الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب المباني في شرح العروة الوثقى للسيد ابو القاسم الخوئي: مسألة 2: المضاربة جائزة من الطرفين ، يجوز لكلّ منهما فسخها. وليس الوجه فيه هو الإجماع، كي يناقش بأنه غير معلوم. وإنّما هو قصور أدلّة اللّزوم عن شمول العقود الإذنيـة التي لا يكون فيها أي التزام من أحدهما بشيء كي يشمله "أَوْفُوا بالعُقُوِد" (المائدة 1) وإنّ من التزم بشيء فعليه أن يُنهيه وإنما هي مجرّد إباحة وإذن في التصرّف من أحدهما وقبول من الآخر كالعارية. وعليه فمتى ما رجع الآذن في إذنه، لكونه مسلّطاً على ماله يتصرف فيه كيف يشاء، ارتفع الموضوع ، ومعه ينتفي الحكم لا محالة. والمراد من قوله تعالى: "أوْفُوا بالعُقود" (المائدة 1) اللاّزمةُ منها لظهور الأمر فيها في الوجوب المطلق. والمراد من قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: (المؤمنون عند شروطهم) بيان صحّة أصل الشرط، لا اللزوم والجواز. إذ لا يخفى ما فيه.
جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: حرمة سب المؤمن قوله: التاسعة: سب المؤمن حرام في الجملة بالادلة الاربعة. أقول: قد استقل العقل بحرمة سب المؤمن في الجملة، لكونه ظلما وايذاء، وعلى ذلك اجماع المسلمين من غير نكير، وقد تعرض الغزالي لذلك في احياء العلوم. وقد استفاضت الروايات من طرقنا ومن طرق العامة على حرمته. نعم المراد هنا من المؤمن في رواياتنا غير ما هو المراد في روايات العامة، ومن هنا منعوا عن سب أبي حنيفة واشباهه. قوله: ورواية ابن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام في الرجلين يتسابان، قال: البادي منهما أظلم ووزره على صاحبه ما لم يعتذر الى المظلوم، وفي مرجع الضمائر اغتشاش ويمكن الخطأ من الراوي. أقول: محصول كلامه ان الظاهر وقوع الاغتشاش في مرجع الضمائر في الرواية بحسب المعنى، فانه إذا رجع الضميران المجرور في قوله عليه السلام: ووزره على صاحبه، الى الراد لزم كون الوزرين كليهما على البادي وليس على الراد شئ. ويمكن أن يكون لفظ الرواية: مثل وزره على صاحبه، فتكون دالة على أن البادي يستحق وزرين: أحدهما للمباشرة، والثاني للتسبيب، من غير أن يخفف عن الراد شئ، ولكن الراوي أخطا فحذف كلمة مثل. وعليه فشأن الرواية شأن ما عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيما عبد من عباد الله سن سنة هدى كان له مثل اجر من عمل بذلك من غير أن ينقص من اجورهم شئ، وأيما عبد من عباد الله سن سنة ضلال كان عليه مثل وزر من فعل ذلك من غير أن ينقص من أوزارهم شئ، وغير ذلك من الروايات المستفيضة الواردة بهذا المضمون. ولكن ما أفاده المصنف على خلاف الظاهر من الرواية، فان الظاهر منها الضمير المضاف إليه في كلمة: وزره يرجع الى السب المستفاد من قوله عليه السلام: يتسابان، نظير قوله تعالى: "اعدلوا هو اقرب للتقوى" (المائدة 11)، فالمعنى ان وزر كل سب على فاعله ولا يرتفع عنه الا بالاعتذار من المسبوب، لهتك كل من المتسابين صاحبه وظلمه اياه، وعلى هذا فلا اغتشاش في الضمائر. ولكن الذي يسهل الخطب انا لم نجد الرواية على النحو الذي نقله المصنف، بل هي مروية هكذا: ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتذر الى المظلوم، وفي رواية اخرى: ما لم يتعد المظلوم، اي ما لم يتجاوز عن الاعتداء بالمثل، وقد ذكرناهما في الحاشية آنفا. أما الاولى فتدل على أن البادي منهما يستحق وزرين: أحدهما بالاصالة والاخر بالتسبيب والقاء غيره في الحرام الواقعي، وقد عرفت في البحث عن حرمة تغرير الجاهل ان التسبيب الى الحرام حرام بالادلة.
جاء في كتاب التنقيح في شرح المكاسب للمرجع الاعلى السيد ابو القاسم الخوئي قدس سره - الشيخ ميرزا علي الغروي: إنّ ما ذكرناه من أنّ المبادلة لابدّ من أن تقع بين الاضافتين بأن يكون المال المضاف إلى أحدهما مضافاً إلى الآخر وبالعكس ، هو الذي ذكره العلاّمة في بعض كتبه من أنّه لابدّ في البيع من أن يدخل المبيع في كيس من خرج عنه الثمن وبالعكس وإلاّ فلا معنى لخروج الثمن من كيس أحد ودخول المثمن في ملك آخر وهذا أيضاً هو مقتضى الفهم العرفي، فإنّ العرف لا يرى مثله بيعاً أبداً. ثمّ إنّ ظاهر المبادلة وقوع الفعل من الطرفين وإن استعملت المفاعلة في بعض الموارد في فعل الواحد أيضاً كما في الآيات القرآنية كقوله تعالى: "يُحَارِبُونَ اللهَ" (المائدة 33) وهكذا، إلاّ أنّ ظاهرها وقوع الفعل من اثنين وهو مناف لما ذكرناه في تعريف البيع من أنّه عبارة عن فعل البائع فقط لا فعل مجموع البائع والمشتري، فهو فعل الواحد لا الاثنين، حتّى لو فرضنا أنّ فعل المشتري أيضاً من البيع لا يصحّ التعبير عنهما بالمبادلة، لأنّ البيع يكون حينئذ متعدّداً لا أنّ بيعاً واحداً وقع بينهما كما هو ظاهر المفاعلة، لأنّ المفاعلة هو فعل واحد للاثنين، فعليه لو اُبدلت المبادلة في التعريف بالتبديل لكان أولى وأحسن. فإذا عرفت ذلك فيقع الكلام بعد ذلك في أنّ البيع الذي هو عبارة عن فعل البائع هل هو من مقولة المعاني أو من مقولة الألفاظ ، وقد وقع في المقام خبط في كلمات شيخنا الأنصاري قدّس سرّه وإن جلّ مقامه عن الخبط إلاّ أنّ الاشتباه من غير المعصوم غير عزيز، وذلك لأنّه قدّس سرّه أورد على من عرّف البيع بأنّه عبارة عن الايجاب والقبول: بأنّ البيع ليس من مقولة الألفاظ وإنّما هو من سنخ المعاني وإلاّ لم يكن إنشاؤه باللفظ، ثمّ عرّف البيع بأنّه عبارة عن إنشاء تمليك عين بعوض، مع أنّ نفس ذلك الإشكال وارد عليه أيضاً، حيث إنّ الانشاء غير قابل للانشاء باللفظ كما لا يخفى، فعلى تقدير أنّ البيع هو الانشاء فلا يعقل أن يتعلّق به الانشاء. فالتحقيق أن يقال: إنّ البيع وغيره من العقود والايقاعات ليس من قبيل المعاني المجرّدة ولا من قبيل الألفاظ كذلك، لما نشاهده من أنّ البيع لا يصدق على مجرّد الاعتبار النفساني بتبديل عين بعوض في جهة الاضافة، وكذا النكاح لا يتحقّق بمجرّد اعتبار الزوجية ولا الطلاق بمجرّد اعتباره ولا الهبة ولا الصلح ولا غير ذلك من الاُمور الانشائية، فإنّه بمجرّد اعتباره لا يطلق عليه أنّه باع ماله وهذا واضح، كما أنّه لا يمكن أن يقال إنّ البيع وما يشبهه من قبيل الألفاظ إذ لا يمكن انشاؤه حينئذ.
جاء في كتاب مصباح الفقاهة للسيد ابو القاسم الخوئي قدس سره: ان حرمة الرشوة في الجملة من ضروريات الدين ومما قام عليه اجماع المسلمين فلا حاجة الى الاستدلال عليها. ثم ان تفصيل الكلام في احكام الرشوة، ان القاضي قد يأخذ الرشوة من شخص ليحكم له بالباطل مع العلم ببطلان الحكم، وقد يأخذها ليحكم للباذل مع جهله سواء طابق حكمه الواقع ام لم يطابق، وقد يأخذها ليحكم له بالحق مع العلم والهدى من الله تعالى. أما الصورتان الاوليان، فلا شبهة في حرمتهما، فان الحكم بالباطل والافتاء والقضاء مع الجهل بالمطابقة للواقع محرمان بضرورة الدين واجماع المسلمين، بل هما من الجرائم الموبقة والكبائر المهلكة، ويدل على حرمتهما ايضا العقل والكتاب والسنة. في سورة المائدة: 47، قوله تعالى: "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (المائدة 47)
https://telegram.me/buratha