الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله سبحانه وتعالى عن مهطعين "مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ" ﴿ابراهيم 43﴾ مهطعين: مسرعين إلى الدّاعي بذلّة مهطعين: مذعنين خاضعين، و المهطع: من ينظر في ذل و خضوع، يوم يقوم الظالمون من قبورهم مسرعين لإجابة الداعي رافعي رؤوسهم لا يبصرون شيئًا لهول الموقف، وقلوبهم خالية ليس فيها شيء؛ لكثرة الخوف والوجل من هول ما ترى، و "مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ۖ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ" ﴿القمر 8﴾ مهطعين اسم، مهطعين: مسرعين مادِّي الأعناق، و هو الناظر في ذل و خشوع، أو مُديمي النظر، و الإهطاع: إدامة النظر من غير أن يطرف، ذليلة أبصارهم يخرجون من القبور كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم للحساب جرادٌ منتشر في الآفاق، مسرعين إلى ما دُعُوا إليه، يقول الكافرون: هذا يوم عسر شديد الهول، و "فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ" ﴿المعارج 36﴾ مُهْطِعِينَ: مسرعين، مادي أعناقهم إليك، مهطعين: حال، أي مديمي النظر، فأيُّ دافع دفع هؤلاء الكفرة إلى أن يسيروا نحوك أيها الرسول مسرعين، وقد مدُّوا أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك، يتجمعون عن يمينك وعن شمالك حلقًا متعددة وجماعات متفرقة يتحدثون ويتعجبون؟
جاء في معاني القرآن الكريم: هطع هطع الرجل ببصره: إذا صوبه، وبعير مهطع: إذا صوب عنقه. قال تعالى: "مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ" ﴿ابراهيم 43﴾، "مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ" ﴿القمر 8﴾. أهطع في السير: أقبل مسرعا خائفا. مُهْطِعِينَ أَيْ أَذِلَّاءَ. تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: هطع "مُّهْطِعِينَ" (ابراهيم 43) (القمر 8) (المعارج 36) مسرعين في خوف، وفي التفسير: "مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ" (القمر 8) أي ناظرون رافعوا رؤسهم إلى الداعي، وأهطع: أسرع، وقال أبو سعيد أبان بن تغلب بن رباح البكري الجريري: هو الذي ينظر في ذل وخشوع لا يقلع. وعن التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: مهطعين: مسرعين تلبية لدعوة الداعي.
جاء في تفسير جوامع الجامع للشيخ الطبرسي: قوله تعالى "مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ" ﴿ابراهيم 43﴾ مهطعين اي مسرعين إلى الداعي، وقيل: الإهطاع: أن تقبل ببصرك على ما ترى تديم النظر إليه لا تطرف. قوله تعالى "مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ" (القمر 8) أي: مسرعين إلى إجابة الداعي، مادي أعناقهم إليه. وعن تفسير الميزان للعلامة السيدالطباطبائي: قوله تعالى "فَما الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ" (المعارج 36) قال في المجمع: قال الزجاج: المهطع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله وذلك من نظر العدو، وقال أبو عبيدة الإهطاع الإسراع، وعزين جماعات في تفرقة، واحدتهم عزة. والمعنى: إذا كان الإنسان بكفره واستكباره على الحق مصيره إلى النار إلا من استثني من المؤمنين فما للذين كفروا عندك مقبلين عليك لا يرفعون عنك أبصارهم وهم جماعات متفرقة عن يمينك وشمالك أيطمعون أن يدخلوا الجنة فيعجزوا الله ويسبقوه فيما قضى به أن لا يدخل الجنة إلا الصلحاء من المؤمنين. قوله جل جلاله: قوله تعالى "مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ" (القمر 8) أي حال كونهم مسرعين إلى الداعي مطيعين مستجيبين دعوته يقول الكافرون: هذا يوم عسر أي صعب شديد. يقال: شخص بصره أي سكن بحيث لا يطرف جفنة، ويقال: بعير مهطع إذا صوب عنقه أي رفعه وهطع وأهطع.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: "إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَ أَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ" (ابراهيم 43). "تشخص" من مادّة الشخوص بمعنى توقّف العين عن الحركة و النظر الى نقطة بدهشة. "مهطعين" من مادّة إهطاع بمعنى رفع الرقبة، و يعتقد البعض انّها بمعنى السرعة و قال آخرون: تعني النظر بذلّة و خشوع. و لكن بالنظر الى الجمل الاخرى يكون المعنى الاوّل اقرب الى الصحّة. "مقنعي" من مادّة الاقناع بمعنى رفع الراس عاليا. انّ بيان هذه الصفات الخمس: تشخص الأبصار، مهطعين، مقنعي رؤوسهم، لا يرتدّ إليهم طرفهم، افئدتهم هواء، صورة بليغة لهول و شدّة ذلك اليوم على الظالمين الذين كانوا يستهزئون بكلّ شيء، و أصبحوا في هذا اليوم لا يستطيعون حتّى تحريك أجفان أعينهم. قوله تعالى "فَما الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ" (المعارج 36) أي يقبلون نحوك من كل جانب مسرعين. "مهطعين": جمع مهطع، و تعني الذي يمدّ عنقه مقبلا على شيء بسرعة للبحث عنه، و أحيانا تأتي فقط بمعنى مدّ العنق لاستطلاع الأمر. "عزين": جمع عزة، على وزن هبة و تعني جماعات في متفرقين، و أصلها عزو على وزن جذب بمعنى النسبة، و بما أنّ كلّ جماعة يرتبط أفرادها بعضهم ببعض بنسبة معينة: أو يهدفون إلى غرض معين أطلقت كلمة "عزة" على الجماعة. و أمّا قوله تعالى: "مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ" (القمر 8) فإنّ كلمة "مهطعين" تأتي من مادّة إهطاع أي مدّ الرقبة، و البعض يرجعها إلى النظر بانتباه أو الركض بسرعة نحو الشيء، و يحتمل أن تكون كلّ واحدة من هذه المعاني هي المقصودة، و لكن المعنى الأوّل هو الأنسب، لأنّ الإنسان عند سماعه لصوت موحش يمدّ رقبته على الفور و ينتبه إلى مصدر الصوت، و يمكن أن تكون هذه المفاهيم مجتمعة في الآية الكريمة حيث أنّ بمجرّد سماع صوت الداعي الإلهي تمدّ الرقاب إليه ثمّ يتبعه التوجّه بالنظر نحوه، ثمّ الإسراع إليه و الحضور في المحكمة الإلهيّة العادلة عند دعوتهم إليها.
https://telegram.me/buratha