الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: في ما يتعلق بصيغة الأمر والنهي المراد بصيغة الامر في كلماتهم هي هيئة فعل الامر ثلاثيا كان أو غيره. والحق بها لام الامر الداخلة على الفعل المضارع، لاتحادهما فيما هو المهم من محل الكلام، وهو الدلالة على الطلب والالزام ، أما النهي فلا هيئة تخصه، وإنما يستفاد من لا الناهية، كما يستفاد الامر من اللام. وقد ذكروا لصيغة الامر معاني متعددة، التمني، كقول الشاعر: ألا أيها الليل الطويل الا انجلي. والتعجيز، كقوله تعالى: "فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ" (البقرة 23)، كما يجري نظيرها في لام الامر. بل في (لا) الناهية، حيث تصلح للاستعمال في تلك المعاني، مع استبدال الطلب بالنهي. وقد وقع الكلام بينهم في اشتراكها بين المعاني لفظا، أو اختصاصها بالأول مع كونها مجازا في الباقي. وإن كان الظاهر تبعا لجمع من المحققين أنها موضوعة لنحو نسبة خاصة لا تخرج عنها إلى غيرها في مقام الاستعمال ، لا حقيقة ولا مجازا، واختلاف المعاني المذكورة لها راجع لاختلاف دواعي الاستعمال ، فكما أن القضية الحملية تستعمل تارة بداعي الاخبار والحكاية، وأخرى بداعي الاستهزاء والسخرية ، مع عدم خروج هيئتها عن معناها، كذلك الحال في المقام، وفي كثير من الهيئات والحروف على ما يشهد به التدبر في المرتكزات الاستعمالية. والنسبة المذكورة حيث كان من المعاني الحرفية التي سبق اختلافها سنخا مع المعاني الاسمية فلا يكون شرحها بالاسم، كالطلب والبعث والزجر ونحوها إلا لفظيا لضيق التعبير على ما سبق في مبحث المعنى الحرفي. ولعل الأنسب التعبير عن النسبة التي تؤديها هيئة الامر ولأمه بالنسبة البعثية، دون الطلبية، لأنها أقرب ارتكازا للبعث الصاد من الباعث والقائم بين المبعوث والمبعوث إليه منها إلى الطلب القائم بالطالب والامر المطلوب، وليس المطلوب منه إلا آلة له من دون أن يكون طرفا له. وبهذا كانت مقابلة ل لا الناهية التي يكون الأنسب التعبير عن النسبة التي تؤديها بالنسبة الزجرية، لقيام الزجر بالمزجور عنه، وليس الزاجر إلا فاعل له.
عن كتاب مصباح المنهاج: الإجتهاد و التقليد للسيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم: نقض العهد: فقد عد من الكبائر في صحيح عبد العظيم مشيرا إلى الاستدلال عليه وعلى قطيعة الرحم. ويقتضيه أيضا شدة الوعيد عليه في الكتاب المجيد، كما في الآية المذكورة، والآية المتقدمة في نقض اليمين، وفي قوله تعالى: "الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون" (البقرة 37). وقد يستفاد من غيرها أيضا.
جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: ما ذكره الشيخ الطبرسي ويظهر من بعض الأعاظم قدس سره وغيره من إن الآية "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) لما لم تكن واردة بنحو القضية الخارجية لتقصر عمن انقضى عنه الظلم حين صدروها، بل بنحو القضية الحقيقة كانت شاملة للظالم حين وجوده وتلبسه بالظلم، ومقتضى إطلاقها عدم نيله العهد أبدا، لان قوله تعالى : "لَا يَنَالُ" مضارع منفي غير محدود بوقت، وهو يقتضى التأبيد. وفيه: أن مقتضى الاطلاق عدم ارتفاع الحكم عن موضوعه، لا عدم ارتفاعه بارتفاعه، فإذا اخذ في موضوع امتناع الإمامة عنوان الظالم لزم دورانه مدار صدق العنوان المذكور، لا ثبوته للذات بعد ارتفاعه ، كما هو الحال لو قيل : لا تصل خلف الفاسق. نعم، لو كان العنوان مسوقا لمجرد الحكاية عن الذات مع كونها تمام الموضوع اتجه ما ذكره قدس سره. لكنه مخالف لظاهر أخذ العنوان، ولا سيما في القضايا الحقيقية، وفي مثل المقام مما كان دخل العنوان في الحكم ارتكازيا. بل لا يظن منه ولا من غيره البناء على ذلك. ما ذكره سيدنا الأعظم قدس سره من ظهور صدر الآية في سؤال إبراهيم عليه السلام الإمامة لذريته، ويمتنع منه سؤالها لمن هو متلبس بالظلم حينها، بل المسؤول له عداهم ممن لم يتلبس بالظلم أصلا أو انقضى تلبسه به، فيكون ذيلها إخراجا للقسم الثاني، دون من تلبس بالظلم حينها ، لخروجه عن مورد السؤال. وفيه مع عدم ظهور صدر الآية ولا الروايات في سؤال إبراهيم وطلبه للإمامة، بل استفهامه عنها لم يطلب استيعاب ذريته بالإمامة، ليمنع عمومه للمتلبس بالظلم، بل جعلها فيهم في الجملة من دون نظر لشروط المستحق لها، وبيان المستحق ابتداء منه تعالى، فلا مانع من حمله على المتلبس فعلا بالظلم. أن وضوح منافرة منصب الإمامة للتلبس بالظلم مانع من حمل الآية الشريفة عليه، لاستهجان بيانه حينئذ، بل لا بد أن يحمل على ما يحتاج للبيان مما فيه نحو من الخفاء، وهو مانعية الظلم آنا ما من الإمامة ولو بعد ارتفاعه، فيكفي صدق العنوان سابقا بلحاظ حال التلبس. وفيه: أن وضوح ذلك بحسب المرتكزات العقلية والفطرة الأولية لا يمنع من بيانه بعد خروج الناس عن ذلك عملا بسبب جور الظالمين، بل اعتقاد كثير من أهل الأديان بخلافه، لشبهات روجها الطواغيت، فقد اشتهر عن المسيحيين إيمانهم المطلق بالكنيسة، وكذا غيرهم من أهل الأديان حتى بعض فرق المسلمين. ولولا ما من الله تعالى به من وضوح البيان ببقاء القرآن المجيد، وجهود أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم المخلصين، في التأكيد على ذلك، وفي كشف حال الظالمين وسلب الثقة بهم، لاتخذ عامة المسلمين طواغيتهم أئمة يتبعونهم في الاحكام، ويأخذون منهم الحلال والحرام ، كما تبعوا بعض الأوائل في كثير من فروع الدين وأصوله، مع وضوح ظلمهم حين ادعاء المنصب، وإن حاول بعض الاتباع بضلالهم التلبس والدفاع عن أئمتهم، وتنزيه سيرتهم عن الظلم، وسننهم في الدين عن الابتداع، بعد وضوح مانعية التلبس بالظلم عن الإمامة بسبب الجهود المذكورة.
جاء في كتاب المحكم في اصول الفقه للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: ودعوى : أن البعث الاعتباري يستتبع الانبعاث حين تحققه للتلازم بينهما عرفا ، كملازمة البعث الخارجي للانبعاث حقيقة. ممنوعة ، لان البعث والانبعاث الخارجيين متلازمان تلازم المتضايفين، فيمتنع انفكاك أحدهما عن الاخر عقلا ، أما البعث الاعتباري بالخطاب بالتكليف فهو غير ملازم للانبعاث بمعنى فعلية الإطاعة لا عقلا ولا عرفا، لوضوح تخلفها عنه كثيرا، وإنما يلازم الانبعاث بمعنى إحداث الموضوع للإطاعة بالنحو الصالح للداعوية للعمل، أما نحو العمل المدعو إليه فهو تابع للمأمور به سعة وضيقا ، فمع فرض ظهور إطلاقه في إرادة الطبيعة على سعتها لا وجه لكون البعث سببا لاحداث الداعي نحو خصوص بعض أفراده بالنحو الملازم للبدار. ولذا لا إشكال ظاهرا في عدم اقتضاء الامر بنفسه البدار لو كان الواجب موقتا بوقت واسع بناء على ما هو المعروف من إمكانه مع وضوح إمكان البدار للطبيعة المقيدة بالوقت المذكور كالطبيعة المطلقة. نعم، لو كان المدعى ظهور الصيغة أو نحوها في البعث نحو العمل بنحو البدار كان راجعا لتقييد المأمور به بالفرد السابق. لكن لا طريق لاثبات ذلك، بل المرتكزات تقضي بتمحضها في البعث نحو الطبيعة. فلا مجال لاستفادة الفور من نفس الخطاب. كما لا مجال لاستفادته من الامر بالمسارعة والاستباق في قوله تعالى "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ" (البقرة 148). بدعوى: أنه ليس المراد من المغفرة والجنة إلا سببهما ومنه فعل الواجبات، التي هي أيضا من الخيرات . لاندفاعها: بأن سببية فعل الواجبات للمغفرة والجنة وكونه من الخيرات بناء على أن المراد بها الأخروية، كما هو الظاهر، وعليه يبتني الاستدلال في رتبة متأخرة عن تعلق الامر بها، فلا يصلح الامر بالمسارعة والاستباق إليها الذي هو متأخر رتبة عن سببيتها وعن صدق عنوان الخيرات عليها لتقييد المأمور به منها شرعا، بنحو يكون عدم المسارعة والاستباق مخرجا لها عن كونها سببا للمغفرة والجنة ومن الخيرات، لعدم الامر بها بدونهما. مع أنها لو حملت على الالزام المولوي لزم تخصيص الأكثر، لخروج الواجبات الموسعة والمستحبات، مع إباء عمومها ارتكازا عن التخصيص، كما نبه له غير واحد. ودعوى: أن خروجها تخصص لا تخصيص، لاستحالة وجوب المبادرة لما يجوز تركه، فلا يهم كثرته.
https://telegram.me/buratha