الصفحة الإسلامية

اشارات قرآنية لكتاب اقتصادنا للسيد محمد باقر الصدر قدس سره (ح 7)


الدكتور فاضل حسن شريف

وعن علاقة الملكية الخاصة بالمكاسب الاخروية يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره في كتابه اقتصادنا: وقد قاوم الإسلام النظرة الغائية إلى الملكية ـ النظرة إليها بما هي غايةـ لا بالتعديل من مفهومها وتجريدها عن امتيازاتها في غير مجالها الأصيل فحسب، بل قام إلى صفّ ذلك بعمل إيجابي لمقاومة تلك النظرة، ففتح بين يدي الفرد المسلم أفقاً أرحب من المجال المحدود والمنطق المادّي العاجل، وخطا أطول من الشوط القصير للملكية الخاصة الذي ينتهي بالموت، وبشّر المسلم بمكاسب من نوع آخر: أكثر بقاءً ، وأقوى إغراء، وأعظم نفعاً لمن آمن بها . وعلى أساس تلك المكاسب الأخروية الباقية قد تصبح الملكية الخاصة أحياناً حرماناً وخسارة، إذا حالت دون الظفر بتلك المكاسب، كما قد يصبح التنازل عن الملكية عملية رابحة إذا أدّت إلى تعويض أضخم من مكاسب الحياة الآخرة. وواضحٌ أنّ الإيمان بهذا التعويض، وبالمنطلق الأوسع والمدى الأرحب للمكاسب والأرباح، يقوم بدور إيجابي كبير في إطفاء البواعث الأنانية للملكية ، وتطوير النظرة الغائية إلى نظرة طريقيّة. قال الله تعالى "وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ" (سبأ 39)، "وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ" (البقرة 272)، "وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (البقرة 110)، "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً" (ال عمران 30)، "وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِين" (ال عمران 115). وقد قارن القرآن الكريم بين النظرة المنفتحة للأرباح والخسائر التي لا تقيسها بمقاييس الحسّ العاجل فحسب، وبين النظرة الرأسمالية الضيّقة التي لا تملك سوى هذه المقاييس فيتهدّدها شبح الفقر دائماً، وتفزع بمجرد التفكير في تسخير الملكية الخاصة لأغراض أعم وأوسع من دوافع الشَّرَه والأنانية، لأنّّ شبح الفقر المرعب والخسارة يبدو لها من وراء هذا اللون من التفكير. ونسب القرآن هذه النظرة الرأسمالية الضيقة إلى الشيطان، فقال "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة 268).

ويقول السيد الصدر عن الربا في التشريع الاسلامي: الرِّبا في القرض حرام في الإسلام، وهو: أن تقرض غيرك مالاً إلى موعد بفائدة يدفعها المدين عند تسليم المال في الموعد المتّفق عليه . فلا يجوز القرض إلاّ مجرّداً عن الفائدة، وليس للدائن إلاّ استرجاع ماله الأصيل دون زيادة، مهما كانت ضئيلة. وهذا الحكم يعتبر في درجة وضوحه إسلامياً في مصافّ الضروريات من التشريع الإسلامي. ويكفي في التدليل عليه، الآيات الكريمة التالية "الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 275)، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ" (البقرة 278-279).

يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره عن كلام لأمير المؤمنين عليه السلام: فمن تلك التعليمات البرنامج الذي وضعه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لواليه على مصر ، محمّد بن أبي بكر ، وأمره بالسير عليه وتطبيقه . ففي أمالي الشيخ الطوسي أنّ أمير المؤمنين لمّا ولّى محمّد ابن أبي بكر مصر ، كتب له كتاباً وأمره أن يقرأه على أهل مصر ، وأن يعمل بما احتواه . وقد كتب الإمام في هذا الكتاب يقول: (يا عباد الله، إنّ المتّقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم، أباح لهم الله الدنيا ما كفاهم به وأغناهم، قال الله عزّ وجلّ "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" (الاعراف 32) سكنوا الدنيا بأفضل ما سُكنت، وأكلوها بأفضل ما أُكلت، وشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ، فأكلوا معهم من طيّبات ما يأكلون، وشربوا من طيّبات ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وركبوا من أفضل ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا، وهم غداً جيران الله يتمنّون عليه فيعطيهم ما يتمنّون، لا تردّ لهم دعوة، ولا ينقص لهم نصيب من اللذّة ، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق من كان له عقل، ويعمل له بتقوى الله ، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله). وهذا الكتاب التأريخي الرائع ، لم يكن قصّة يتحدّث فيها الإمام عن واقع المتّقين على وجه الأرض، أو واقعهم في التأريخ ، وإنّما كان يستهدف التعبير عن نظرية المتّقين في الحياة ، والمثل الذي يجب أن يحقّقه مجتمع المتّقين على هذه الأرض، ولذا أمر بتطبيق ما في الكتاب، ورسم سياسته في ضوء ما جاء فيه من وصايا وتعليمات، فالكتاب إذن واضح كلّ الوضوح في أنّ اليُسر المادّي الذي يحقّقه نمو الإنتاج واستثمار الطبيعة إلى أقصى حدٍّ، هدف يسعى إليه مجتمع المتّقين، وتفرضه النظرية التي يتبنّاها هذا المجتمع ويسير على ضوئها في الحياة. والهدف في نفس الوقت مغلف بالإطار المذهبي ، ومحدّد بحدود المذهب كما يقرّره القرآن الكريم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (المائدة 87). فالنهي عن الاعتداء في مجال الانتفاع بالطبيعة واستثمارها تعبير بالطريقة القرآنية عن ذلك الإطار المذهبي العام

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
طاهر باقر : انا استغرب لماذا لابد ان يقدم شاب عراقي على الانتحار من اجل مسألة تافهة مثل هذه القضية ...
الموضوع :
انتحار طالب بعد عودته من الامتحان في واسط
باقر : والنعم من النواصب الدواعش والجولاني ..... والنعم من اتباع الصحابة ...
الموضوع :
الاردن يطرد عدد من اطفال غزة المصابين وعوائلهم بحجة ان الاردن مفلس
علي : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نتمنى من أدارة المطار أن تسمح بدخول السيارات لأستقبال المسافر لأن نحن ...
الموضوع :
وزارة النقل تعلن قرب افتتاح ساحة النقل الخاص بمطار بغداد الدولي
الحسين بن علي : الحفيد للجد السعيد ياجد عُد فكلنا اشتقنا لرؤياك وضحكة محياك ياعذب الماء ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
باقر : انت غلطان وتسوق الاوهام.... حثالات الأرض هم أهالي تكريت والانبار وديالى والموصل.... ...
الموضوع :
حماقة البعث والوجه الآخر لتكريت.
ضياء عبد الرضا طاهر : حبيبي ھذا الارھابي محمد الجولاني ھو مثل جورج دبليوا بوش الصغير وترامب صعد وصار رئيس واستقبال حافل ...
الموضوع :
صورة للارهابي ابو محمد الجولاني عندما كان معتقلا في سجن بوكا عام 2005
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
فيسبوك