الدكتور فاضل حسن شريف
تكملة للحلقات السابقة قال الله تعالى عن فرعون وآله في القرآن الكريم "اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ" ﴿طه 24﴾ فرعون اسم علم، اذهب يا موسى إلى فرعون، إنه قد تجاوز قدره وتمرَّد على ربه، فادعه إلى توحيد الله وعبادته، و "اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ" ﴿طه 43﴾ اذهب يا موسى أنت وأخوك هارون بآياتي الدالة على ألوهيتي وكمال قدرتي وصدق رسالتك، ولا تَضْعُفا عن مداومة ذكري، اذهبا معًا إلى فرعون، إنه قد جاوز الحد في الكفر والظلم، فقولا له قولا لطيفًا، لعله يتذكر أو يخاف ربه، و "فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ" ﴿طه 60﴾ فتولى فرعون: أدير، فأدبر فرعون معرضًا عما أتاه به موسى من الحق، فجمع سحرته، ثم جاء بعد ذلك لموعد الاجتماع، و "فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ" ﴿طه 78﴾ فأتبعهم فرعون بجنوده: وهو معهم، فأسرى موسى ببني إسرائيل، وعبر بهم طريقًا في البحر، فأتبعهم فرعون بجنوده، فغمرهم من الماء ما لا يعلم كنهه إلا الله، فغرقوا جميعًا ونجا موسى وقومه، و "وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ" ﴿طه 79﴾ وأضل فرعون قومه: بدعائهم إلى عبادته، وأضلَّ فرعون قومه بما زيَّنه لهم من الكفر والتكذيب، وما سلك بهم طريق الهداية، و "إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ" ﴿المؤمنون 46﴾ ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا التسع وهي: العصا واليد والجراد والقُمَّل والضفادع والدم والطوفان والسنون ونقص من الثمرات، حجةً بيِّنة تقهر القلوب فتنقاد لها قلوب المؤمنين، وتقوم الحجة على المعاندين، أرسلناهما إلى فرعون حاكم مصر وأشراف قومه، فاستكبروا عن الإيمان بموسى وأخيه، وكانوا قومًا متطاولين على الناس قاهرين لهم بالظلم، و "قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ" ﴿الشعراء 11﴾ قوم فرعون: معه ظلموا أنفسهم بالكفر بالله وبني إسرائيل باستعبادهم، واذكر أيها الرسول لقومك إذ نادى ربك موسى: أن ائت القوم الظالمين، قوم فرعون، وقل لهم: ألا يخافون عقاب الله تعالى، ويتركون ما هم عليه من الكفر والضلال؟ و "فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ﴿الشعراء 16﴾ فأتِيَا فرعون فقولا إنا: كلاً منا، قال الله لموسى: كلا لن يقتلوك، وقد أجبت طلبك في هارون، فاذهبا بالمعجزات الدالة على صدقكما، إنا معكم بالعلم والحفظ والنصرة مستمعون. فأتِيَا فرعون فقولا له: إنا مرسَلان إليك وإلى قومك من رب العالمين: أن اترك بني إسرائيل؛ ليذهبوا معنا، و "قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ" ﴿الشعراء 23﴾ قال فرعون لموسى: وما رب العالمين الذي تدَّعي أنك رسوله؟ و "فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ" ﴿الشعراء 44﴾ فألقَوا حبالهم وعصيَّهم، وخُيِّل للناس أنها حيَّات تسعى، وأقسموا بعزة فرعون قائلين: إننا لنحن الغالبون.
عن علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه السلام: لما آمنت السحرة ورجع فرعون مغلوبا وأبى هو وقومه إلا الإقامة على الكفرقال هامان لفرعون: إن الناس قد آمنوا بموسى فانظر من دخل في دينه فاحبسه فحبس كل من آمن به من بني إسرائيل فتابع الله عليهم بالآيات، وأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات. روي عن النبي صلى الله عليه و اله و سلم: أنه قال: الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل ياسين، وعلي بن أبي طالب الثالث أفضلهم.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله تعالى "وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ" (الشعراء 52) شروع في سرد الشطر الثاني من القصة وهو وصف عذاب آل فرعون بسبب ردهم دعوة موسى وهارون عليه السلام و، قد كان الشطر الأول رسالة موسى وهارون إليهم ودعوتهم إلى التوحيد ، والإسراء والسري السير بالليل ، والمراد بعبادي بنو إسرائيل وفي هذا التعبير نوع إكرام لهم. وقوله "إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ" (الشعراء 52) تعليل للأمر أي سر بهم ليلا ليتبعكم آل فرعون وفيه دلالة على أن لله في اتباعهم أمرا وأن فيه فرج بني إسرائيل وقد صرح بذلك في قوله :"فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ" (الدخان 24). قوله تعالى "فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ" (الشعراء 53) إلى قوله "ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ" (الشعراء 66) قصة غرق آل فرعون وإنجاء بني إسرائيل في أربع عشرة آية وقد أوجز في الكلام بحذف بعض فصول القصة لظهوره من سياقها كخروج موسى وبني إسرائيل ليلا من مصر لدلالة قوله "أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي" (الشعراء 52) عليه وعلى هذا القياس. فقال تعالى "فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ" (الشعراء 53) أي فأسرى موسى بعبادي فلما علم فرعون بذلك أرسل "فِي الْمَدائِنِ" (الشعراء 53) التي تحت سلطانه رجالا "حاشِرِينَ" (الشعراء 53) يحشرون الناس ويجمعون الجموع قائلين للناس "إِنَّ هؤُلاءِ" (الشعراء 54) بني إسرائيل "لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ" (الشعراء 54) والشرذمة من كل شيء بقيته القليلة فتوصيفها بالقلة تأكيد "وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ" (الشعراء 55) يأتون من الأعمال ما يغيظوننا به "وَإِنَّا لَجَمِيعٌ" (الشعراء 56) مجموع متفق فيما نعزم عليه "حاذِرُونَ" (الشعراء 56) نحذر العدو أن يغتالنا أو يمكر بنا وإن كان ضعيفا قليلا، والمطلوب بقولهم هذا وهو لا محالة بلاغ من فرعون لحث الناس عليهم.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: "وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ" (الفجر 10). أي: ألم تر ما فعل ربّك بفرعون الظالم المقتدر؟ "أوتا": جمع وتد، و هو ما يثبّت به. و لم وصف فرعون بذي الأوتاد؟ و ثمّة تفاسير مختلفة: الأوّل: لأنّه كان يملك جنودا و كتائبا كثيرة، و كانوا يعيشون في الخيم المثبتة بالأوتاد. الثّاني: لما كان يستعمل من أساليب تعذيب من يغضب عليهم، حيث غالبا ما كان يدق على أيديهم و أرجلهم بأوتاد ليثبتها على الأرض، أو يضعهم على خشبة و يثبتهم بالأوتاد، أو يدخل الأوتاد في أيديهم و أرجلهم و يتركهم هكذا حتى يموتوا. و ورد هذا الكلام في رواية نقلت عن الإمام الصادق عليه السّلام. و تنقل كتب التاريخ إنّه قد عذّب زوجته آسية بتلك الطريقة البشعة حتى الموت، لأنّها آمنت بما جاء به موسى عليه السّلام و صدّقت به. الثّالث: "ذِي الْأَوْتادِ" (الفجر 10): كناية عن قدرة و استقرار الحكم. و لا تنافي فيما بين التفاسير الثلاثة، و يمكن إدخالها جميعها في معنى الآية. و ينتقل القرآن العرض ما كانوا يقومون به من أعمال: " الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12)" (الفجر 10-11). الفساد الذي يشمل كلّ أنواع الظلم و الاعتداء و الانحراف، و الذي هو نتيجة طبيعية من نتائج طغيانهم، فكلّ من يطغى سيؤول أمره إلى الفساد لا محال. و يذكر عقابهم الأليم و بعبارة موجزة: "فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ" السوط: هو الجلد المضفور الذي يضرب به، و أصل السوط: خلط الشيء بعضه ببعض، و هو هنا كناية عن العذاب، العذاب الذي يخلط لحم الإنسان بدمه فيؤذيه أشدّ الإيذاء. و جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السّلام عن الامتحان: (و الذي بعثه بالحقّ للتبلبلن بلبلة و لتغربلن غربلة و لتساطن سوط القدر). "صبّ عليهم" (الفجر 13): تستعمل في الأصل لانسكاب الماء، و هنا إشارة إلى شدّة و استمرار نزول العذاب، و يمكن أن يكون إشارة لتطهير الأرض من هؤلاء الطغاة أمّا أنسب معاني السوط فهو المعروف بين النّاس به. و الآية (55) من سورة الزخرف تنقل صورة هلاك قوم فرعون: "فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ" (الزخرف 55). و تحذر الآية التالية كلّ من سار على خطو أولئك الطواغيت: "إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ" (الفجر 14). "المرصاد": من الرصد، و هو الاستعداد للترقب، و هو في الآية يشير إلى عدم وجود أيّ ملجأ أو مهرب من رقابة اللّه و قبضته، فمتى شاء سبحانه أخذ المذنبين بالعقاب و العذاب. و بديهي، أنّ التعبير لا يعني أنّ اللّه تعالى له مكان و كمين يرصد فيه الطواغيت، بل كناية عن إحاطة القدرة الإلهية بكلّ الجبارين و الطغاة و المجرمين، و سبحانه و تعالى عن التجسيم و ما شابه. و قد ورد في معنى الآية عن الإمام علي عليه السّلام قوله: (إنّ ربك قادر على أن يجزي أهل المعاصي جزاءهم). و عن الإمام الصادق عليه السّلام، أنّه قال: (المرصاد قنطرة على الصراط، لا يجوزها عبد بمظلمة عبد). و هذا مصداق جلّي للآية، حيث أنّ المرصاد الإلهي لا ينحصر بيوم القيامة و الصراط، بل هو تعالى بالمرصاد لكلّ ظالم حتى في هذه الدنيا، و ما عذاب تلك الأقوام الآنفة الذكر إلّا دليل واضح على هذا.
عن مركز الاشعاع الاسلامي للشيخ صالح الكرباسي: ما المقصود بالآية الكريمة: وفرعون ذو الأوتاد، هل هي الإهرامات، أم ماذا؟ ما المقصود بالآية الكريمة: وفرعون ذو الأوتاد؟ قال الله عز و جل "كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ" (ص 12). و قال عزَّ مِن قائل "وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ" (الفجر 10). ذو الأوتاد وصف فرعون، و الأوتاد: جمع وَتَدْ، و الوَتَدُ هو المسمار. قال العلامة الطريحي رحمه الله: قيل أن فرعون كان إذا عذب رجلا بسطه على الأرض أو على خشب و وتد يديه و رجليه بأربعة أوتاد ثم تركه على حاله، (مجمع البحرين: 3 / 154). و قيل في معناه أقوال أخرى ذكرها المفسر الكبير العلامة الطبرسي رحمه الله في تفسير هذه الآية في كتابه مجمع البيان كالتالي: أحدها: أنه كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها. الثاني: أنه كان يعذب الناس بالأوتاد و ذلك أنه إذا غضب على أحد وتد يديه و رجليه و رأسه على الأرض. الثالث: أن معناه ذو البنيان، و البنيان أوتاد. الرابع: أن المعنى ذو الجنود و الجموع الكثيرة، بمعنى أنهم يشدون ملكه و يقوون أمره كما يقوي الوتد الشيء. الخامس: أنه سمي ذو الأوتاد لكثرة جيوشه السائرة في الأرض و كثرة أوتاد خيامهم، فعبر بكثرة الأوتاد عن كثرة الأجناد. و حيث أن أحد أقوال المفسرين المذكورة أشارت الى أن المقصود من الأوتاد قد يكون هو البنيان فلعل في ذلك إشارة الى الأهرامات و الله العالم. و أما القول المزعوم بأن بناء الاهرامات تم في زمن الفاطميين فغير صحيح بعد ثبوت قدمة بنائها بالأدلة العلمية الجيولوجية، و أن تاريخ بناء هذه الأبنية و المقابر العظيمة يعود الى عهد الفراعنة.
https://telegram.me/buratha