الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن المناسك ومشتقاتها "فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ" ﴿البقرة 200﴾ مَنَاسِكَكُمْ: مَّنَاسِكَ اسم، كُمْ ضمير، مناسككم: عباداتكم التي تؤدونها أيام الحج، مناسككم: عبادات حجكم بأن رميتم جمرة العقبة وطفتم واستقررتم بمنى، فإذا أتممتم عبادتكم، وفرغتم من أعمال الحج، فأكثروا من ذكر الله والثناء عليه، مثل ذكركم مفاخر آبائكم وأعظم من ذلك، فمن الناس فريق يجعل همه الدنيا فقط، فيدعو قائلا ربنا آتنا في الدنيا صحة، ومالا وأولادًا، وهؤلاء ليس لهم في الآخرة حظ ولا نصيب، لرغبتهم عنها وقَصْرِ هَمِّهم على الدنيا، و "رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" ﴿البقرة 128﴾ مَنَاسِكَنَا: مَنَاسِكَ اسم، نَا ضمير، أَرِنَا مَنَاسِكَنَا: علمنا كيف نحج بيتك، مناسكنا: شرائع عبادتنا أو حجنا، ربنا واجعلنا ثابتَيْن على الإسلام، منقادَيْن لأحكامك، واجعل من ذريتنا أمة منقادة لك، بالإيمان، وبصِّرْنا بمعالم عبادتنا لك، وتجاوز عن ذنوبنا، إنك أنت كثير التوبة والرحمة لعبادك، و "مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ" ﴿البقرة 196﴾ نسك اسم، النسك: الذبح لله، و المراد هنا الشاة، و النسيكة: الذبيحة، وأدُّوا الحج والعمرة تامَّيْنِ، خالصين لوجه الله تعالى. فإن منعكم عن الذهاب لإتمامهما بعد الإحرام بهما مانع كالعدو والمرض، فالواجب عليكم ذَبْحُ ما تيسر لكم من الإبل أو البقر أو الغنم تقربًا إلى الله تعالى؛ لكي تَخْرُجوا من إحرامكم بحلق شعر الرأس أو تقصيره، ولا تحلقوا رؤوسكم إذا كنتم محصرين حتى ينحر المحصر هديه في الموضع الذي حُصر فيه ثم يحل من إحرامه، كما نحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية ثم حلق رأسه، وغير المحصر لا ينحر الهدي إلا في الحرم، الذي هو محله في يوم العيد، اليوم العاشر وما بعده من أيام التشريق. فمن كان منكم مريضًا، أو به أذى من رأسه يحتاج معه إلى الحلق وهو مُحْرِم حَلَق، وعليه فدية: بأن يصوم ثلاثة أيام، أو يتصدق على ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام، أو يذبح شاة لفقراء الحرم. فإذا كنتم في أمن وصحَّة: فمن استمتع بالعمرة إلى الحج وذلك باستباحة ما حُرِّم عليه بسبب الإحرام بعد انتهاء عمرته، فعليه ذبح ما تيسر من الهدي، فمن لم يجد هَدْيًا يذبحه فعليه صيام ثلاثة أيام في أشهر الحج، وسبعة إذا فرغتم من أعمال الحج ورجعتم إلى أهليكم، تلك عشرة كاملة لا بد من صيامها. ذلك الهَدْيُ وما ترتب عليه من الصيام لمن لم يكن أهله من ساكني أرض الحرم، وخافوا الله تعالى وحافظوا على امتثال أوامره واجتناب نواهيه، واعلموا أن الله شديد العقاب لمن خالف أمره، وارتكب ما عنه زجر.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته: (النسك) يعني العبادة، و الناسك هو العابد، و مناسك الحجّ تعني المواقف التي تؤدّى فيها هذه العبادة، أو إنّها عبارة عن الأعمال نفسها. إلّا أنّ العلّامة الطبرسي يقول في مجمع البيان و أبو الفتوح الرازي في روح الجنان: (المنسك) (على وزن منصب) يمكن أن يعني على وجه التخصيص الأضحية، بين عبادات الحجّ الاخرى. و لهذا خصّ المنسك رغم مفهومه العام و شموله أنواع العبادات في مراسم الحجّ هنا بتقديم الأضحية بدلالة "لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ" (الحج 34). و على كلّ حال فإنّ مسألة الأضحية كانت دوما مثار سؤال، لامتزاج التعبّد بها بخرافات المشركين الذين يتقرّبون بها إلى أوثانهم على نهج خاصّ بهم.
جاء في التفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: قوله تعالى "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ" (المائدة 2) والمراد بشعائر الله هنا: حدوده التي حدها، وفرائضه التي فرضها وأحكامه التي أوجبها على عباده. والمراد بشعائر الله هنا: حدوده التي حدها، وفرائضه التي فرضها وأحكامه التي أوجبها على عباده. ويرى بعضهم أن المراد بشعائر الله هنا: مناسك الحج وما حرمه فيه من لبس للثياب في أثناء الإحرام. ومن غير ذلك من الأفعال التي نهى الله عن فعلها في ذلك الوقت فيكون المعنى. والقول الأول أولى لشموله جميع التكاليف التي كلف الله بها عباده. وقد رجحه ابن جرير بقوله: وأولى التأويلات بقوله: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ قول من قال: لا تحلوا حرمات الله، ولا تضيعوا فرائضه. فيدخل في ذلك مناسك الحج وغير ذلك من حدوده وفرائضه وحلاله وحرامه. قال الإمام الرازي: اعلم أن الله- تعالى بين أولا تفصيل مناسك الحج، ثم أمر بعدها بالذكر فقال: "فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ" (البقرة 198) ثم بين أن الأولى أن يترك ذكر غيره وأن يقتصر على ذكره سبحانه ثم بين بعد ذلك كيفية الدعاء فقال: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ. وما أحسن هذا الترتيب فإنه لا بد من تقديم العبادة لكسر النفس وإزالة ظلماتها ثم بعد العبادة لا بد من الاشتغال بذكر الله تعالى لتنوير القلب وتجلى نور جلاله. شهر ذو الحجة وقت مناسك الحج، ففيها الإحرام، والطواف، والوقوف بعرفة. قال القرطبي: والنسك: جمع نسيكه، وهي الذبيحة ينسكها العبد لله- تعالى- وتكون من الإبل والبقر والغنم ويجمع أيضا على نسائك. والنسك: العبادة في الأصل، ومنه قوله تعالى: "وَأَرِنا مَناسِكَنا" (البقرة 128) أى: متعبداتنا. وقيل: أصل النسك في اللغة الغسل ومنه نسك ثوبه إذا غسله، فكأن العابد غسل نفسه من أدران الذنوب بالعبادة. وقيل: النسك سبائك الفضة التي خلصت من الخبث، كل سبيكة منها نسيكة، فكأن العابد خلص نفسه من دنس الآثام. وقوله تعالى: "مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ" ﴿البقرة 196﴾ بيان لجنس الفدية. والمنسك بفتح السين وكسرها مأخوذ من النسك بمعنى العبادة، فيجوز أن يراد به النسك نفسه، ويجوز أن يراد به مكانه أو زمانه. ويبدو أن المراد به هنا عبادة خاصة وهي الذبح تقربا إلى الله تعالى. قال الآلوسى: والمنسك موضع النسك إذا كان اسم مكان، أو النسك إذا كان مصدرا. قوله تعالى "فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً" (البقرة 200). المناسك: جمع منسك مشتق من نسك نسكا من باب نصر إذا تعبد. والمراد هنا العبادات التي تتعلق بالحج. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان أهل الجاهلية يقفون في الموسم بين مسجد منى وبين الجبل بعد فراغهم من الحج يذكرون فضائل آبائهم فيقول الرجل منهم. كان أبى يطعم الطعام ويحمل الديات ليس لهم ذكر غير فعال آبائهم فأنزل الله تعالى على نبيه صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية. والمعنى: فإذا فرغتم من عباداتكم، وأديتم أعمال حجكم، فتوفروا على ذكر الله وطاعته كما كنتم تتوفرون على ذكر مفاخر آبائكم، بل عليكم أن تجعلوا ذكركم لله تعالى أشد وأكثر من ذكركم لمآثر آبائكم، لأن ذكر مفاخر الآباء إن كان كذبا أدى إلى الخزي في الدنيا والعقوبة.
https://telegram.me/buratha