عاد و ثمود يكون احتمال أنّهم جماعة من هاتين الأمتين بعيدا جدا. كذلك، فإنّ وجود هؤلاء القوم في الجزيرة العربية و الشامات و تلك الحدود و هو الذي احتمله الكثيرون بعيد أيضا، ذلك لأنّه يجب أن يكون له انعكاس في تاريخ العرب بحسب العادة، في الوقت الذي لم نر حتى انعكاسا ضئيلا لأصحاب الرس لديهم. مضافا الى ذلك توافقه مع كثير من التفاسير الأخرى، من جملتها: أنّ الرس كان اسما لبئر (البئر التي ألقوا فيها نبيهم) أو أنّهم كانوا أصحاب زراعة و مواشي و أمثال ذلك. و ما ورد في رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام: أنّ نساءهم كن منحرفات جنسيا و يمارسن المساحقة لا منافاة له مع هذا الحديث أيضا. و من عبارة (نهج البلاغة، الخطبة 180) يستفاد أنه كان لهم أكثر من نبيّ واحد فقط، لأنّه عليه السّلام يقول: (أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيّين، و أطفأوا سنن المرسلين، و أحيوا سنن الجبارين؟). و كلام أمير المؤمنين عليه السّلام هذا لا يتنافى مع الرواية أعلاه، لأنّ من الممكن أن الرواية تشير إلى مقطع من تاريخهم و كان قد بعث نبيّ فيهم.
https://telegram.me/buratha