الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين الصغير (ح 6)


الدكتور فاضل حسن شريف

جاء في كتاب نظرات معاصرة في القرآن الكريم للدكتور محمد حسين علي الصغير عن رجال الاعراف: وهنا يتجلى دور رجال الاعراف الريادي في المنزلة والحجة وقرع الدليل بالدليل، وتتحقق تلك المنزلة الرفيعة لهؤلاء الرجال "وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلاً بسيماهم" (الاعراف 46). فهؤلاء في حالة وجود الحجاب الحاجز بين أهل الجنة وأهل النار، وهناك السماك المرتفع الذي يطل منه أصحاب الأعراف على الجمع، وهؤلاء أنفسهم لهم صلاحية متميزة خاصة عرفوا بها ، إنهم يعرفون أهل الجنة بسيماهم، وأهل النار بسيماهم، فهي خاصية كبرى فريدة، لا تقاربها خاصية أخرى يومئذ، تلك الخاصية تنبئ عن القرب الملكوتي من الله تعالى، وتتحدث عن التصرف بأمره تعالى، فهم يشرفون على الجمع في ساحة البعث، فيعرفون كل ذات بالسمة المجردة لها، والمعرفة بها من الأولين والآخرين، سواء في ذلك من كان منهم في أعلى عليين، ومن هبط منهم وانحدر أسفل سافلين. وهنا يتحدّد الوعد الالهي الحق بأنهم المنصورون، وأنهم المقربون، وأنهم الشفعاء، وأنهم الشهداء، وذلك في تمام الآية مباشرة "وَنَادَوْا أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ" (الاعراف 46). فهذا النداء بهذا الامر إنما تحصل قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة، وهم يطمعون بدخولها، وصيغة النداء سلام عليكم. ولا تنفس يومئذ ولا تكلم "هذا يوم لا ينطقون" (المرسلات 35). وحين إعتلاء هذه الحالة آفاق المحشر، تنحدر الأبصار للطرف الآخر "وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (الاعراف 47). وقد يقال بأن هذا دعاء أصحاب الأعراف ولا مانع من ذلك أن يتعوذ المؤمن من الكون مع الظالمين، ولكن التدبر في السياق، وهو يريد أن يتحدث عن منزلة رجال الأعراف وموقعهم في ذلك اليوم يوحي بأن الضمير في "أبصارهم" (الاعراف 47) و "قالوا" (الاعراف 47) يعود إلى أهل الجنة، لأنهم في تلك الحال يدعون ويتضرعون كما هو شأن الأبرار، والتوقيت قبل دخول أهل الجنة الجنة، وقبل دخول أهل النار النار أيضاً.

ويستطرد الدكتور الصغير رحمه الله عن اصحاب الاعراف: وهنا تبدو الحقيقة الأخرى في خطاب أصحاب الأعراف رجالاً من أهل النار "وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ" (الاعراف 48). هذا النداء الصادر من أصحاب الأعراف للجمع المتكبر من الجبابرة فيه تقريع لهم، وشماتة بهم، وسخرية بواقعهم، وتأنيب على ظنهم، وقد تقطعت بهم الأسباب بعد ذاك التطاول والشموخ والاستعلاء، فما أغنى عنهم ما جمعوا من العدة والعدد، والخول والخدم، والمال والعقار، كلها ذهبت هباءً، وتطايرت في مهب الاحلام ، فلا جمع ولا استكبار، بل خنوع وخضوع، وذل وإذلال، وليت الأمر وقف بهم عند هذا الملحظ بل صكهم الاستفهام التقريري بالاشارة إلى أهل الجنة بما أفاضه أهل الأعراف "أَهَٰؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللهُ بِرَحْمَةٍ" (الاعراف 49). أي هؤلاء هم الذين كنتم تجزمون قولاً أنهم لا يصيبهم فيما يسلكونه من طريق العبودية خير، وإصابة الخير هي نيله تعالى إياهم برحمة، ووقوع النكرة برحمة في حيز النفي يفيد استغراق النفي للجنس، وقد كانوا ينفون عن المؤمنين كل خير ثم تعالى صوت أهل الاعراف لأولئك المستضعفين من المؤمنين، بتفويض خاص، وبأمر خاص من الله دون ريب قائلين لهم "ادْخُلُوا الجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ" (الاعراف 49). وهو أمر من رجال الأعراف لأصحاب الجنة بدخول الجنة بعد تقرير حالهم عند الكفرة بالاستفهام، وكان الأمر نهائياً بتخويل نهائي لا يجزأ ولا ينشطر، ولا يرد ولا يبدل، لأنه إقترن بإشاءة الله وإرادته، ولا رادّ لذلك.

ويقول الاستاذ محمد حسين الصغير: إذن من هم رجال الأعراف، وأصحاب الاعراف في سورة الأعراف؟ المروي عن الامام الباقر أنه قال (هم أكرم الخلق على الله تبارك وتعال). وهذا إجمال يفصله الامام الباقر نفسه ويبينه في رواية أخرى وقد سئل ما يعني بقوله تعالى"وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ" (الاعراف 46)، قال الباقر عليه‌ السلام (ألستم تعرفون عليكم عرفاء على قبائلكم ليعرفوا من فيها من صالح أو طالح، قلت بلى: فنحن أولئك الرجال الذين يعرفون كلاً بسيماهم). وهم لدى المفسرين: إما أن يكونوا رجالاً مخصوصين بالحباء الكامل لأنهم في أعلى درجات السابقين ، فكانوا في أرقى درجات القربى من الله تعالى ، وهم النبي وأهل البيت عليهم‌السلام. وإما أن يكونوا من تساوت حسناتهم وسيئاتهم في قول ساذج، وهذا الملحظ لا يقع أصلاً فليس هناك من تتساوى سيئاته وحسناته يوم القيامة قطعاً، لأن الحسنات يذهبن السيئات، فالحسنات جديرة برفع المسيء إلى درجة المحسن، إذا أحسن بعد توبة نصوح، والسيئات العظمىٰ قد تحبط الحسنات، فيدنو المحسن من الهاوية لو كانت لديه حسنات إذا حبطت أعماله، ومن جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا سيئة مثلها ، هذا كله وغير هذا يقوي النظر والقول بعدم تساوي الحسنات والسيئات وهو الذي يحكم به العقل والشرع والعرف. فإذا أضفنا إلى هذه المدارك ثقل الموازين وخفة الموازين يوم القيامة، علمنا أن هناك قسمين لا ثالث لهما، وهذان القسيمان هما أهل الحسنات فيما تثقل به الموازين وهم أهل الجنة، وأهل السيئات فيما تخف به الموازين وهم أهل النار، كما تصرح بذلك الآيات: قال تعالىٰ "وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ " (الاعراف 8-9). وقال تعالىٰ "فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ" (المؤمنون 102-103). وقال تعالى "فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)" (القارعة 6-11). وهذا من أقطع الأدلة على رفض القول بتساوي الحسنات والسئيات.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك