الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: قصة موسى عليه السلام في القرآن بحسب تسلسلها التأريخي: خروج موسى من مصر: عن دخول موسى المدينة في يوم ما "علَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَ" (القصص 15) (متنكرا) فوجد فيها رجلا من شيعته (من الإسرائيليين) يقاتل رجلا آخر من أعدائه (الفرعونيين) فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه، فوكزه موسى فقضى عليه ولم يكن ينتظر موسى أن تؤدي هذه الضربة إلى الموت، ولذلك ندم على هذا العمل المتسرع الذي انساق إليه، فاستغفر ربه عليه. وأصبح موسى في المدينة خائفا يترقب أن ينكشف أمره فيؤخذ بدم الفرعوني، فينزل إلى المدينة مرة أخرى فإذا به يواجه قضية أخرى متشابهة، وإذا الذي استنصره بالأمس فنصره يستصرخه اليوم أيضا، فعاتبه موسى على عمله ووصفه بأنه غوي مبين يريد توريطه واحراجه، ثم لما "فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا" (القصص 19) (موسى والإسرائيلي) ظن الإسرائيلي أن موسى يقصد البطش به لا بالفرعوني، فقال لموسى: "أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ" (القصص 19) وبذلك كشف الإسرائيلي عن هوية قاتل الفرعوني الأول وفضح قتل موسى له، فعمل الملا وهم علية القوم على قتله بدم الفرعوني. "وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ" (القصص 20) وأعاليها يخبر موسى بالامر يقول له: "إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ" (القصص 20) وطلب منه المبادرة إلى الخروج والهروب من الفرعونيين. فخرج موسى من المدينة خائفا يترقب ان يوافيه الطلب أو تصل إليه أيدي الفرعونيين فدعا ربه ان ينجيه من القوم الظالمين "وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَٰذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ۖ قَالَ هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ (17) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ۚ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ (18) فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ۖ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)" (القصص 15-21).
وعن بعثة موسى عليه السلام ورجوعه إلى مصر: وبعد أن قضى موسى الاجل (السنوات العشر) بينه وبين صهره سار بأهله فإذا به يشاهد نارا من جانب الطور الأيمن وهو جبل صغير، وقد كان بحاجة إليها. ووجد شجرة وجاء نداء الله سبحانه من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من جانب الشجرة: " فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّىٰ مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَا مُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ۖ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ۖ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ (33)" (القصص 30-33).
جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن التدبر في القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: حث الكتاب العزيز والسنّة الصحيحة على تدارس القرآن، والتدبّر في معانيه، والتفكّر في مقاصده وأهدافه. وفي حديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه. وعن أبي عبد الرحمن السلمي قال: حدثنا مَن كان يُقرئنا من الصحابة أنهم كانوا يأخذون من رسول الله صلى الله عليه وآله عشر آيات فلا يأخذون العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل. وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه ذكر جابر بن عبد الله الأنصاري ووصفه بالعلم. فقال له رجل: جُعِلت فداك، تصف جابراً بالعلم وأنت أنت. فقال عليه السلام: إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ" (القصص 85). ولعل أروع ما قيل في هذا المجال كلام الإمام علي عليه السلام: واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب. وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان في عمى. واعلموا أنه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى فاستشفوه من أدوائكم واستعينوا به على لأوائكم، فإن فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغي والضلال. فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه إنه ما توجه العباد إلى الله بمثله. واعلموا أنه شافع مشفع، وقائل مصدق. وأنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه، فإنه ينادي مناد يوم القيامة: (ألا إن كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله غير حرثة القرآن) فكونوا من حرثته وأتباعه واستدلوه على ربكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم. وعن علي أمير المؤمنين عليه السلام في حديث أنه قال: ألا لا خير في علم ليس فيه تفهم، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبر، ألا لا خير في عبادة ليس فيها تفقه. وعن الزهري قال: سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول: آيات القرآن خزائن العلم، فكلما فتحت خزائنه فينبغي لك أن تنظر فيها. والأحاديث في فضل التدبر في القرآن ودفع المسلمين نحو ذلك كثيرة، وقد ذكر شيخنا المجلسي في البحار، طائفة كبيرة من هذه الأحاديث. ومن الطبيعي أن يتخذ الإسلام هذا الموقف، ويدفع المسلمين بكل ما يملك من وسائل الترغيب إلى دراسة القرآن والتدبر فيه. لأن القرآن هو الدليل الخالد على النبوة، والدستور الثابت من السماء للأمة الإسلامية في مختلف شؤون حياتها، وكتاب الهداية البشرية الذي أخرج العالم من الظلمات إلى النور، وأنشأ أمة، وأعطاها العقيدة، وأمدّها بالقوة، وأنشأها على مكارم الأخلاق، وبنى لها أعظم حضارة عرفها الإنسان إلى يومنا هذا.
https://telegram.me/buratha