الدكتور فاضل حسن شريف
بعض المفسرين شملوا شعائر الله مناسك الحج الاخرى مثل الطواف حول البيت الحرام "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ" (ال عمران 96) و "جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ" (المائدة 97). و جعلوا الصلاة عند مقام ابراهيم عليه السلام من شعائر الحج و"وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" (البقرة 125)، و "فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (ال عمران 97)، واضافوا لها البيوت في الاية المباركة "فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ" (النور 36) وجاء في الحديث الشريف: البيوت هي بيوت الانبياء عليهم السلام، ومن افضلها بيت علي وفاطمة عليهما السلام "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ" (الاحزاب 53). وقال امير المؤمنين عليه السلام (نحن الشعار والأصحاب والخزنة والأبواب، لا تؤتى البيوت إلّا من أبوابها، فمَن أتاها من غير أبوابها سُمّي سارقاً). ورد في القرآن الكريم استحباب أو وجوب الصلاة عند المقام بعد الطواف كما في قوله تعالى "وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى" (البقرة 125) و هذا مما يجمع عليه المسلمون. يقول المرجع السيد محمد سعيد الحكيم عن قوله تعالى "وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل إن طهراً بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود" (البقرة 125)، بدعوى أن أمره تعالى بتطهير البيت لا يكون إلا لأن يتعبد فيه بطواف أو اعتكاف أو ركوع أو سجود، لا لمجرد اللبث والمكث ولو لغير العبادة من سكنى أو بيتوتة أو بيع ونحو ذلك كما هو مقتضى مناسبة الحكم والموضوع. أن جعل الاعتكاف قسيماً للطواف وللركوع والسجود أي الصلاة وعده في قبالهما لهما فيه دلالة واضحة على أنه بنفسه عبادة مستقلة لا يعتبر فيها ضمّ عبادة أخرى إليها. وبما دل على الامر بالمسارعة للخير من الآية "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" (البقرة 148).
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ" (البقرة 158). النّزول: كان المشركون في الجاهلية يأتون مكة لأداء مناسك الحج، و كانت هذه المناسك ذات أصل إبراهيمي مع كثير من التحريف و الخرافات و الشرك. فكانت المناسك عبارة عن الوقوف بعرفات و الاضحية و الطّواف و السّعي بين الصفا و المروة. و لكن بشكل خاص بالجاهليين. و جاء الإسلام و أصلح هذه المناسك، و طهّرها مما علق بها من تحريف، و أقرّ ما كان صحيحا منها و من جملتها السعي بين الصفا و المروة. و استنادا إلى روايات المؤرخين من الشّيعة و أهل السّنة أن المشركين كانوا يسعون بين الصفا و المروة، و قد وضعوا على الصفا صنما اسمه أساف، و على المروة صنما آخر سموه نائلة و كانوا يتمسحون بهما لدى السعي، من هنا خال المسلمون أن السعي بين الصفا و المروة عمل غير صحيح، و كرهوا أن يفعلوا ذلك. الآية المذكورة نزلت لتعلن أن الصفا و المروة من شعائر اللّه، و تلويثها بالشرك على يد الجاهليين لا يبرر إعراض المسلمين عن السعي بينهما. و اختلف المفسرون في وقت نزول الآية، منهم من قال إنها نزلت في (عمرة القضاء) في السنة السابعة للهجرة، و كان من شروط النّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم مع المشركين في هذه السفرة رفع الصنمين من الصفا و المروة، و قد عملوا بهذا الشرط، لكنهم أعادوهما إلى محلهما. و هذا أدّى إلى كراهة المسلمين و السعي بين الصفا و المروة، فنزلت الآية لتنهاهم عن هذه الكراهة. و قيل إنّها نزلت في حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة. و من المؤكد أن مكة كانت في هذه السنة خالية من الأصنام. و من هنا يلزمنا أن نعتبر كراهة المسلمين السعي بين الصفا و المروة بسبب السوابق التاريخية لهذين المكانين حيث انتصب فيهما (أساف و نائلة). من أجل إحياء كل تلك الأحاسيس و المشاعر في النفوس، أمر اللّه الحجيج أن يسعوا سبع مرات بين الصفا و المروة. أضف إلى ما تقدم أن السعي يقضي على كبر الإنسان و غروره، فلا أثر للتبختر و التصنع في السعي، بل لا بدّ من قطع هذه المسافة ذهابا و مجيئا مع كافة النّاس، و بنفس لباس النّاس، و بهرولة أحيانا و لذلك ورد في الروايات أن السعي إيقاظ للمتكبرين. على أية حال، بعد أن ذكرت الآية أن الصفا و المروة من شعائر اللّه، أكدت عدم وجود جناح على من يطوّف بهما في الحج و العمرة، و الطواف بين الصفا و المروة هو السعي بينهما، لأن الحركة التي يعود فيها الإنسان إلى حيث ابتدأ هي طواف و إن لم تكن الحركة دائري. كلمة الطوفان مشتقّة من مادة (الطوف) على وزن خوف و تعني الشيء الذي يطوف و يدور، ثمّ أطلقت هذه اللفظة على الحادثة التي تحيط بالإنسان، و لكنّها أطلقت في اللغة على السيول و الأمواج المدمرة التي تأتي على كل شيء في الأغلب، و بالتالي تدمر البيوت، و تقتلع الأشجار من جذورها.
جاء في إستفتاءات للمرجع السيد الامام السيستاني حول طواف البيت الحرام: واجبات الطواف: تعتبر في الطواف أمور ثمانية: الأول والثاني: الابتداء من الحجر الأسود والانتهاء به في كل شوط ، والظاهر حصول ذلك بالشروع من أي جزء منه والختم بذلك الجزء ، وإن كان الأحوط استحباباً أن يمرّ بجميع بدنه على جميع الحجر في البدأ والختام. ويكفي في تحقق الاحتياط أن يقف في الشوط الأول دون الحجر بقليل ، وينوي الطواف من الموضع الذي تتحقّق فيه المحاذاة المعتبرة واقعاً، ثم يستمرّ في الدوران سبعة أشواط، وليتجاوز الحجر في نهاية الشوط الأخير قليلاً، قاصداً ختم الطواف في موضع تحقق المحاذاة المعتبرة في الواقع أيضاً، وبذلك يعلم بتحقق الابتداء والاختتام بالحجر الواجبين عليه واقعاً. الثالث: جعل الكعبة على يساره في جميع أحوال الطواف، فإذا استقبل الطائف الكعبة لتقبيل الأركان أو لغيره، أو ألجأه الزحام إلى استقبال الكعبة أو استدبارها أو جعلها على اليمين، فذلك المقدار لا يعدّ من الطواف. والظاهر أن العبرة في جعل الكعبة على اليسار بالصدق العرفي كما يظهر ذلك من طواف النبي صلى الله عليه وآله وسلم راكباً، ولا حاجة إلى المداقّة في ذلك بتحريف البدن عند فتحتي حجر إسماعيل وعند الأركان الأربعة. الرابع: إدخال حجر إسماعيل في المطاف، بمعنى أن يطوف خارج الحجر، لا من داخله ولا على جداره. الخامس: خروج الطائف عن الكعبة وعن الصُفّة التي في أطرافها المسمّاة ب (شاذروان). السادس: أن يطوف بالبيت سبع مرات، ولا يجزئ الأقل من السبع، ويبطل الطواف بالزيادة على السبع عمداً كما سيأتي. السابع: أن تكون الأشواط السبعة متواليات عرفاً، بأن يتابع بينها من دون فصل كثير، ويستثنى من ذلك موارد ستأتي إن شاء الله تعالى في المسائل الآتية. الثامن: أن تكون حركة الطائف حول الكعبة المعظّمة بإرادته واختياره، فلو سلب الاختيار في الأثناء لشدّة الزحام ونحوها فطاف بلا اختيار منه لم يجتزئ به ولزمه تداركه. اعتبر المشهور في الطواف أن يكون بين الكعبة ومقام إبراهيم عليه السلام، ويقدر هذا الفاصل بستة وعشرين ذراعاً ونصف ذراع (أي ما يقارب 12 متراً) وبما أن حجر إسماعيل داخل في المطاف فمحل الطواف من جانب الحجر لا يتجاوز ستة أذرع ونصف ذراع (أي ما يقارب 3 أمتار). ولكن لا يبعد جواز الطواف على كراهة في الزائد على هذا المقدار أيضاً، سيما لمن لا يقدر على الطواف في الحد المذكور، أو أنه حرج عليه، ورعاية الاحتياط مع التمكّن أولى. حكم قطع الطواف ونقصانه: يجوز قطع طواف النافلة عمداً، وكذا يجوز قطع طواف الفريضة لحاجة أو ضرورة، بل مطلقاً على الأظهر. إذا قطع الطائف طوافه اعتباطاً، فإن كان ذلك قبل إتمام الشوط الرابع بطل، ولزمته إعادته، وإذا كان بعد تمام الشوط الرابع فالأحوط وجوباً إكمال الطواف ثم الإعادة. هذا في طواف الفريضة، وأما في النافلة فيجوز البناء على ما أتى به وتكميل الطواف من محل القطع مطلقاً ما لم تفتْه الموالاة العرفية. إذا حاضت المرأة أثناء طوافها وجب عليها قطعه والخروج من المسجد الحرام فوراً. كما مرّ حكم قطع الطواف وإتمامه إذا أحدث الطائف أثناءه أو التفت إلى نجاسة بدنه أو ثيابه قبل الفراغ منه. إذا قطع طوافه لمرض ألجأه إلى ذلك أو لقضاء حاجة لنفسه أو لأحد إخوانه المؤمنين، فإن كان ذلك قبل تمام الشوط الرابع فالظاهر بطلان الطواف ولزوم إعادته، وإن كان بعده فالأظهر الصحة، فيتمّه من موضع القطع بعد رجوعه، والأحوط الأولى أن يعيده بعد الاتمام أيضاً، هذا في طواف الفريضة. وأما في النافلة فيجوز البناء على ما أتى به وإن كان أقلّ من أربعة أشواط مطلقاً. يجوز الجلوس والاستلقاء أثناء الطواف للاستراحة ، ولكن لا بد أن يكون مقداره بحيث لا تفوت به الموالاة العرفية ، فإن زاد على ذلك بطل طوافه ولزمه الاستئناف. إذا قطع الطواف لدرك وقت فضيلة الفريضة أو لدرك صلاة الجماعة أو للاتيان بصلاة النافلة عند ضيق وقتها أتمه بعد الفراغ من صلاته من موضع القطع مطلقاً، وإن كان الأحوط استحباباً إعادته بعد الاتمام أيضاً فيما إذا كان القطع في طواف الفريضة قبل تمام الشوط الرابع. إذا نقص من طوافه سهواً فإن تذكّره قبل فوات الموالاة أتى بالباقي وصحّ طوافه، وأما إذا كان تذكّره بعد فوات الموالاة فإن كان المنسي شوطاً أو شوطين أو ثلاثة أتى به وصحّ طوافه أيضاً. وإن لم يتمكّن من الاتيان به بنفسه ولو لأجل أن تذكّره كان بعد إيابه إلى بلده استناب غيره، وإن كان المنسيّ أكثر من ثلاثة أشواط رجع وأتمّ ما نقص، وأعاد الطواف بعد الاتمام على الأحوط وجوباً. حكم الخروج عن المطاف: إذا خرج الطائف عن المطاف فدخل الكعبة بطل طوافه ولزمته الإعادة، والأولى إتمام الطواف ثم إعادته إذا كان الخروج بعد تجاوز النصف. إذا تجاوز عن مطافه إلى (الشاذروان) بطل طوافه بالنسبة إلى المقدار الخارج عن المطاف فيلزم تداركه، والأحوط الأولى إعادة الطواف بعد تدارك ذلك المقدار وإتمامه. كما أن الأحوط الأولى أن لا يمدّ الطائف يده حال طوافه إلى جدار الكعبة لاستلام الأركان أو غيره. إذا اختصر الطائف حجر إسماعيل في طوافه ـ ولو جهلاً أو نسياناً بطل الشوط الذي وقع ذلك فيه، فلا بُدّ من إعادته، والأحوط الأولى إعادة الطواف بعد إتمامه أيضاً، وفي حكم اختصار الحجر الطواف على حائطه على الأحوط وجوباً، والأحوط الأولى أن لا يضع الطائف يده على حائط الحجر حال الطواف. صلاة الطواف: وهي الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع. وهي ركعتان يؤتى بهما عقيب الطواف ، وصورتها كصلاة الفجر، ولكنّه مخيّر في قراءتها بين الجهر والاخفات، ويجب الاتيان بها قريباً من مقام إبراهيم (ع) ، والأظهر لزوم الاتيان بها خلف المقام. فإن لم يتمكّن من ذلك فالأحوط وجوباً أن يجمع بين الصلاة عنده في أحد جانبيه، وبين الصلاة خلفه بعيداً عنه. ومع تعذّر الجمع كذلك يكتفي بالممكن منهما. ومع تعذّرهما معاً يصلي في أي مكان من المسجد مراعياً للأقرب فالأقرب إلى المقام على الأحوط الأولى. ولو تيسّرت له إعادة الصلاة خلف المقام قريباً منه بعد ذلك إلى أن يضيق وقت السعي أعادها على الأحوط الأولى. هذا في الطواف الفريضة، وأما في الطواف المستحب فيجوز الاتيان بصلاته في أي موضع من المسجد اختياراً. من ترك صلاة الطواف عالماً عامداً بطل حجه على الأحوط. الأحوط لزوماً المبادرة إلى الصلاة بعد الطواف، بمعنى أن لا يفصل بين الطواف والصلاة عرفاً. إذا نسي صلاة الطواف وذكرها بعد الاتيان بالأعمال المترتّبة عليهاـ كالسعي أتى بها ولم تجب إعادة تلك الأعمال بعدها وإن كانت الإعادة أحوط استحباباً. نعم، إذا ذكرها في أثناء السعي قطعه وأتى بالصلاة خلف المقام، ثم رجع وأتمّ السعي حيثما قطع. وإذا ذكرها بعد خروجه من مكة فالأحوط وجوباً له الرجوع والإتيان بها في محلّها إذا لم يستلزم ذلك مشقّة، وإلاّ أتى بها في أيّ موضع ذكرها فيه، ولا يجب عليه الرجوع لأدائها في الحرم وإن كان متمكّناً من ذلك. وحكم التارك لصلاة الطواف جهلاً حكم الناسي، ولا فرق في الجاهل بين القاصر والمقصّر. إذا مات الشخص وعليه صلاة الطواف فالأحوط وجوباً أن يقضيها عنه ولده الأكبر مع توفر الشرائط المذكورة في باب قضاء الصلوات.
https://telegram.me/buratha