الدكتور فاضل حسن شريف
يستمر الدكتور محمد حسين الصغير رحمه الله متحدثا عن قصة نوح عليه السلام في كتابه نظرات معاصرة في القرآن الكريم: ودلالة السماء ظاهرة في السماء الدنيا ، ودلالة الأرض ظاهرة على هذه الأرض جميعاً ، ولا دليل من القرآن على غير هذا ، ولا يدفع الظاهر بالمؤوّل دون أمارة ، ودعاء نوح يوحي بهذا بل يصرح بعموم الطوفان "رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا" (نوح 26). وكون رسالة نوح عالمية تؤكد ذلك "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا" (الشورى 13)، مؤيداً بقوله تعالى "فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ" (البقرة 13). والكتاب إنما ينزل على أصحاب الرسالات العالمية ونوح أولهم بإعتباره من أولي العزم الخمسة وهو الأول منهم. قال الطباطبائي (فالحق أن ظاهر القرآن ـ ظهوراً لا ينكر ـ يدل أن الطوفان كان عاماً للأرض ، وأن من كان عليها من البشر قد أغرقوا جميعاً ، ولم يقم لهذا الحين حجة قطعية تصرفها عن هذا الظهور). وغرق الملأ، وانتهىٰ الأمر ونجا نوح والمؤمنون، "فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ" (العنكبوت 15). وحصر الله ذرية البشر في نوح وحده، وهو أيضاً مما يدلل صراحة على هلاك البشرية إلا نوح والذين معه "وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ (78) سَلامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (82)" (76-82).
وعن قصة نبي الله هود عليه السلام يقول الدكتور محمد حسين علي الصغير: وتغلبت القرون الأخرى في العالم، وتعاقبت الأجيال على الكرة الأرضية حتى قوم هود عليهالسلام ، وهو من أنبياء العرب فبعثه الله إليهم "وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ" (الاعراف 65). الدعوة نفسها، والغرض واحد، وهو التوحيد، فكفروا به بعد أن أبلى هود بلاءً حسناً، حتى قالوا عنه كما حكى القرآن ذلك "إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ" (الاعراف 66). وجادلهم هود في الله، وأبلغ في الدعوة والدعاء، وذكّرهم بآلاء الله "لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (الاعراف 69). وحذرهم هود ما أستطاع إلى ذلك سبيلاً، ولكنهم ركبوا رؤوسهم، واتبعوا أهواءهم، وتركوا العقل جانباً، واستعجلوا العذاب، فأنبئهم بما حكاه سبحانه وتعالى "قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ" (الاعراف 71). فقطع دابرهم، واستئصلت شأفتهم، ونجا هود والمؤمنون "فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ" (الاعراف 72).
ويقول الدكتور الصغير رحمه الله عن ثمود: وأرسل الله صالحاً بالرسالة إلى ثمود وهم من العرب البائدة في معجزة بينّة بناء على طلبهم وهي الناقة آية لهم من الله، قال تعالى "وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَكُمْ" (الاعراف 73). فكذبوه بعد أن أعذر إليهم ، وأقدموا على عقر الناقة ، وقد كانت لهم غذاء ورواءً ، ولكنه الطغيان الكامن في نفوس القوم الظالمين، "فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ" (الاعراف 78).
وعن الاقوام ما بعد هود يقول الدكتور محمد حسين الصغير: وهكذا تتوالى الرسالات بالتوحيد، ويتوالى الاستكبار والتكذيب، ولم تكن للناس على الله الحجة، فقد تابع الرسل والنبيين، يوقظون الغافل، ويحركون روح الحياة في النفوس، فأرسل لوطاً وشعيباً، فكذبوا ذلك، وكان عذاب الاستئصال يسوّي آثارهم، وينسف ديارهم، فبالنسبة لقوم لوط قال تعالى "وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُجْرِمِينَ" (الاعراف 84). وكان العبد الصالح شعيب يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويذكرهم بأنعم الله المتواترة عليهم، وبما منّ عليهم من خيرات فكذبوه "الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الخَاسِرِينَ" (الاعراف 92). هؤلاء الأنبياء قصصت عليك نبأهم مع أقوامهم من خلال مرور سريع في سورة الأعراف وحدها، لأن البحث مبنيٌّ على سبيل الاشارة والنموذج والمثال، والاطالة تعني الخروج من أصول البحث. وما زالت البشرية تتمتع بنعم الله الطائلة ، وتتقلب في ألطافه العميمة ، وهي تكذب بآيات الله، وتجحد آلاء الله فيمسهم العذاب الأليم، حتى أنعم الله على الانسانية بالرسالة الحنيفية الغراء على يد إبراهيم الخليل وكان الكلدانيون وسواهم عبدة أصنام وسدنة أوثان وحضنة تماثيل، فدعاهم إلى عبادة الله وتوحيده، فأبوا واستكبروا، وظلوا على أوثانهم عاكفين، فأقسم إبراهيم أن سيكيدها "وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ" (الانبياء 57)، وهكذا كان فقد هجم عليها وهم في منأى عنه وعنها "فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ" (الانبياء 58). وأحيطوا به خبراً، وجاء يهرعون إليه، بعد أن نذروا به "قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63)" (الانبياء 59-63).
https://telegram.me/buratha