الدكتور فاضل حسن شريف
الحديث النبوي الشريف يقول (ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء). وفي الحقيقة لكل انسان نهاية دنيوية للجسد بعد خلقه بالتفصيل المذكور ثم الوفاة "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (غافر 67). قد يموت الانسان وهو طفل او شاب او شيخ. يوجد فرق بين الموت والفناء. قال امير المؤمنين عليه السلام (الذي توحد بالعز والبقاء وقهر عباده بالموت والفناء). بعض الناس عندما يصل عمر طويل يرغب بالموت لاسباب عديدة كالمرض او الحوادث عندما يصبح الجسد ثقيل على الروح. هنالك موت رحيم والاسلام يرفض ذلك الموت لان الجسد تبقى فيه الروح و لا تصبح سعيدة بفصلها عن الجسد بطريقة لا يريدها الله تعالى. ان الاحكام القرآنية او الاعمال تخاطب الانسان كونه باق على قيد الحياة. لذلك على الانسان الاهتمام بجسده ولكن ليس كل اهتماته تنصب على الجسد وترك الروح فعلى الاقل نعتني بالروح كما نعتني بالجسد. فالجسد يحتاج الى طعام وكما قيل كاد الفقر ان يكون كفرا، وكذلك الروح تحتاج الى طعام. وطعام الروح هو المعرفة والاخلاق والتقوى "وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى" (البقرة 197) الزاد هو الطعام. وزاد الروح هو الحب وخاصة حب الله. وكما قال امير المؤمنين عليه السلام (انما هي نفسي اروضها). ان النفس تحتاج الى تمرين مثل الصبر واطاعة الله وتجنب المعاصي "وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ" (المؤمنون 9). فالصلاة من الزاد المطلوب للروح ومنها "الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ" (المعارج 23) والدائمون على الصلاة هم الذين يؤتون الصلاة المستحبة. ان الروح تسافر الى عالم الملكوت والملائكة بالاعمال الحسنة كالصلاة والدعاء والصدقات "وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" (النساء 69). وكما جاء في الحديث النبوي (الصلاة معراج المؤمن) "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" (فاطر 10). والروح هي التي تسيطر على الجسد.. والاعمال مثل الصلاة والصوم والصدقة تتطلب النية. والنية هي ماكنة الروح. فالنية تخص الروح وليس الجسد. والله جعل الروح تحرك الجسد "قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ" (الاسراء 84). وجاء في الحديث النبوي: من كانت هجرته لله ورسوله فهجرته الى الله ورسوله، ومن كانت نيته لدنيا يصيبها او امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه. ومسارعة او حركة الروح لله والاعتقاد بالجنة والعقاب والنار كلها لها علاقة بالروح وليس للجسد "وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (ال عمران 133). لذلك فالخطابات القرآنية موجهة للروح وليس للجسد. واحاسيس السمع والبصر والشم لها علاقة بالروح بينما الاذن والعين والانف اجزاء الجسد.
عن حبّه العرني، قال: خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظهر، فوقف بوادي السلام، كأنّه مخاطبٌ لأقوامٍ فقلت: يا أمير المؤمنين، إني قد أشفقت عليك من طول القيام، فراحة ساعة فقال لي: (يا حبّة، إن هو إلّا محادثة مؤمن أو مؤانسته) قلت: يا أمير المؤمنين، وإنهم لكذلك. قال: نعم، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون). جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي: في تسميته عيسى عليه السلام روحا أقوال: أحدها أنه إنما سماه روحا لأنه حدث عن نفخة جبرئيل عليه السلام في درع مريم بأمر الله تعالى وإنما نسبه إليه لأنه كان بأمره وقيل إنما أضافه إليه تفخيما لشأنه كما قال: الصوم لي وأنا أجزي به وقد يسمى النفخ روحاـ ثانياً: أن المراد به يحيى به الناس في دينهم كما يحيون بالأرواحـ والثالث أن معناه إنسان أحياه الله بتكوينه بلا واسطة من جماع ونطفة كما جرت العادة بذلك الرابع أن معناه: ورحمة منه والخامس أن معناه روح من الله خلقها فصورها ثم أرسلها إلى مريم فدخلت في فيها فصيرها الله سبحانه عيسى عليه السلام السادس سماه روحا لأنه كان يحيي الموتى كما أن الروح يصير سببا للحياة.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: يستفاد من الآيات أن خلق الإنسان تمّ بشيئين متغايرين، أحدهما في أعلى درجات الشرف و الآخر في أدنى الدرجات بقياس ظاهر القيمة. فالطين المتعفن خلق منه الجانب المادي منه الإنسان، في حين جانبه الروحي و المعنوي خلق بشيء سمي (روح اللّه). و بديهي أنّ اللّه سبحانه منزّه عن الجسيمة و ليس له روح، و إنّما أضيف الروح إلى لفظ الجلالة لإضفاء التشريف عليها و للدلالة على أنّها روح ذات شأن جليل قد أودعت في بدن الإنسان، بالضبط كما تسمّى الكعبة (بيت اللّه) لجلالة قدرها، و شهر رمضان المبارك (شهر اللّه) لبركته. بما انّ أولاد يعقوب كانوا مطمئنين الى هلاك يوسف و عدم بقاءه، تعجّبوا من توصية أبيهم و تأكيده على ذلك، لكن يعقوب نهاهم عن اليأس و القنوط و وصّاهم بالاعتماد على اللّه سبحانه و الاتّكال عليه بقوله: "وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ فإنّه القادر على حلّ الصعاب و إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ" (يوسف 87). قوله تعالى "رَوْحِ" (يوسف 87) بمعنى الرحمة و الراحة و الفرج و الخلاص من الشدّة. يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته «الرّوح و الرّوح في الأصل واحد و جعل الروح اسما للنّفس و الرّوح التنفّس و قد أراح الإنسان إذا تنفّس). إنّ فقد أخيهم بنيامين و الآلام التي المّت بأبيهم كانت تزيد من قلقهم و بتعبير آخر فإنّ السكين قد وصلت الى العظم، كما يقول المثل الّا انّ الذي كان يبعث في نفوسهم الأمل و يعطيهم القدرة على تحمّل الصعاب هو وصيّة أبيهم "لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّه" (يوسف 87)ِ.
عن تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: نسبة الوحي وهو الكلام الخفي إلى الروح بهذا المعنى وهو من الموجودات العينية والأعيان الخارجية فلا ضير فيه فإن هذه الموجودات الطاهرة كما أنها موجودات مقدسة من خلقه تعالى كذلك هي كلمات منه تعالى كما قال في عيسى بن مريم عليه السلام "وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ" (النساء 171) فعد الروح كلمة دالة على المراد فمن الجائز أن يعد الروح وحيا كما عد كلمة وإنما سماه كلمة منه لأنه إنما كان عن كلمة الإيجاد من غير أن يتوسط فيه السبب العادي في كينونة الناس بدليل قوله "إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " (ال عمران 59) وقد زاد سبحانه في إيضاح حقيقة الروح حيث قال "قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي" (الاسراء 85) وظاهر "مِنْ" أنها لتبيين الجنس كما في نظائرها من الآيات "يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ" (المؤمنون 15) "يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ" (النحل 2) "أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا" (الشورى 52) "تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْر" (القدر 4) فالروح من سنخ الأمر.
https://telegram.me/buratha