الدكتور فاضل حسن شريف
وردت كلمة غسق ومشتقاتها في القرآن الكريم: غَسَقِ، وَغَسَّاقٌ، وَغَسَّاقًا، غَاسِقٍ. جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: (غسق) "غسق الليل" (الاسراء 78) ظلامه، والغساق: بالتشديد والتخفيف وهو ما يغسق من صديد أهل النار أي يسيل، يقال: غسقت العين إذا سالت دموعها، قال تعالى: "حميم وغساق" (ص 57) ويقال: الحميم يحرق بحره، والغساق: يحرق ببرده، ويقال: الغساق المنتن، و "غاسق إذا وقب" (الفلق 3) يغني الليل إذا دخل في كل شئ، ويقال: الغاسق القمر إذا كسف فاسود "إذا وقب" (الفلق 4) أي دخل في الكسوف.
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى "أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً" (الاسراء 78) قال في مجمع البيان: الدلوك الزوال، وقال المبرد: دلوك الشمس من لدن زوالها إلى غروبها، وقيل: هو الغروب وأصله من الدلك فسمي الزوال دلوكا لأن الناظر إليها يدلك عينيه لشدة شعاعها، وسمي الغروب دلوكا لأن الناظر يدلك عينيه ليثبتها. انتهى. وقال فيه: غسق الليل ظهور ظلامه يقال: غسقت القرحة إذا انفجرت فظهر ما فيها. انتهى. وفي المفردات: غسق الليل شدة ظلمته. انتهى. وقد اختلف المفسرون في تفسير صدر الآية والمروي عن أئمة أهل البيت عليه السلام من طرق الشيعة تفسير دلوك الشمس بزوالها وغسق الليل بمنتصفه، وسيجيء الإشارة إلى الروايات في البحث الروائي الآتي إن شاء الله. وعليه فالآية تشمل من الوقت ما بين زوال الشمس ومنتصف الليل ، والواقع في هذا المقدار من الوقت من الفرائض اليومية أربع صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة. وبانضمام صلاة الصبح المدلول عليها بقوله :"وَقُرْآنَ الْفَجْرِ" (الاسراء 78) إلخ إليها تتم الصلوات الخمس اليومية. وقوله "وَقُرْآنَ الْفَجْرِ" (الاسراء 78) معطوف على الصلاة أي وأقم قرآن الفجر والمراد به صلاة الصبح لما تشتمل عليه من القرائة وقد اتفقت الروايات على أن صلاة الصبح هي المراد بقرآن الفجر. وكذا اتفقت الروايات من طرق الفريقين على تفسير قوله ذيلا :"إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً" (الاسراء 78) بأنه يشهده ملائكة الليل وملائكة النهار، وسنشير إلى بعض هذه الروايات عن قريب إن شاء الله. قوله تعالى "وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً" (الانسان 25) أي داوم على ذكر ربك وهو الصلاة في كل بكرة وأصيل وهما الغدو والعشي. قوله تعالى "وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً" (الانسان 26) من للتبعيض والمراد بالسجود له الصلاة، ويقبل ما في الآيتين من ذكر اسمه بكرة وأصيلا والسجود له بعض الليل الانطباق على صلاة الصبح والعصر والمغرب والعشاء وهذا يؤيد نزول الآيات بمكة قبل فرض الفرائض الخمس بقوله في آية الإسراء "أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ" (الاسراء 78). فالآيتان كقوله تعالى "وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ" (هود 114)، وقوله "وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ" (طه 130). نعم قيل: على أن الأصيل يطلق على ما بعد الزوال فيشمل قوله "وَأَصِيلاً" (الانسان 25) وقتي صلاتي الظهر والعصر جميعا، ولا يخلو من وجه.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَ مِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ" (الفلق 3). "غاسق": من الغسق، و هو كما يقول الراغب في المفردات شدّة ظلمة الليل في منتصفه. و لذلك يقول القرآن الكريم في إشارته إلى نهاية وقت صلاة المغرب: "إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ" (الاسراء 78) و ما قاله بعضهم في الغسق أنّه ظلمة أوّل الليل فبعيد خاصّة و أن أصل الكلمة يعني الامتلاء و السيلان. و ظلمة الليل تكون ممتلئة حين ينتصف الليل. و أحد المفاهيم الملازمة لهذا المعنى الهجوم، و لذلك استعملت الكلمة في هذا المعنى أيضا. "غاسق": تعني إذن في الآية: الفرد المهاجم، أو الموجود الشرّير الذي يتستر بظلام الليل لشنّ هجومه. فليست الحيوانات الوحشية و الزواحف اللاسعة وحدها تنشط في الليل و تؤذي الآخرين بل الأفراد الشرّيرين يتخذون من الليل أيضا ستارا لتنفيذ أهدافهم الخبيثة. "وقب": من الوقب، و هو الحفرة، ثمّ استعمل الفعل "وقب" للدخول في الحفرة، و كأن هذه الموجودات الشريرة المضرة تستغل ظلام الليل، فتصنع الحفر الضارة لتحقق مقاصدها الخبيثة. و قد يكون الفعل يعني: نفذ و توغّل.
وعن کتاب التشريع الإسلامي مناهجه و مقاصده للسيد محمد تقي المدرسي: بين الله أوقات الصلاة حيث قال ربنا سبحانه: "أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً" (الاسراء 78) فهي ثالث مواقيت لخمس فرائض في أصل الشرع، ومن جعلها خمسا كان قد أحسن صنعا، أولها دلوك الشمس (الظهر والعصر) وثالثها مقارنة الفجر (صلاة الصبح) وبينهما صلاة المغرب والعشاء عند غسق الليل. وأمر ربنا سبحانه بإقامة الصلوات في ساعات معينة. والصلاة مفروضة في أوقاتها، لأنها كتاب موقوت "إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً" (النساء 103). انبلاج الفجر وحتى غروب الشمس، وغسق الليل تحيط بنا تقلبات الليل والنهار، افلا نبصر عبر آياتها آثار التقدير الالهي، ونفكر في الهدف الذي من اجله خلقنا. اما الطاغين فقد كذبوا بايات الله اشد التكذيب، واقبح التكذيب فكانت عاقبتهم شر عاقبة. قال الله تعالى: "إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَأَبًا * لَّابِثِينَ فِيهَآ أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقًا * جَزَآءً وِفَاقًا* إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِايَاتِنَا كِذَّابًا" (النبأ 21- 28). وحين يستعيذ المؤمن بالله، يتذكر أسماءه، وانه رب الفلق، وانه الخالق، وبالتالي يستعيذ به من شر كل مخلوق ومن شر الذين لا يزالون ينفثون السموم في المجتمع، فيفرقون بين الناس، ويضعفون عزائمهم ويخوفونهم ويثيرون العصبيات، ويروجون للأباطيل وكذلك من شر كل متسلل بالليل، وحاسد بالنهار. قال الله سبحانه: "قُلۡ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلنَّاسِ (1) مَلِكِ ٱلنَّاسِ (2) إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ (3) مِن شَرِّ ٱلۡوَسۡوَاسِ ٱلۡخَنَّاسِ (4) ٱلَّذِي يُوَسۡوِسُ فِي صُدُورِ ٱلنَّاسِ (5) مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ (6)" (الناس 1-6).
https://telegram.me/buratha