الصفحة الإسلامية

معاني الروح المختلفة في القرآن الكريم (ح 10)


الدكتور فاضل حسن شريف

الإنسان حينما يموت فالروح تبقى فيما يضمحل البدن ويتلاشى. ومن أدلة السنة على ذلك. قوله صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله وسلم: (من صلّى عليّ عند قبري سمعته ، ومن صلى عليَّ من بعيد بُلّغته)، و (من صلّى عليَّ مرة صليت عليه عشراً، ومن صلّى عليَّ عشراً صلّيت عليه مائة فليكثر امرؤ منكم الصلاة عليَّ أو فليقلّ). روي عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أنه وقف على قليب بدر، فقال للمشركين الذين قتلوا يومئذٍ وقد اُلقوا في القليب: (لقد كنتم جيران سوء لرسول الله، اخرجتموه من منزله وطردتموه، ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه، فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً) فقيل له صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم: ما خطابك لهامٍ قد صديت؟ فقال صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم (فوالله ما أنتم بأسمع منهم وما بينهم وبين أن تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد إلّا أن أُعرض بوجهي هكذا عنهم). قوله صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم: (حتى إذا حمل الميت على نعشه رفرف روحه فوق النعش ويقول: يا أهلي ويا ولدي، لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت المال من حلّه وغير حلّه، فالغنى لغيري والتبعة عليَّ، فاحذروا مثل ما حلّ بي).

عن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: جاءت كلمة "الروح" في القرآن الكريم بصور شتى، فتارة تأتي مجرّدة عن أيّة قرينة، و غالبا ما تأتي في قبال الملائكة، كقوله تعالى: في الآية (4) من سورة المعارج: "تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ" (المعارج 4)‌، و في الآية (4) من سورة القدر: "تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر 4). و نلاحظ أنّ ذكر كلمة "الروح" في الآيتين أعلاه قد جاء بعد ذكر "الملائكة"، في حين جاء ذكرها في الآيات المبحوثة قبل "الملائكة" و يمكن حمل هذا التغاير على باب ذكر العام بعد الخاص، أو ذكر الخاص قبل العام. و ذكرت كذلك كلمة "الروح" مع الإضافة، أو صيغة الوصف المقارن ك "روح القدس" كما جاء في الآية (102) من سورة النحل: "قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ" (النحل 102)‌، و ك "الروح الأمين" (الشعراء 193) كما جاء في الآية (193) من سورة الشعراء "نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ‌" (الشعراء 193). و قد أضاف سبحانه و تعالى صفة "الروح" إلى ذاته المقدسة، كما في الآية (29) من سورة الحجر: "وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي" (الحجر 29)‌، و الآية (17) من سورة مريم: "فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا" (مريم 17). و كما هو ظاهر أنّ لكلمة "الروح" في القرآن معان متفاوتة، و قد تطرقنا لمعانيها حسب ورودها في الآيات. و أقرب ما يمكن التعويل عليه من معاني "الروح" في الآية المبحوثة هو كونه أحد ملائكة اللّه العظام، و الذي يبدو من بعض الآيات أنّه أعظم من جبرائيل و بدلالة ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام قوله: (هو ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل). و جاء في تفسير علي بن إبراهيم: (الروح ملك أعظم من جبرائيل و ميكائيل و كان مع رسول اللّه و هو مع الأئمّة). و جاء في تفاسير أهل السنة، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: (الروح جند من جنود اللّه ليسوا بملائكة لهم رؤوس و أيدي و أرجل، ثمّ قرأ: "يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا" (النبأ 39)، قال: هؤلاء جند و هؤلاء جند). و على أيّة حال، فسواء كان "الروح" من الملائكة أو من غيرهم، فإنّه سيقف يوم القيامة مع الملائكة صفّا بانتظار أوامر الخالق سبحانه، و سيكون هول المحشر بشكل بحيث لا يقوى أيّ من الخلق للتحدث معه، و الذين سيتكلمون أو يشفعون لا يقومون بذلك إلّا بعد إذنه جلّ شأنه، و ما واقع الكلام إلّا حمد اللّه و ثناؤه أو التشفع لمن هم أهلا للشفاعة. و قد روي‌ أنّه حينما سئل الإمام الصادق عليه السّلام عن هذه الآية، قال: (نحن و اللّه المأذون لهم يوم القيامة و القائلون). فقال الراوي: و أيّ شي‌ء تقولون؟ فقال عليه السّلام: (نمجد ربّنا، و نصلّي على نبيّنا، و نشفع لشيعتنا، فلا يردنا ربّنا). و نستفيد من هذه الرواية: إنّ الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام سيقفون صفّا يوم القيامة مع الملائكة و الروح، و سيكونون من المأذون لهم في الكلام و الشفاعة، و سيكون حديثهم منصبّا حول الذكر و الثناء و التسبيح للباري عزّ و جلّ.

جاء عن مركز الابحاث العقائدية عن معنى روح الله: ورد في القرآن كلمة روح الله في قوله تعالى: "وَلا تَيأَسُوا مِن رَوحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّهِ إِلَّا القَومُ الكَافِرُونَ" (يوسف 87). ويقول صاحب الميزان (وروح منه) الروح من الأمر قال تعالى قل الروح من امر ربي ولما كان عيسى عليه السلام كلمة (كن) التكوينية وهي امر فهو روح. وقال في مكان آخر: فعد الروح كلمة دالة على المراد فمن الجائز ان يعد الروح وحياً كما عد كلمة,وإنما سماه (كلمة منه) لأنه انما كان عن كلمة الإيجاد من غير أن يتوسط فيه السبب العادي من كينونه الناس بدليل قوله: "إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (ال عمران 59) وقد زاد سبحانه في ايضاح حقيقة الروح حيث قال "قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" (الاسراء 85) وظاهر (من) أنها لتبيين الجنس كما في نظائرها من الآيات "يُلقِي الرُّوحَ مِن أَمرِهِ" (غافر 15) "يُنَزِّلُ المَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِن أَمرِهِ" (النحل2)، "أَوحَينَا إِلَيكَ رُوحاً مِن أَمرِنَا" (الشورى:52)، "تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمرٍ" (القدر 4) فالروح من سنخ الأمر. ثم عرف امره في قوله: "إِنَّمَا أَمرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (يّـس 82) فبين أولاً ان امره هو قوله للشيء كن وهو كلمة الإيجاد التي هي الإيجاد والإيجاد هو وجود الشيء لا من كل جهة بل من جهة استناده إليه تعالى وقيامه به فقوله فعله. ثم ان كلمة روح الله تحولت من هذا المعنى الذي تحمله الى تسمية سميت بها بعض الافراد والتسمية قد لا يقصد منها ما تحمله من معنى لان الأسماء المرتجلة لا يلاحظ فيها المناسبة بين الأسم والمسمى.

جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى: "يا بنى اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون" (يوسف 87) قال في المجمع التحسس بالحاء طلب الشئ بالحاسة والتجسس بالجيم نظيره وفي الحديث: لا تحسسوا ولا تجسسوا وقيل إن معناهما واحد ونسق أحدهما على الاخر لاختلاف اللفظين كقول الشاعر: متى ادن منه ينأ عنه ويبعد. وقيل التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس وبالحاء الاستماع لحديث قوم وسئل ابن عباس عن الفرق بينهما؟ قال: لا يبعد أحدهما عن الاخر التحسس في الخير والتجسس في الشر انتهى. وقوله "ولا تيأسوا من روح الله " (يوسف 87) الروح بالفتح فالسكون النفس أو النفس الطيب ويكنى به عن الحالة التي هي ضد التعب وهى الراحة وذلك أن الشدة التي فيها انقطاع الأسباب وانسداد طرق النجاة تتصور اختناقا وكظما للانسان وبالمقابلة الخروج إلى فسحة الفرج والظفر بالعافية تنفسا وروحا لقولهم يفرج الهم وينفس الكرب فالروح المنسوب إليه تعالى هو الفرج بعد الشدة بإذن الله ومشيته وعلى من يؤمن بالله ان يعتقد ان الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لا قاهر لمشيته ولا معقب لحكمه وليس له ان ييأس من روح الله ويقنط من رحمته فإنه تحديد لقدرته وفي معنى الكفر بإحاطته وسعة رحمته كما قال تعالى حاكيا عن لسان يعقوب عليه السلام "انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون" (يوسف 87) وقال حاكيا عن لسان إبراهيم عليه السلام "ومن يقنط من رحمه ربه الا الضالون" (الحجر 56) وقد عد اليأس من روح الله في الاخبار المأثورة من الكبائر الموبقة.

جاء في الموسوعة الحرة عن الاسراء و المعراج: الإسراء بالروح أم الجسد. أنقسم رأي العلماء والسلف إلى ثلاث، فمنهم من يقول أن الإسراء والمعراج كان بالروح، ومنهم من يقول كان بالجسد، ومنهم من يقول كان بالروح والجسد، وهذا ما ذهب عليه معظم السلف والمسلمين في اليقظة. أما الإسراء فقد نص عليه القرآن في سورة الإسراء، وجاءت أحاديث كثيرة تدل عليه، وقد ذكر الطبري وابن كثير والبغوي في تفاسيرهم كثيرا منها، وذهب إلى القول بكونه أسري بجسد النبي محمد يقظة ليلة الإسراء وعرج به إلى السماء جمهور أهل العلم، ورجحه كثير من أعلام المفسرين وعلى رأسهم الطبري وابن العربي وابن كثير والبغوي والبيضاوي، وقال القرطبي: ثبت الإسراء في جميع مصنفات الحديث، وروي عن الصحابة في كل أقطار الإسلام فهو من المتواتر بهذا الوجه، وذكر النقاش ممن رواه عشرين صحابيا. وقال الشوكاني في قتح القدير: والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة. ويكفي أن الإسراء والمعراج كان بجسده الشريف لقوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الاسراء 1) وقوله تعالى: "لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى" (النجم 18). قال أبو جعفر الطبري في تفسيره: الصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى كما أخبر الله عباده، وكما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله حمله على البراق، حتى أتاه به، وصلى هناك بمن صلى من الأنبياء والرسل، فأراه ما أراه من الآيات. ولا معنى لقول من قال: أسري بروحه دون جسده، لأن ذلك لو كان كذلك لم يكن في ذلك ما يوجب أن يكون دليلاً على نبوته، ولا حجة له على رسالته، ولا كان الذين أنكروا حقيقة ذلك من أهل الشرك كانوا يدفعون به عن صدقه فيه، إذ لم يكن منكراً عندهم ولا عند أحد من ذوي الفطرة الصحيحة من بني آدم أن يرى الرائي منهم في المنام ما على مسيرة سنة، فكيف ما هو مسيرة شهر أو أقل. وبعد فإن الله إنما أخبر في كتابه أنه أسرى بعبده، ولم يخبرنا بأنه أسري بروح عبده، وليس جائزاً لأحد أن يتعدى ما قاله الله إلى غيره. بل الأدلة الواضحة، والأخبار المتتابعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أسرى به على دابة يقال لها البراق، ولو كان الإسراء بروحه لم تكن الروح محمولة على البراق، إذ كانت الدواب لا تحمل إلا الأجساد. قيل أن الحكمة في المعراج أن الله تعالى أراد أن يشرف بأنوار محمد صلى الله عليه وسلم السماوات كما شرف ببركاته الأرضين فسرى به إلى المعراج، وسئل أبو العباس الدينوري: لم أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس قبل أن يعرج به إلى السماء ؟ فقال: لأن الله تعالى كان يعلم أن كفار قريش كانوا يكذبونه فيما يخبرهم به من أخبار السماوات فأراد أن يخبرهم من الأرض التي قد بلغوها وعاينوها وعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيت المقدس قط فلما أخبرهم بأخبار بيت المقدس على ما هو عليه لم يمكنهم أن يكذبوه في أخبار السماء بعد أن صدقوا أخبار الأرض.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك