الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تعالى عن آياتنا و سلطان مبين "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ" ﴿هود 96﴾ بِآيَاتِنَا: بِ حرف جر، آيَاتِ اسم، نَا ضمير، وَسُلْطَانٍ: وَ حرف عطف، سُلْطَانٍ اسم، مبين اسم، بِآياتِنا: المعجزات التسع، ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين: برهان بيّن ظاهر، سُلْطانٍ مُبينٍ: حجج واضحة بينة، ولقد أرسلنا موسى بأدلتنا على توحيدنا وحجة تبين لمن عاينها وتأملها بقلب صحيح أنها تدل على وحدانية الله، وكَذِبِ كلِّ من ادَّعى الربوبية دونه سبحانه وتعالى، و "ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ" ﴿المؤمنون 45﴾ وَسُلْطَانٍ مُّبِينَ: بالحجج الدامغة والبراهين القاطعة المظهرة للحق، ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين: حجة وهي اليد والعصا وغيرهما من الآيات، ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا التسع وهي: العصا واليد والجراد والقُمَّل والضفادع والدم والطوفان والسنون ونقص من الثمرات، حجةً بيِّنة تقهر القلوب فتنقاد لها قلوب المؤمنين، وتقوم الحجة على المعاندين، أرسلناهما إلى فرعون حاكم "مصر" وأشراف قومه، فاستكبروا عن الإيمان بموسى وأخيه، وكانوا قومًا متطاولين على الناس قاهرين لهم بالظلم، و "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ" ﴿غافر 23﴾ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين: برهان بيَّن ظاهر، ولقد أرسلنا موسى بآياتنا العظيمة الدالة على حقيقة ما أُرسل به، وحجة واضحة بيِّنة على صدقه في دعوته، وبطلان ما كان عليه مَن أُرسل إليهم.
عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى "وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ" (هود 96) بعد انتهاء قصّة شعيب و اهل مدين، يشير القرآن الكريم الى زاوية من قصّة موسى و مواجهته لفرعون و هذه القصّة هي القصّة السابعة من قصص الأنبياء في هذه السورة. تحدث القرآن الكريم عن قصّة موسى عليه السّلام و فرعون و بني إسرائيل اكثر من مائة مرّة. و خصوصية قصّة موسى عليه السّلام بالنسبة لقصص الأنبياء- كشعيب و صالح و هود و لوط عليهم السّلام التي قرأناها في ما سبق هي انّ أولئك الأنبياء عليهم السّلام واجهوا الأقوام الضالين، لكن موسى عليه السّلام واجه اضافة الى ذلك حكومة (ديكتاتور) طاغ مستبدّ هو فرعون الجبار. و أساسا فإنّ الإصلاح ينبغي ان يبدأ من الأصل و المنبع، و طالما هناك حكومات فاسدة فلن يبصر اي مجتمع وجه السعادة، و على القادة الإلهيين في مثل هذه المجتمعات ان يدمروا مراكز الفساد قبل كل شيء. و لكن ينبغي الالتفات الى انّنا نقرا في هذا القسم من قصّة موسى زاوية صغيرة فحسب و لكنّها في الوقت ذاته تحمل رسالة كبيرة للناس جميعا. يقول القرآن الكريم اوّلا: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ" (هود 96). (السلطان) بمعنى التسلّط، يستعمل تارة في السلطة الظاهرية، و أحيانا في السلطة المنطقية، السلطة التي تحاصر المخالف في طريق مسدود بحيث لا يجد طريقا للفرار. و يبدو في الآية المتقدمة انّ (السلطان) استعمل في المعنى الثّاني، و المراد ب (الآيات) هي معاجز موسى الجليلة، و للمفسرين احتمالات اخرى في هاتين الكلمتين. و على كل حال فإنّ موسى أرسل بتلك المعجزات القاصمة و ذلك المنطق القوي "إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ" (هود 96). قوله تعالى "وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ" (غافر 23) قد يبدو للوهلة الأولى أنّ قصة موسى عليه السّلام مكررة في أكثر من سورة من سور القرآن الكريم، و لكن التأمّل في هذه الموارد يظهر خطأ هذا التصوّر، إذ يتبيّن أن القرآن يتطرف الى ذكر القصة في كلّ مرّة من زاوية معينة، و في هذه السورة يتعرض القرآن للقصة من زاوية دور (مؤمن آل فرعون) فيها. و الباقي هو بمثابة أرضية ممهّدة لحكاية هذا الدور. يقول تعالى "وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَ سُلْطانٍ مُبِينٍ" (غافر 23). أرسله تعالى: "إِلى فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ قارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ" (غافر 24). لقد ذكر المفسرون عدّة تفاسير في الفرق بين (الآيات) و (السلطان المبين) فالبعض اعتبر (الآيات) الأدلة الواضحة، بينما «السلطان المبين» هي المعجزات. و البعض الآخر اعتبر (الآيات) آيات التوراة، بينما (السلطان المبين) المعجزات. و احتمل البعض الثّالث أنّ (الآيات) تشمل كلّ معاجز موسى عليه السّلام، أمّا (السلطان المبين) فهو المعاجز الكبيرة كالعصا و اليد البيضاء، التي تسببت في غلبته الواضحة على فرعون. و منهم من اعتبر (الآيات) المعجزات، بينما فسّر (السلطان المبين) بالسلطة القاهرة و النفوذ الإلهي لموسى عليه السّلام و الذي كان سببا في عدم قتله و عدم فشل دعوته. لكن الملاحظ أنّ هذه الآراء بمجموعها لا تقوم على أدلة قوية واضحة، و لكن نستفيد من الآيات القرآنية الأخرى أنّ (السلطان المبين) يعني في العادة الدليل الواضح القوي الذي يؤدي إلى السلطة الواضحة، كما نرى ذلك واضحا في الآية (21) من سورة النمل أثناء الحديث عن قصة سليمان عليه السّلام و الهدهد حيث يقول تعالى على لسان سليمان: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ" (النمل 20-21) فالسلطان المبين هنا هو الدليل الواضح للغيبة.
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: دراسة قصة موسى عليه السلام: لآيات التي جاءت في سورة المؤمنون والتي تبدأ بقوله تعالى: "ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب" (المؤمنون 23-24) والتي تختم بقوله تعالى: "فستذكرون ما أقول لكم وافوض أمري إلى الله ان الله بصير بالعباد * فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب" (المؤمنون 44-45). ويلاحظ في هذا المقطع من القصة ما يلي: الأول: ان السورة التي جاء فيها هذا المقطع تتحدث في مطلعها عن مصير من يجادل في آيات الله: "ما يجادل في آيات الله الا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد" (المؤمنون 4). الثاني: ان القصة تأتي في سياق أن هذا المصير للمجادلين نتيجة طبيعية لعنادهم بعد أن تأتيهم البينات فيكفرون بها: "أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق" (المؤمنون 21). الثالث: أن القصة تؤكد بشكل واضح موقف مؤمن آل فرعون والأساليب التي استعملها في دعوته لهم ومحاولته ذات الجانب العاطفي في هدايتهم مع تذكيرهم بمصير من سبقهم من الأمم وما ينتظرهم نتيجة لعنادهم وكفرهم. وقبالة هذا الموقف يظهر لنا موقف فرعون وقد تمادى في غيه حتى حاول أن يطلع على اله موسى. وعلى هذا الأساس يمكن أن نستنتج: أن القصة سيقت لتوضيح مصير من يجادل في آيات الله، مع ايضاح الفرق بين الأسلوب الذي يستعمله الداعية والأسلوب الذي يستعمله المجادل والكافر، وان العذاب لا ينزل بهؤلاء إلا بعد أن تتم الحجة عليهم.
https://telegram.me/buratha