الصفحة الإسلامية

اشارات السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره عن القرآن الكريم من سورة المائدة (ح 42)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب التنقيح في شرح العروة الوثقى للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: أنّ الردّ والاجازة في المقام كالفسخ والامضاء في البيع الخياري فكما أنّ الفسخ يقطع العلاقة الحاصلة بين المال والمشتري وبعده لا معنى للامضاء والانفاذ، فكذلك الحال في المقام، هذا. والكلام في ذلك يقع من جهتين: الجهة الاُولى في كبرى أنّ (الناس مسلّطون على أموالهم) هل يوجب مشروعية التصرفات المشكوكة بحسب الحكم التكليفي أو الوضعي ، أو أنّه ليس مشرّعاً لجوازها أبداً، وقد مرّ في أوائل البيع أنّ الحديث مضافاً إلى ضعف سنده وعدم انجباره بعمل الأصحاب، إنّما يدلّ على أنّ المالك ليس محجوراً وممنوعاً عن التصرّف في ماله كالصغير والمجنون والمفلّس، وأمّا أنّ هذا التصرّف جائز تكليفاً أو وضعاً فهو ساكت عنه ويقتضي عدم المنع عن التصرّفات الجائزة كما لا يخفى، فلذا إذا اشترى لباساً وشكّ في جواز لبسه من جهة أنّه من مختصّات النساء ، فلا يمكن إثبات جواز اللبس بعموم (الناس مسلّطون على أموالهم) وأنّ اللبس من أحد التصرّفات، وعليه فبما أنّا نشكّ في أنّ المالك هل يجوز أن يتصرّف في ماله بقطع العلاقة الحاصلة بالبيع على نحو لا يصحّ بالاجازة المتأخّرة، فلا يمكن التمسّك بعموم السلطنة في إثبات صحّته وجوازه. الجهة الثانية: في الصغرى وأنّه هل حدث بالبيع الفضولي شيء في المال حتّى نرفعه بعموم (الناس مسلّطون على أموالهم) بناءً على أنّه يثبت الجواز في التصرّفات المشكوك جوازها وصحّتها ، أم لم يحدث هناك شيء في المال كي نتمسّك بالعموم؟ الظاهر أنّ المعاملة الفضولية لم تحدث شيئاً في المالين أبداً، إذ لو حدث هناك شيء وأمكننا رفع ذلك بعموم (الناس مسلّطون الخ) لدلّ ذلك على بطلان الفضولي رأساً، لأنّ إيجاد شأنية الانتقال في المال مخالف لسلطنة المالك على ماله هذا بحسب النقض. وأمّا حلّ الإشكال : فهو أنّ المعاملة الفضولية لا تحدث شيئاً في المال حتّى نرفعه بالعموم ، وأمّا شأنية الانتقال ونحوها فهي إنّما كانت حادثة من الابتداء بقوله تعالى "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) وغيرهما من العمومات الدالّة على صحّة نقل المال من ملك إلى ملك آخر، فإنّها تقتضي قابلية المال للانتقال بالبيع وبما أنّ أحد جزأي الناقل متحقّق في المقام، فلا محالة تتوقّف فعلية تلك الشأنية على الجزء الآخر وهو الاجازة، كما أنّ الحال كذلك في الايجاب والقبول فإنّ الايجاب لا يحدث شيئاً غير موجود، إذ قابلية الانتقال في المال مستندة إلى تشريع الشارع وتجويزه للبيع، نعم بعد ما تحقّق أحد جزأي العقد في مورد فلا محالة تتوقّف فعلية تلك القوّة على الجزء الآخر. وبعبارة واضحة: أنّ إجازة المالك بعد بيع الفضولي ليست إلاّ كجواز بيع ماله بنفسه، بل الاجازة هي البيع حقيقة فكما كان له بيع ماله للغير وإخراجه عن تحت سلطنته بعموم (الناس مسلّطون) على نحو المباشرة، فكذلك له أن يجيز البيع الواقع على ماله ويسنده إلى نفسه، وهذا كان ثابتاً له بالعمومات الدالّة على جواز البيع والمعاملات، غاية الأمر أنّه في المعاملة المباشرية يحتاج إلى إيجاب وقبول، وأمّا في الفضولي فأمره سهل لتحقّق بعض أجزاء العقد بنفسه فيحتاج إلى إيجاد جزئه الأخير، وهذا نظير القبول في البيع الذي به يتحقّق الانتقال. وبالجملة: أنّه لم يثبت هناك بالبيع الفضولي علقة على المال أو شيء آخر حتّى نرفعها بعموم السلطنة، وحقّ الاجازة كان ثابتاً عليه قبل المعاملة بالعمومات، لأنّه ليس إلاّ عبارة عن حقّ البيع . مضافاً إلى أنّ حديث السلطنة ليس مشرّعاً ولا يدلّ على جواز التصرّفات المشكوك جوازها تكليفاً أو وضعاً. وعموم "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) يقتضي الحكم بوجوب الوفاء بالعقد وحرمة الفسخ عليه، وهو حكم انحلالي ينحلّ إلى كلّ واحد من المتعاقدين، وأنّه يجب الوفاء على كلّ واحد منهما بعقد نفسه ولا ربط لأحدهما بالآخر كما لا يخفى. وهذا الكلام منه قدّس سرّه مبنيّ على ما بني عليه في محلّه من أنّ الآية أعني "أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" (المائدة 1) إنّما تدلّ على الحكم التكليفي وهو وجوب الالتزام بالعقد وحرمة الفسخ عليه، وليست ناظرة إلى الحكم الوضعي، ولا منافاة بين الحكم بحرمة الفسخ ووجوب الالتزام، وبين توقّف الحكم الوضعي أعني الملكية على الاجازة، كما وقع نظير ذلك في بيع الصرف والسلم فإنّهما بعد المعاملة ملزمان على البيع ويحرم عليهما الرجوع، ويجب الالتزام بما أنشآه وإن كانت الملكية متوقّفة على القبض والاقباض، ولا يقاس ذلك بالوقف والهبة وغيرهما من العقود التي دلّ الدليل على جواز الفسخ والرجوع فيها قبل القبض أو بعده.

جاء في كتاب موسوعة الامام الخوئي للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ومن خصائص تفسيره انّه أنكر النّسخ في آيات الأحكام، تلك التي ادّعي نسخها. وقد عالجها آية آية من الناحية التفسيرية والفقهية، وأرجع موضوعاتها، إلى التقييد والتخصيص، وإخراج الخاص والمقيّد من شمول العام والمطلق، فيما يصطلح عليه أيضاً بالنّسخ الجزئي، إلاّ في مورد واحد من نسخ الحكم في موضوع الناسخ والمنسوخ: وقد وقع النسخ الثابت في القرآن في مورد واحد بين آيتي النجوى والإشفاق ، إلاّ أنّ مفسِّري أهل السنّة اتّسعوا في هذا النّسخ ، وعدّوا أقسامه إلى ثلاثة: نسخ التلاوة دون الحكم: وهو ما أتى به عمر، وادّعى أنّه من القرآن، فلم يُقبل منه: ( إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة "نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (المائدة 38). وليس هذا من النّسخ في شي‌ء. لم يثبت أنّه آية من القرآن، ولم يدخل في المصحف، حتّى يخرج منه. وما هو مرفوض أن يكون من القرآن لا يسمّى نسخاً. وقد ذكر الإمام الخوئي في صيانة القرآن من التحريف: ( إنّ القول بنسخ التلاوة، وهو بعينه القول بالتحريف).

وعن كتاب الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ما ذكره صاحب المصباح من أن (الاصل في البيع مبادلة مال بمال) فلا يكون دليلا على ذلك لعدم حجية قوله. وعلى هذا فإذا كان المبيع موردا لغرض المشتري سواء أكان مالا عند العقلاء أم لا كالحشرات واشتراه بأغلى الثمن صدق عليه مفهوم البيع. وهذا بين لا ريب فيه. غاية ما يلزم كون المعاملة على ما ليس بمال عرفا سفهية. ولا دليل على بطلانها بعد ما شملته أدلة صحة البيع. والفاسد شرعا إنما هو معاملة السفيه والدليل على الفساد فيها أن السفيه محجور شرعا عن المعاملات وإذن فلا وجه لاخذ قيد المال في تعريف البيع. قيل: إذا تعلق غرض المشتري باشتراء مالا يعد مالا في نظر أهل العرف كان ذلك الغرض موجبا لعروض المالية له. لما عرفته آنفا من أن مالية الاشياء متقومة بنظر العقلاء، ورغبتهم فيها. ومن البديهي أن المشتري من أفرادهم. والجواب عن ذلك: أن مالية الاشياء وإن كانت متقومة برغبة العقلاء وتنافسهم فيها إلا أن المراد من العقلاء نوعهم، دون الشخص الواحد. ولاجل ذلك أن من اعتبر المالية في البيع فقد رتب على اعتباره هذا فساد بيع الحيات والعقارب والديدان والخنافس، وأشباهها من هوام الارض وصغار دوابها، وغير ذلك مما لا يعد مالا في نظر نوع العقلاء وإن كان ذا رغبة لدى بعضهم لغرض ما. ويضاف إلى ذلك أنا لو سلمنا وجود الدليل على اعتبار المالية في البيع. إلا أن ذلك حكم شرعي غير مربوط بمفهوم البيع حتى يؤخذ في تعريفه. ولو صح أخذ ذلك في تعريف البيع لحسن بنا أن نأخذ أحكام البيع برمتها في تعريفه. مع أنه واضح الفساد. ثم لا يخفى على الفطن العارف أن مفهوم البيع لا يتحقق إلا بدخول العوض في ملك من خرج المعوض عن ملكه: بان يفك البائع اضافته القائمة بالمتاع، ويجعلها قائمة بالثمن. ويفك المشتري اضافته القائمة بالثمن، ويجعلها قائمة بالمتاع. ومثال ذلك أنه إذا باع زيد طعامه من عمرو بدينار صار الدينار ملكا لزيد. ولو صار الدينار ملكا لبكر لما صدق عليه مفهوم البيع بوجه. ويستوضح هذا المعنى من الكتاب العزيز ومن كلمات الفصحاء. قال الله تعالى: "ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا" (المائدة 48). إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الظاهرة في أن دخول العوض مكان المعوض معتبر في مفهوم البيع، والشراء.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك